آي بي إم تعمل على استبدال المضادات الحيوية بهذه الجزيئات الاصطناعية الكبيرة

4 دقائق
يعمل الباحثون في شركة آي بي إم على جزيء اصطناعي لمكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وتظهر في الصورة أعلاه إحدى أنواع هذه البكتيريا وهي المكورات العنقودية الذهبية المقاوِمة للميثيسيلين.

عندما اكتشف ألكسندر فليمنج البنسلين في عام 1928، كانت النتائج مهمة لسببين: أولاً ، كان من الواضح أنه أصبح لدى الأطباء أخيراً طريقة لعلاج أمراض مثل الالتهاب الرئوي والسيلان والحمى الرثوية. وحتى ذلك الحين، كان النهج المتبع هو المراقبة والانتظار والأمل في أن يقوم الجهاز المناعي للمريض بتطهير العدوى؛ وهو الأمر الذي لم يكن ينجح غالباً. وثانياً، قدم الاكتشاف فكرة أنه يمكننا استخدام جزيئات موجودة في البكتيريا والفطريات لقتل البكتيريا الأخرى، تلك التي تسبب العدوى والمرض.

ومنذ ذلك الحين، عمل الباحثون على اكتشاف جزيئات جديدة، تشبه البنسلين، لعلاج مختلف البكتيريا والفطريات التي تصيبنا. ومنذ البداية، كان الأمر سباقاً ضد الزمن. تتطور البكتيريا بسرعة، وفي حين أن هدفنا هو القضاء عليها جميعاً، فإن هدفها هو العكس تماماً: البقاء على قيد الحياة بأي ثمن. وتشير الأبحاث إلى أنه في هذا الجهد القائم على التجاذب بين الطرفين، يجري جر البشر تدريجياً إلى انتصار البكتيريا عليهم. في مايو 2016، قدّرت دورية مقاومة مضادات الميكروبات، وهي مجموعة بحثية ممولة من وزارة الصحة البريطانية، أن 700 ألف شخص يموتون كل سنة من عدوى مقاومة للمضادات الحيوية (وهي البكتيريا التي لا تستطيع المضادات الحيوية المتوفرة حاليًا قتلها). وبحلول عام 2050 ، يمكن أن يموت ما يقدر بنحو 10 ملايين شخص من هذه المقاومة إذا لم يجد الباحثون طريقة لمواكبة البكتيريا المتطورة باستمرار.

يستخدم العلماء أساليب لا حصر لها لتجنب هذه النتيجة. وبينما يتضمن معظمها إيجاد جزيئات أو بروتينات جديدة في البكتيريا أو الفطريات، على غرار الطريقة التي وجد بها فليمنج البنسلين، فإن الباحثين في آي بي إم يتبعون نهجاً مختلفاً. فقد أوجدوا جزيئاً اصطناعياً يعمل بطريقة جديدة لقتل كل بكتيريا من الداخل إلى الخارج.

وقد شرع الباحثون في معالجة أكثر سيناريوهات مقاومة المضادات الحيوية رعباً: عندما تصبح السلالة المقاومة للبكتيريا جهازية، تنتشر عبر الدم إلى كل جهاز عضو في الجسم. وقد قاموا بتصميم جزيئات لمكافحة خمسٍ من أكثر السلالات المقاومة للعقاقير التي يتم التقاطها عادة في المستشفيات، والتي غالباً ما تصبح جهازية وتؤدي إلى فشل العضو.

كان الباحثون يعملون على إيجاد جزيئات اصطناعية لبعض الوقت، ولكن الأمر صعب، حيث يحتاج الجزيء الاصطناعي لأن يكون قادراً على التحلل الحيوي - أي لا يمكن أن يبقى داخل الجسم إلى الأبد - كما يحتاج أيضاً إلى محاربة البكتيريا بشكل فعال بطريقة لا تؤثر سلباً على أجهزة الأعضاء الأخرى في الجسم. وعادة ما تفعل الأدوية الموجودة التي تقتل البكتيريا عالية المقاومة ذلك في مقابل إحداث سمّية في الكبد والأعضاء الأخرى.

يقول جيمس هيدريك، الباحث في آي بي إم: "إننا نحاول محاكاة الطريقة الدقيقة التي يعمل بها نظام المناعة الفطرية في أجسامنا". وقد نشر هو وفريقه النتائج التي توصلوا إليها في دراسة هذا الأسبوع في مجلة الطبيعة. وبحسب هيدريك فإن نظامنا المناعي يستهدف ميكروباً ويحلل غشاءه، أي أننا ندمر العناصر الخلوية الغازيَة خلال تحطيم حواجز الحماية لديها. يقول هيدريك: "عندما تصاب بالعدوى، يفرز جسمك على الفور الببتيدات المضادة للميكروبات، وهي ببساطة مرادف جميل للبوليمر". (والبوليمر، بالمناسبة، هو أيضاً مجرد مرادف للجزيء الكبير). وفي السنوات الأخيرة، ركز العديد من العلماء على إيجاد هذه الجزيئات الكبيرة في المختبر.

يقول هيدريك إن مشكلة استخدام هذه الطريقة الدقيقة عندما يكون لديك عدوى جهازية، هي أنه عندما تنفجر خلية بكتيرية في الجسم ، فإنها تطلق السموم إلى مجرى الدم. وهو ما لا يشكل خطراً في الحالة المفردة، ولكن عندما يكون لديك الملايين من هذه المواد الصغيرة الخطرة، تبدأ السموم في التراكم.

ويرى هيدريك أن البوليمرات الاصطناعية في الماضي كانت تستخدم طريقة مشابهة، حيث أنها تقوم بتفجير كل بكتريا وإزالتها. ولكن بدلاً من التسبب في انفجار البكتريا، تقتل البوليمرات الصناعية الجديدة كل بكتيريا من الداخل إلى الخارج.

علاوة على ذلك، يعتقد هيدريك وفريقه أن هذه الأنواع من المضادات الحيوية ستؤدي إلى مقاومة أقل للمضادات الحيوية. يعمل البوليمر من خلال التفاعلات الكهربائية الساكنة، حيث تنجذب الشحنة الإيجابية والسلبية إلى بعضها البعض. ولكنه يجذب نفسه إلى مواقع متعددة على سطح البكتيريا. وهذا يعني أنه حتى لو تطورت البكتيريا، فإنه من المحتمل جداً أن تظل البوليمرات المكافحة للبكتيريا مجتذَبة إلى منطقة واحدة من البكتيريا.

لقد وجد فريق آي بي إم أن البوليمر قابل للتحلل بشكل كامل ويعمل بسرعة كبيرة. "إن ما يجعل هذه الفئة الجديدة من المواد رائعة جداً هو أنها تتحلل تماماً بعد ثلاثة أيام. فكل ما يفعله البوليمر هو أنه يدخل، يقتل البكتيريا، يتحلل، ويغادر".

وحتى الآن، أجريت جميع دراساتهم على الفئران، لكن هندريك يقول إن فريقه مستعد للانتقال إلى التجارب السريرية البشرية. وبالنسبة لـ آي بي إم، فإن هذا يعني إقامة شراكة مع شركة أدوية لإحضار البوليمر إلى التجارب السريرية، وربما تطويره إلى دواء.

هذه كلها أشياء واعدة جداً، لكن ما زال أمام البحث طريق طويل قبل أن يصل إلى وصفة الطبيب. وعلى الرغم من النتائج الجيدة التي ظهرت على الفئران، إلا أن تلك الآثار الإيجابية نفسها قد لا تترجم إلى البشر، على الأقل لن تكون بهذه الفعالية. والأكثر أهمية هو أن الجزيئات تتحلل في البشر كما تتحلل في الفئران. وقد أدت المخاوف من تراكم هذه المضادات الحيوية البوليمرية في الجسم على المدى الطويل إلى إعاقة محاولات التطوير السابقة.

وهناك أيضاً قلق من التكلفة. فمن المرجح أن يكون تصنيع البوليمر المعالج مخبرياً أكثر تكلفة بكثير من المضادات الحيوية التقليدية، وبالتالي قد يكون أكثر تكلفة بالنسبة لشركات الأدوية والمستهلكين.

وحتى لو أثبت العلاج الجديد نجاحه، فإنه لن يكون بحال من الأحوال سبباً للتخلي عن الجهود الأخرى لتحديد خيارات ما بعد المضادات الحيوية، بالإضافة إلى تلك التي تبطئ تقدم مقاومة المضادات الحيوية. إن أشياء مثل تقليل عدد العمليات القيصرية غير الضرورية، وتجنب استخدام المضادات الحيوية للعدوى التي لا تستجيب لها (مثل نزلات البرد أو الأنفلونزا) أو كون جهاز المناعة لدى شخص ما سيتبدد على الأرجح دون مساعدة، أو التقليل من استخدامها في إنتاج اللحوم، كلها أشياء ستساعد على درء العدد المتزايد من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية التي تصيبنا.

وعلى الرغم من أن الدواء قد يكون قادراً على درء المقاومة البكتيرية لبعض الوقت (الأمر الذي يرى هندريك أنه من الصعب التنبؤ بفترته الزمنية بدقة)، فإن ذلك لا يعني أنها ستعمل إلى الأبد. يقول هيدريك: "إنها حقاً بكتيريا ذكية. وأنا على يقين من أنها وعلى مدى عقود قادمة، ستجد طريقة للتملص من العلاج. وهذا هو السبب في أن هذا النوع من مكافحة البكتيريا لا نهاية له".

المحتوى محمي