قبل أن يبدأ ليو سانشيز بالكلام عن مزرعته، سوف يسأل: "هل أعجبك الموقع الإلكتروني؟". قام مالك مزارع ليزي ميلينيال (مزارع ابن جيل الألفية الكسول، أو مزارع الرجل العصري الكسول) بتصميم الموقع بنفسه، وقد تطلب منه اشتراكاً في شركة سكويرسبيس لاستضافة المواقع الإلكترونية، وشهرين من العمل المتقطع، قبل أن يقوم أخيراً بإطلاقه.
أجيبه: "لقد أعجبني"، وفي الواقع، فإن الخضار الورقية، والتي زرعها بكل الحب ووثقها على إنستغرام بكل دقة، تبدو رائعة المنظر. كما أن عملية التسجيل على الإنترنت والدفع لنظام سي إس أيه (أي نظام الزراعة المدعومة من المجتمع)، والتي تضمن للزبائن حصة من المحصول الموسمي، تجعل من التعامل سلساً للغاية. بل إن تصميم زر الاشتراك في الرسائل الإخبارية يوحي بالمرح ومحبة الخضروات.
راقت إجابتي لسانشيز، وأصبح جاهزاً للدخول في صلب الموضوع. وانطلق هذا المزارع، البالغ من العمر 26 عاماً، في وصف حي ومتوثب لكثافة مزروعاته من الخس، ومحاسن الزراعة اللاحيوانية -وهي طريقة جديدة في زراعة النباتات بدون استخدام الأسمدة ذات الأصل الحيواني- والأعشاب الضارة العنيدة، والتي تجد سعادتها في مزاحمة محاصيل سانشيز ما لم يقض عليها بسرعة.
يوجد الكثير مما يميز سانشيز ومزرعته في ساليناس، كاليفورنيا. تبلغ مساحة المزرعة فداناً واحداً، وتعتبر صغيرة، بل أصغر من الفناء الخلفي لبعض المنازل، حيث يبلغ المتوسط الوطني لمساحة المزارع حوالي 440 فداناً. يعتبر سانشيز من الملّاك الأصغر عمرياً، وهو ما يتناقض مع ازدياد متوسط عمر المزارعين (الذي يبلغ حالياً 58 عاماً تقريباً) في جميع عمليات الإحصاء السكاني الزراعي التي أجرتها وزارة الزراعة الأميركية. كما أن نشاط سانشيز المستمر وعبثه المتواصل بكل شيء، بدءاً من تقنيات البَذر في الحقل وصولاً إلى الترويج والبيع لمحصوله على الإنترنت، يشير إلى اعتماده مقاربة تجريبية تبتعد عن قيود الأساليب التقليدية للزراعة على نطاق واسع.
على الرغم من أن الزراعة عمل مرهق جسدياً وذهنياً في أغلب الأحيان، يقول سانشيز أن ما يحفزه ويحفز الكثير من أقرانه من المزارعين الشباب (يمكن أن نقول أنهم جميعاً مزارعون تحت سن 35 عاماً) هي الرغبة بوضع معيار جديد للزراعة. بدأ الكثير منهم على نطاق صغير، على أمل تحسين ممارساتهم التي تأخذ المناخ بعين الاعتبار، ويعملون ببطء على توسيع هذه الممارسات مع الزمن. ولهذا، بدأ المزارعون الشباب باستخدام مجموعة كبيرة من التقنيات، بعضها حديث، وبعضها الآخر ليس حديثاً إلى هذه الدرجة.
في 2017، استثمر أصحاب رؤوس الأموال وغيرهم ما يقارب 1.5 مليار دولار في قطاع "التقنيات الزراعية"، وفقاً لموقع تيك تشيرتش. ومن المجالات التي يتضمنها هذا القطاع الذكاء الاصطناعي، والذي يمكن أن يرفع من مستوى الأتمتة ويقلل من التكاليف في المزارع الكبيرة، إضافة إلى "البيولوجيات"، أو المواد الطبيعية المكملة لإنتاج المحاصيل، وهي مواد صديقة للبيئة، وتأمل الشركات العملاقة مثل مونسانتو أنها ستحل محل منتجاتها الكيميائية الثقيلة مثل راوند أب.
غير أن الكثير من هذه المنتجات خارج متناول أصحاب المزارع الصغيرة مثل سانشيز، وعلى ما يبدو، يتوجب على المزارعين الذين لا يمتلكون سوى بضعة فدانات من الأرض أن يفكروا بأسلوب ابتكاري لإنجاز عملهم.
تشغل ليندسي لوشر شوت منصب المديرة التنفيذية للاتحاد الوطني للمزارعين الشباب، وهو منظمة ساعدت على تأسيسها في شمال ولاية نيويورك في 2010. تتوزع فروع الاتحاد حالياً في 30 ولاية تقريباً (بما في ذلك مقاطعة كولومبيا)، ويسعى إلى تأمين التدريب والأراضي والوظائف للمزارعين الجدد. كما يروج لبرنامج عام يتضمن مبادئ مثل مساعدة المزارعين الشباب على تسديد القروض الطلابية. تقول لوشر شوت أن المزارعين الشباب الذين تعرفهم مدفوعون بحبهم للزراعة، ويعتمدون على معارفهم التكنولوجية. وفي سبيل الحصول على أدوات قليلة التكاليف ومناسبة الحجم، يتعاونون ويبتكرون ويستخدمون ما هو متوافر لديهم بطرق جديدة.
الاستفادة مما هو موجود مسبقاً
يبحث الكثير من المزارعين في كتب التاريخ عن نصائح ناجعة، وإن كانت منسية نوعاً ما. تملك لوشر شوت مع زوجها جرار أليس تشالمزر موديل جي، والذي يبدو أشبه بزورق مزود ببدالات للقدمين منه بآلة زراعية. ولكنهم حولوا هذه الآلة، والتي صنعت ما بين 1948 و 1955، إلى مركبة كهربائية. تقول لوشر شوت: "بدأنا نرى توجهاً كبيراً نحو تهجين الأساليب، وأخذ أفضل الأفكار من الأجيال السابقة في الزراعة".
يسمح هذا الأسلوب لأصحاب المزارع الصغيرة بشراء شيء رخيص نسبياً من معارض الممتلكات المستعملة أو على إيباي، وتحويله إلى أداة عصرية. وفي حالة ذلك الجرار، كان أقل تكلفة من آلة جديدة، ومع بعض العمل، تمكن مالكوه من تحويله إلى جرار صامت تماماً ولا يصدر أي انبعاثات.
في بعض الأحيان، تثبت الأشياء القديمة أنها تعمل بصورة أفضل، أو أكثر فعالية. تقول لوشر شوت أنها شاهدت مؤخراً مقطع فيديو على إنستغرام لمزارعين شباب يستخدمون حصاناً لمساعدتهم في أعمال الحقل بدلاً من جرار جديد أو أعيد تجديده. وتقول: "لم يفعلوا هذا لرغبتهم في العودة بالزمن إلى الخلف لمائة عام، بل لأنهم يعرفون التحديات التي نواجهها اليوم في 2018".
الجمع ما بين القديم والجديد
فيما يتعلق بهذه المسألة، يقول سانشيز أنه استثمر في شيئين مختلفين للغاية مؤخراً في مزارع ليزي ميلينيال. يتلقى سانشيز مساعدات مالية من عائلته وحاضنة زراعية في منطقة ساليناس تسمى ألبا، وتمكن بفضلها من شراء معزقة دولابية. وتعود هذه الآلة اليدوية، والتي تقتلع الأعشاب الضارة وتقلب التربة، إلى العام 1701 على الأقل. ما زالت تعمل بالجهد اليدوي، ولكن سانشيز يأمل أن إضافة شيء من الأتمتة إليها سيقلل من الوقت الذي تتطلبه بعض الأعمال حالياً، مثل اقتلاع الأعشاب الضارة.
تبدو هذه المعزقة الموثوقة والمجربة في حالة تباين فاقع مع واحدة أخرى من أدوات سانشيز: قاذفة لهب للأعشاب الضارة تعمل بالبروبان. وكما يوحي اسمها، تقوم هذه الأداة، والتي دخلت حيز الاستخدام العام في 1997 فقط، باستخدام الحرارة والنار لقتل الأعشاب الضارة.
يمكن لهذه الأدوات المتباينة، مثل المعزقة الدولابية وسكوير سبيس، أن تعد بجعل الزراعة أسهل بقليل، أو على الأقل أكثر تكيفاً مع الواقع. يقول سانشيز: "ليست هذه التقنيات حديثة لأن المزارع العادي يستخدمها، بل تعتبر تقنيات حديثة بالنسبة لمقياس الزراعة الذي أعمل ضمنه. لقد بدأ عدد المستثمرين بالازدياد، وهو ما يجعل من الزراعة أكثر فعالية بكثير بالنسبة لأصحاب المزارع الصغيرة".
اصنعه بنفسك
لطالما اعتمد المزارعون على تجديد الأشياء المستعملة، والتجربة العملية، والابتكار. ويكفي أن ننظر إلى توماس جيفرسون، أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية الذي كان أيضاً مزارعاً، والذي ينسب إليه (من ضمن أشياء متعددة) اختراع المحراث القلاب، والذي كان يقلب التربة بقدر قليل من المقاومة مقارنة مع غيره من المحاريث التي كانت موجودة في ذلك العصر.
غير أن مستقبل التكنولوجيا الزراعية على وشك أن يتغير، وفقاً للكثير من الخبراء، ونأمل بأن يتكيف المزارعون مع هذا التغير.
كان دينيس دونوهيو يشغل منصب عمدة ساليناس، وهي البلدة التي أسست فيها مزارع ليزي ميلينيال، والتي تقع على مسافة ساعتين جنوب سان فرانسيسكو. يعمل دونوهيو حالياً مع مركز المزارعين الغربيين للابتكار والتكنولوجيا، والذي يجمع ما بين المزارعين ورجال الأعمال والمهندسين وغيرهم، وذلك لحل مختلف أنواع المشاكل، بدءاً من إدارة ظروف الجفاف الإقليمي وصولاً إلى تطبيق أحدث تقنيات الروبوتات.
يقول دونوهيو: "في الواقع، فإن مستقبل المزارع سيكون مختلفاً للغاية عن وضعها الحالي، سواء من حيث المهارات أو الأدوات المطلوبة". يعتمد الكثير من المزارعين حالياً على الجرارات، ويقومون بأنفسهم بتشغيلها وصيانتها، وهو ما يحتاج إلى معرفة ومهارة، ولكنه يختلف جذرياً عن تشغيل جرار مسير عن بعد من شاشة في مكتب ما، وهو ما يتوقعه دونوهيو للكثير من المزارعين في المستقبل. ويعتبر دونوهيو أن مصممي البرمجيات والمهندسين والعلماء من حملة الدكتوراه سيصبحون مكونات أساسية ذات أهمية متزايدة في الثورة الزراعية المقبلة.
تقول لوشر شوت أن العمل قد بدأ، وتستذكر قائلة: "في إحدى المرات، فقدنا دفيئة كاملة مليئة بالنباتات". كان الزوجان المزارعان يستأجران قطعة من الأرض، وهو أمر شائع بين المزارعين من الجيل الأول والذين بدؤوا للتو. وتضمن عقد الإيجار بعض القيود، مثل عدم إمكانية تشييد بنى جديدة على الأرض، ما دفعهم إلى استئجار قطعة أرض في مكان آخر لبناء الدفيئة. ولكن في يوم حار "أصيب منظم الحرارة بالخبل، وفقدنا مجموعة من الشتول"، كما تقول لوشر شوت.
لم تستطع لوشر شوت وزوجها تعويض الخسائر، ولكنهما عثرا على طريقة لمنع التاريخ من تكرار نفسه. وبمساعدة فارم هاك، وهي منظمة مخصصة للحلول مفتوحة المصدر لتعديلات الأدوات الزراعية، قاما بتصميم نظام يرسل رسالة نصية حالما تتجاوز حرارة الدفيئة حد الخطر. لم تختف جميع المشاكل بطبيعة الحال، ولكنها كانت خطوة في الاتجاه الصحيح.