التقط هاتفك الذكي وافتح تطبيق فيسبوك (بافتراض أن لديك حساباً على الشبكة الاجتماعية؛ لكنك بلا شك تملك حساباً هناك!). ثم اذهب للإعدادات ثم إلى إعدادات الحساب ثم إلى الإعلانات ثم إلى "المعلنين الذين تفاعلت معهم"، من هناك اختر القسم "المعلنين الذين رفعوا قائمة جهات اتصال تضم معلوماتك". فإن كنت مثلي -ومثل معظم زملائي في مكتب بوب ساي- فسيكشف لك النقر على "إظهار الكل" عن لائحة طويلة تتكون من مئات المعلنين، بعضهم تعرفه ومعتاد عليه لكن بعضهم لا تعرفه ولم تسمع به من قبل. وسبب حصول هؤلاء المعلنين "الذين لا تعرفهم" على معلوماتك لاستهدافك بالإعلان من عمل فيسبوك طبعاً.
قضى مارك زوكربيرج حوالي 11 ساعة هذا الأسبوع وهو يدلي بشهادته أمام لجان الكونغرس حول فيسبوك والطريقة التي يتعامل بها مع بيانات المستخدم (من بين عدة أمور أخرى). لكن من بين الأمور التي لم تحظ بانتباه كبير، كان مفهوم "سماسرة البيانات"، وهي الشركات الوسيطة التي تجمع معلومات المستخدم وتبيعها للشركات. يذكر أن فيسبوك لم يتوقف عن التعامل مع هذه الشركات إلا الشهر الماضي فقط. وهكذا نعرف أن هذه اللائحة الطويلة من الشركات والشخصيات وفرق الروك البديل (قائمتي مثلا تكشف عن 429 جهة) ما هي إلا نتيجة برنامج فيسبوك القديم في جمع المعلومات.
من الأرجح أن جهة ما باعت بياناتك
في نهاية الشهر الماضي، وبعد اندلاع فضيحة كامبريدج أناليتيكا، وقبل أن يدلي مارك زوكربيرج بشهادته الماراثونية أمام الكونغرس، أعلنت شركة فيسبوك أنها ستوقف البرنامج المسمى "فئات الشركاء"، وهذا ما أنهى العلاقة طويلة الأمد التي ضمت الشبكة الاجتماعية وسماسرة البيانات. أُعلن عن هذا القرار في تصريح قصير، لكن هذا القرار له تداعيات كبيرة على معلوماتك الشخصية والوكالات التي تجمعها وتبيعها.
وذلك لأن القدرة على الاستهداف بالإعلانات هي الميزة التي تتيح لفيسبوك جني الأرباح؛ التي وصلت العام الماضي إلى حوالي 40 مليار دولار. وهكذا كلما زادت قدرة الشبكة الاجتماعية على استهداف المستخدمين بالإعلانات المناسبة، كسبت الشركة المزيد من المال والأرباح. ومع أنك تقدم الكثير من المعلومات عنك كمستخدم لفيسبوك؛ إلا أن المعلنين عادة ما يريدون المزيد من المعلومات. تستطيع الشركات التي تود أن تبيع لك مختلف المنتجات جمع معلوماتك بمختلف الطرق؛ مثل اقناعك بالاشتراك في نشرات بريدية دورية، أو في برنامج هدايا ومكافآت، أو إتمام استبيان عندما تتصفح متجرها الالكتروني. لكن هذه الطرق ليست كافية، وهنا يأتي دور سماسرة البيانات.
استعانت شركة فيسبوك بشركات مثل أكسيوم، وإبسيلون، وترانس يونيون (أشار زوكربيرج إلى هؤلاء الشركاء بكلمة "موفرّي البيانات") للعمل كقناة وصل بين شركة فيسبوك والمعلنين الذي يبحثون عن الوصول لجمهور مستهدف.
ولنأخذ مثالاً عما تفعله فيسبوك: تصوّر أنك تاجر سيارات وتريد استهداف الأشخاص الذين يرغبون بشراء سيارة. يمكنك الذهاب لشركة توفر البيانات مثل أكسيوم التي لديها القدرة على تحليل كميات هائلة من البيانات الشخصية التي تملكها وستستخرج لك لائحة بالأشخاص الذين يناسبون إعلانك المستهدف. بعد ذلك، يمكنك رفع هذه اللائحة إلى فيسبوك الذي يستطيع استهداف المستخدمين المماثلين وغيرهم ممن تنطبق عليه المواصفات التي تريدها.
بالتالي وفي هذه الحالة، لا تقوم شركة فيسبوك ببيع بياناتك بالفعل، وهو التصريح الذي كرره زوكربيرغ كثيراً أثناء الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس. ومع ذلك، تبقى عملية بيع وشراء المعلومات جزءاً من هذه الصفقة.
ووفق بنود الصفقة التي تتم بين فيسبوك والشركات الموفرة للبيانات -الأمر الذي تقول شركة فيسبوك أنه سينتهي في الأشهر الستة المقبلة- تستطيع أن تعرف عندما يظهر أحد هذه الإعلانات المستهدفة في صفحتك الرئيسية أنه نتيجة إحدى هذه الصفقات بين فيسبوك وموفري البيانات. ولترى ذلك بنفسك انقر على خيار "لماذا أرى هذا؟" الذي تجده في كل إعلان على فيسبوك، حيث يكشف لك هذا الخيار عن المعلومات الشخصية التي استفاد منها موفر البيانات لتستهدفك الجهة المعلنة بهذا الإعلان.
كيف حصل موفر البيانات على معلوماتي الشخصية؟
لطالما كانت الشركات التجارية تجمع البيانات وتستفيد منها منذ أيام البريد الورقي غير المرغوب فيه؛ والأمر الذي تغير أن الإنترنت جعلت هذه العملية أسهل بكثير جداً. على سبيل المثال، تملك شركة أكسيوم موقعاً الكترونياً عنوانه Aboutthatdata.com يظهر المستويات المتوقعة لاهتمام الشركات بهذا الموضوع.
تجمع شركة أكسيوم بياناتها الأساسية (والتي تدعى بالبيانات الخام والتي لم يتم تحليلها بعد) بعدة طرق مختلفة. ولفهم ذلك بصورة أفضل إليك مقتطفاً من موقعها الرسمي:
"تأتي البيانات الأساسية من عدة مصادر مختلفة، مثلاً يتم جمع البيانات عندما يشترك الأشخاص في بعض الخدمات، أو يشترون تذاكر لحضور حدث رياضي، أو يتبرعون للجمعيات الخيرية، أو يشترون سيارة جديدة. وعندما تقوم الشركات بمشاركة معلوماتك لأغراض التسويق، تُعلمك بذلك في صفحة سياسة الخصوصية الخاصة بها؛ وتتيح لك الفرصة أن تلغي اشتراكك منها".
هل تتذكر سلسلة متاجر الإلكترونيات راديوشاك (RadioShack) التي تطلب رقم هاتفك عندما تريد شراء بطاريات؟ أعتقد أنك عرفت الآن لماذا يطلبون ذلك (لجمع البيانات الخام طبعاً)؛ كما يستطيع سماسرة البيانات تفحص السجلات العامة أيضاً لجمع المعلومات عنك، فيعرفون مثلاً إن كنت تملك منزلاً أم لا، مع تفاصيل ذلك المنزل وغير ذلك.
بعد جمع البيانات الخام، تقوم شركة أكسيوم بتحليلها لإنشاء ما يسمى "البيانات المُصاغة" حيث تصنف الأشخاص ضمن فئات أكثر تفصيلاً وتعقيداً، مثل فئة الأشخاص الذي من المحتمل جداً أن يذهبوا لمشاهدة مباراة كرة قدم أو أولئك الأشخاص الذين من المحتمل أن يتبرعوا لمنظمة بي بي آس (PBS) .
ومن هناك تنسجم هذه البيانات المُصنفة مع بيانات حسابك على فيسبوك (على سبيل المثال عمرك وموقعك الجغرافي وميولك السياسية)؛ ومن هناك تأتي الإعلانات لتقبض عليك في لحظة ضعف استهلاكي صارخ! لكن لا داعي للقلق؛ فهذا يحدث مع الجميع وليس معك فقط.
وهذا ما يعود بنا للحديث عن فيسبوك. تشترط شركة فيسبوك -كجزء من تعاقدها مع الشركة الموفرة للبيانات- إدراج خيار يتيح للمستخدم أن يلغي اشتراكه ويبطل عملية التتبع؛ مع أن القيام بذلك معقد وليس سهلاً. فشركة إكسبريان على سبيل المثال، لديها سبعة روابط مختلفة لإلغاء الاشتراك في صفحة الإلغاء خاصتها.
ولكي لا يشق عليك البحث عنها؛ إليك روابط إلغاء التتبع الخاصة بكبرى الشركات الموفرة للبيانات في لائحة جاهزة:
- اكسبريان (Experian)
- إبسيلون (Epsilon)
- أوراكل (Oracle)
- ترانس يونيون (TransUnion)
- آي بيهافور (i-Behavior)
لكن من المهم أن تنتبه إلى أن إلغاء تتبع معلوماتك الشخصية في جميع هذه الشركات لا يعني بالضرورة أن الشركات الأخرى لا تتبع سلوكياتك ومعلوماتك على الانترنت. بل حتى تلك الشركات المذكورة أعلاه، مثلا ترانس يونيون (TransUnion) لا تتيح إلا إلغاء تتبعك من فيسبوك، لكن ليس من جميع خدمات تتبعها العامة.
من ناحية أخرى، تستطيع معرفة ما الذي جمعته عنك هذه الشركات الموفرة للبيانات. على سبيل المثال؛ إن سجلت حساباً في شركة أكسيوم (وهي العملية التي تتطلب منك إدخال كم لا بأس به من معلوماتك لتأكيد هويتك) سترى البيانات الديموغرافية التي جمعوها عنك لأغراض التسويق. على أية حال، ليس هذا كل شيء. فشركة أكسيوم أيضاً توفّر ما تسميه 'بيانات الشركاء' من الشركات الأخرى. لحسن الحظ تستطيع طلب هذه البيانات، لكن يتحتم عليك طلبها عبر البريد الالكتروني. لأنها إجراء إداري أكثر منه عملية رقمية بسيطة.
المواقع الإلكترونية التي تتصفحها
لا تأتي كل الإعلانات التي تراها أو التي تُذكر في لائحة المعلنين في إعدادات حسابك من الشركات الموفرة للبيانات (سماسرة البيانات). لذلك سترى أن بعض الإعلانات ستقول صفحة الإعدادات أنها ظهرت لأنك استخدمت تطبيقهم أو زرت موقعهم من قبل. وفي تلك الحالات، تستطيع فيسبوك بالفعل معرفة أنك زرت أحد المواقع إذا كان الموقع يستخدم زر الإعجاب، أو بواسطة أداة التتبع التي طورتها فيسبوك واسمها بكسل (Pixel)، حيث لا تظهر في الصفحة، لكنها تساعد الشركة على تتبع أين كنت وماذا تتصفح على شبكة الويب. وهكذا ومع أنني لم أمنح شركة ماونت سنو (Mount Snow) معلوماتي؛ إلا أنني زرت موقعهم الالكتروني، الأمر الذي جعل إعلانهم يظهر في آخر الأخبار لدي كإعلان مستهدف.
مستقبل سماسرة البيانات بعد إنهاء شراكتهم مع فيسبوك
كما ذكرنا من قبل، سينتهي برنامج 'فئات الشركاء' في إطار الإصلاح الأمني الشامل الذي تقوم به فيسبوك حالياً، لكن هذا لا يعني أن تلك الشركات الموفرة للبيانات ستغلق أبوابها وتوقف نشاطها. مع ذلك سيسبب لهم إلغاء شراكتهم مع فيسبوك أضراراً تجارية بالغة. حيث يقال أن شركة أكسيوم ستخسر من إيراداتها المالية للعام 2019 مبلغاً يصل إلى 25 مليون دولار.
ورغم ذلك لن تتوقف عملية جمع البيانات في مختلف الشركات والمواقع. وباستقراء الاحصاءات نجد دراسة نشرتها لجنة التجارة الفيدرالية عام 2014 تبين مدى ضخامة هذه العملية: "تملك إحدى الشركات الموفرة للبيانات لوحدها فقط معلومات أكثر من 1.4 مليار معاملة مالية قام بها العملاء و700 مليار جزئية معلوماتية؛ فيما تضيف شركة أخرى أكثر من 3 مليارات جزئية بيانات جديدة كل شهر لقواعد بياناتها".