بدا الأمر طبيعياً في البداية، عمل درامي مشوق ورائع، يحبس الأنفاس ويفاجئ متابعيه في نهاية كل حلقة من حلقاته المنفصلة، بمفاجأة لم يكن يتوقعها، تدور فكرته الرئيسية حول مدى الخطر الذي يمكن أن تشكله التكنولوجيا، بكل ما تقدمه من منافع، على جنس البشر.
خطرٌ قد يسحق نفسية وعقل وذاكرة هؤلاء البشر قبل فنائهم. لكن الأمر حتى تلك اللحظة لم يخرج عن كونه مجرد عمل درامي لا أكثر، حتى خرجت الصورة عن ذلك الإطار، وظهرت المفاجأة، بعض ابتكارات «Black Mirror» صارت حقيقية!
دعني أنظر من خلال عينيك
شهدت الحلقة الأشهر من المسلسل، التي حملت عنوان The entire History of you، ظهور ابتكار بدا غريباً للكثيرين، وهو ذاكرة مثبتة داخل العقل، تسجل كل ما تراه العين أمامها، ليصبح ذلك كله شكلاً من أشكال الذاكرة التي يمكن استعادتها فيما بعد.
كانت هذه هي المفاجأة، أن تستطيع استعادة كل ما شاهدته بعينيك في أي وقت، ومشاهدته مرة أخرى كما ظهر في الواقع، حتى أصبح الأمر حقيقياً!
وقد كانت المفاجأة من سامسونج تحديداً في مقرها في كوريا الجنوبية، حينما أطلقت عدسة متصلة بالكاميرا، تلتصق بالعين وتحمل في داخلها كاميرا عالية الدقة، يمكنها التقاط الصور، ويستطيع المستخدمون التعامل مع البيانات التي تسجلها كاميرا العدسة عبر تطبيق على الهاتف الذكي.
صحيح أنها ليست بتلك الدقة والقدرة الخيالية التي ظهرت في المسلسل، لكنها في بداية الطريق إليه، وليس من المستحيل مشاهدة النموذج الحقيقي الكامل، خلال بضع سنوات.
ما زالوا معنا!
تناولت أكثر من حلقة من المسلسل ظاهرة الرفض البشري لوفاة من نحبهم، وظهرت معها مجموعة من الابتكارات الخيالية، والتي يبدو أن صورها المصغرة قد خرجت إلى النور بالفعل، وفي انتظار أن تصبح أكثر تطوراً.
حملت الحلقة عنوان «Be Right Back»، وتدور قصتها حول امرأة مات زوجها، ووجدت نفسها بعد وفاته تمر بحالة مؤلمة من اضطراب ما بعد الصدمة، الذي ينتج من مثل تلك الأزمات عادة، حتى ظهر أمامها إعلان عن تطبيق محادثة عبر الإنترنت.
يمكن لهذا التطبيق الحصول على جميع البيانات الخاصة بزوجها قبل وفاته، وطريقة حديثه وتفكيره، لتقدم لها نسخة تقنية تتحدث معها بالطريقة نفسها، ليتطور الأمر بعدها وتحصل على نسخة أكثر تطوراً من المشروع، بوضع نسخة من الوعي والأفكار الخاصة بزوجها داخل جسم روبوت يحمل شكل زوجها، ليظل معها داخل المنزل وكأنه لم يرحل.
خرج الأمر في أكثر من صورة، أولهما موقع يعمل على تقديم نسخة موازية تقنية بمجرد تسجيل وفاة الشخص، حيث أن الموقع -باختيار من المستخدم- يدخل إليه عبر حسابه على الفيسبوك، ليحصل على كل بياناته، وكل ما نشره طوال مدة استخدامه، ليبدأ في تحليل البيانات كافة، باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويعاود النشر مرة أخرى بالصورة المنتظمة نفسها بعد وفاة صاحب الحساب.
لكن الأمر لم يتوقف هنا، فقد أطلقت شركة «Humai» التقنية الواقعة في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، تطبيقاً للتحدث مع الأمهات بعد رحيلهم، والذي يعمل عبر الذكاء الاصطناعي، فبعد جمع المعلومات الكافية عن طرق التحدث والتفكير عبر تحليل البيانات يبدأ في تبادل الأحاديث مع المستخدم بصفته الشخص المتوفى، لكن التطبيق وبحسب ما أعلنت الشركة ليس بالتطور الكافي حتى الآن ليقدم الفكرة بصورتها الأكثر دقة وتطوراً.
الحيوانات المعدنية
في حلقة صنفت كأكثر الحلقات رعباً في المسلسل، حملت اسم «Metalhead»، دارت أحداث الحلقة حول مدينة خاوية إلا من القليل من البشر بعد أن سيطر عليها مجموعة من الكائنات المعدنية المتحركة، التي تحمل شكل الكلب، وقد تسببت تلك الكائنات المعدنية في فناء الملايين من البشر.
لم يمر الكثير حتى شاهد الملايين حول العالم، ابتكار شركة «Boston Dynamics» التي صارت مملوكة في الفترة الأخيرة لمؤسسة يابانية عملاقة. قدمت الشركة في فيديو لها عبر قناتها الرسمية على يوتيوب كائن يحمل شكل الكلب بدون رأس، ويتحرك بتقنية التحكم عن بعد، ويمكنه القيام ببعض المهام البدائية في البداية، والتي وعدت الشركة بتطويرها في النسخ القادمة.
يبدو أن المستقبل سيصبح خارج التوقعات، ومع كل هذا الكم من التطور التكنولوجي الهائل، لا يملك البشر سوى الانتظار لاكتشاف إلى أي مدى ستتطور الأمور