تعتبر الابتكارات التي شهدها مجال الطيران والفضاء عام 2019؛ أكثر من مجرّد اختراعاتٍ جديدةٍ مصممة لتطير في السماء والفضاء بسرعاتٍ هائلة، إذ أنها ترسم الطريق إلى ما سيكون عليه الطيران والفضاء في المستقبل. تتضمن الابتكارات الجديدة طائراتٍ أسرع من الصوت، وطائراتٍ من دون طيّار ستُحمل إلى سطح المريخ وغيرها. تمثّل هذه الاختراعات آخر ما توصّل إليه المهندسون في تحدّي العوائق الهندسية حتّى الآن. تنتقل هذه المركبات المذهلة بالأجنحة ومرواح الطائرات والمحركات، وتأخذ الإنسانية أيضاً إلى آفاقٍ جديدةٍ كلياً.
1. المركبة الفضائية «لايت سيل 2»
مركبة «لايت سيل 2» من شركة «Planetary Society» هي عبارةٌ عن قمرٍ صناعي بطول 31 بوصة، مرتبطٍ بشراعٍ يبلغ عرضه 5.4 متراً، وتكشف عن كيف ستبدو رحلات الفضاء بحلول منتصف القرن. تدور المركبة حول الأرض منذ منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي وحتّى الآن بسرعة 26980.6 كم/ الساعة، وتتزوّد بطاقتها الحركية من خلال الفوتونات الساقطة على أشرعتها فقط، حيث تحملها الأشعة الشمسية. ترتد تلك الجسيمات من سطح الأشرعة المصنوعة من مادّة «Mylar» فائقة الانعكاس والرقّة (وهي نسخة أفضل من المواد الفضائية الأخرى)، ,تنتج زخماً يدفع المركبة للأمام. موقع التحكّم الافتراضي بالمهمة على الإنترنت سيسمح للناس بتتبع مسار المركبة حتى العام المقبل، حين تخرج من المدار وتحترق في الغلاف الجوي. تأمل الشركة المصنعة -التي طوّرت هذه التقنية في بدايات الألفية- في أن تسمح هذه التقنية بالسفر خارج الأرض دون الحاجة للاعتماد على وقود الصواريخ االثقيل والمكلف بيئياً ومالياً إلى وجهاتٍ قريبة كالقمر، وحتّى أبعد من ذلك كنظام «ألفا قنطورس» النجمي.
2. صاروخ «LauncherOne»
تقوم فكرة الشركة المصنعة «فيرجين أوربيت» على إطلاق الصاروخ من على متن طائرةٍ بدلاً من الصواريخ التقليدية التي تُطلق من الأرض، وذلك لحمل الأقمار الصناعية الصغيرة إلى المدار. لاختبار هذه الفكرة، قامت الشركة بربط صاروخها المتطور «LauncherOne» إلى جناح طائرة بوينغ 747 مُعدّلة، حيث ينفصل الصاروخ الذي يبلغ طوله 21.3 متر تقريباً عن الطائرة على ارتفاع نحو 11 ألف متراً، منطلقاً نحو الفضاء حاملاً معه المعدّات إلى هناك، بينما تعود الطائرة لتهبط على الأرض في انتظار مهمةٍ أخرى. تكلّف عملية الإطلاق هذه نحو 12 مليون دولار، وهي أقل تكلفةً بكثير من عمليات إطلاق الصواريخ العمودية التي تستهلك الكثير من الوقود. على سبيل المثال، يكلّف إطلاق صاروخ «فالكون 9» من «سبيس إكس» نحو 57 مليون دولار. كان ينبغي أن تتم أول رحلةٍ تجريبية للصاروخ هذا العام، أو أوائل العام المقبل، وقد تعاقدت الشركة بالفعل على القيام بعدّة مهامٍ تجارية، من بينها رحلةٌ إلى المريخ.
3. البلوك الثالث من أقمار نظام تحديد المواقع
تعمل التطبيقات الملاحية في هاتفك الذكي اعتماداً على مجموعةٍ من الأقمار الصناعية يعود أقدمها إلى عام 1993. لكّن ذلك لن يدوم، عندما تطلق شركة «لوكهيد مارتن» إلى الفضاء منظومة الأقمار الصناعية الجديدة التي طوّرتها «GPS Block III» والتي ستحلّ محل المنظومات القديمة. وبالمقارنة مع سابقتها؛ ستتكون المنظومة الجديدة من 12 قمراً صناعياً على الأقل في المدار، وسيكون تحديد المواقع أكثر دقّة بثلاثة مرّات للاستخدامات المدنية. أما بالنسبة للخدمات العسكرية، ستقدم المنظومة إشارات أكثر قوة وقدرة أفضل لمقاومة التشويش بمقدار 8 أضعاف. ستبقى هذه الأقمار وظيفية حتى 15 عاماً، أي فترةً أطول بمقدار 25% من تلك التي تدور حول الأرض حالياً. أطلقت أول أقمار هذه المنظومة من قاعدة «كيب كارنيفال» في فلوريدا في ديسمبر/ كانون الأول 2018، والثاني في أغسطس/ آب 2019، ويُتوقع إطلاق الثالث في وقت مبكر من العام القادم.
4. ساعة ناسا الذرية
بدأت ساعة ناسا الذرية الجديدة «Deep Space Atomic Clock» في العمل في الفضاء في أغسطس/ آب الماضي، بعد أن قضى الباحثون نحو 20 عاماً في تطويرها، لتبدأ عاماً كاملاً تجريبياً في المدار حول الأرض. ومثل الساعات الذرية السابقة، تعمل الساعة الجديدة عن طريق قياس ترددات الضوء الدقيقة والمستقرة، والمنبعثة في هذه الحالة من جزيئات الزئبق. يبلغ وزن الساعة 16.7 كجم، وهي أكثر استقراراً من الساعات الذرية الحالية بمقدار 50 مرّة. بالإضافة إلى ذلك، فإنها تفقد ثانيةً واحدة كل 10 ملايين سنة. يفيد هذا النوع من الدقّة التي توفرّه الساعة الذرية في دراسة الكون (حيث يمكنها حساب المسافة بين الأجسام الفضائية بقياس الوقت الذي تستغرقه الإشارة للسفر بينهما)، ولها أهميةٌ بالغة عند السفر في الفضاء، حيث يمكن لخطأٍ صغير جداً في الحساب أن يجعل مسباراً أو مستعمرةً تخطئ هدفاً ما تسعى إليه بآلاف الأميال.
5. المسبار «تشانغ 4» والهبوط على سطح القمر
نجح المسبار الصيني «Chang’e 4» بالهبوط على سطح القمر البعيد غير المرئي لنا في يناير/ كانون الأول من هذا العام، وهو انجازٌ لم تسبقه إليه أية مسبار آخر (فشلت محاولتي ناسا للهبوط على القمر عام 1962 و 2013). وبعد يومين من الهبوط، شقّت المركبة «يوتو-2» التي حملها المسبار إلى القمر طريقها ببطءٍ لتقطع مسافة 118.8 متراً، لتقوم بتحليل طبيعة القمر الجيولوجية، والتي من الممكن أن تمنحنا فهماً أفضل لكيفية نشوء القمر. ثم بعد ذلك قامت بإنزال أغرب حمولةٍ تصل لسطح القمر، وهي عبارةٌ عن نظامٍ قمري بيئي مُصغّر يحوي بذور القطن، وقد نجحت بتنبيتها. استمرت التجربة 9 أيام كاملة من أيام الأرض.
6. طائرة «X-59 QueSST» الخارقة للصوت
مرّ ما يقربُ من نصف قرن منذ أن حظرت إدارة الطيران الفيدرالية الرحلات المدنية بالطائرات الأسرع من الصوت، بسبب ما تحدثه من ضجيجٍ هائل. تأمل ناسا ولوكهيد مارتن بتجاوز هذه المشكلة عبر طائرة «X-59 QueSST»، والتي ما تزال قيد الصنع في كاليفورنيا. ستطير الطائرة التجريبية التي يبلغ طولها 29.5 متراً بسرعة أسرع من الصوت، لكّن المصممين عملوا على تصميمها لتقوم بذلك بضجيجٍ أقل قدر الإمكان. تخلق الطائرات فرط الصوتية النموذجية ضجيجاً هائلاً عندما تندمج موجات الصدمة الناتجة عند الذيل ومقدم الطائرة، إلا أن التصميم والشكل المميز لطائرة X-59 تجاوز هذه المشكلة، لذلك يبدو صوتها كهدير رعدٍ بعيد جداً، أو صوتاً بعيداً. إذا سارت الرحلة التجريبية الأولى المقرر لها أن تُجرى عام 2021 على نحوٍ جيد، فيمكن للطائرة حينها أن تمهّد الطريق أمام صناعة الطيران لتطوير طائراتٍ تقطع المسافات في نصف الوقت اللازم لقطعها حالياً.
7. طائرة التدريب «T-7A Red Hawk»
ينبغي على الطيارين العسكريين صقل مهاراتهم وقدراتهم في الطيران قبل الانتقال لقيادة الطائرات القتالية باهظة الثمن، مثل «إف-35». حيث يقومون بذلك باستخدام الطائرات التدريبية المتطورة، والتي يطير فيها المدرّب والتلميذ معاً. لذلك قامت شركة بوينغ بالتعاون مع شركة ساب السويدية بتصميم وبناء أحدث طائرةٍ تدريبية، مع إدخال بعض التعديلات التي كانت ضروريةً في السابق. سيحصل كلا الطيارين في قمرة القيادة الأمامية والخلفية على شاشاتٍ تعمل باللمس، للوصول إلى أنظمة الملاحة والاتصالات أو المعلومات التي تُظهر صحّة الطائرة، تماماً كما هي الحال في العديد من الطائرات الحديثة. تقع قمرة القيادة الخلفية بمستوىً أعلى من القمرة الأمامية، بحيث يمكن للمدرّب رؤية الطالب. تستطيع الطائرة استيعاب طيارين بمختلف الأوزان، مما يجعل منها أداةً يمكن لأي متدرّبٍ التدرب عليها.
8. طائرة نقل البضائع بدون طيّار «APT 70»
تعمل طائرة شركة «بيل» الجديدة البالغ طولها 1.6 متر وتطير بسرعةٍ تصل إلى نحو 193 كم/ ساعة بطريقةٍ مختلفةٍ عن الطائرة العادية. تستخدم طائرة «APT 70» أربعة مراوح للارتفاع في الهواء عمودياً في المرحلة الأولى، وعندما تصبح جاهزةً للاندفاع أفقياً إلى وجهتها؛ تدور الطائرة بالكامل بمقدار 90 درجة، بحيث يعمل جانباها الطويلان كجناحين يوازيان سطح الأرض تقريباً. يعطيها ذلك قوة رفعٍ إضافية، كما تمنحها الحركة الأيروديناميكية المعززة مدىً يبلغ نحو 56 كم، وهو أكثر بكثير من مدى الطائرات بدون طيار الأصغر والمصممة لنقل البضائع، مثل طائرات أمازون لتسليم البضائع التي لا يتجاوز مدى رحلاتها 24 كم. تستطيع طائرة «APT 70» نقل حمولةٍ يصل وزنها إلى 31.7 كجم (70 باوند، ولهذا كان الرقم 70 جزءاً من اسمها)، بالتالي لديها القدرة على نقل الحمولات الكبيرة نسبياً؛ مثل المكونات الصناعية أو المستلزمات الطبية.
9. طائرة ناسا العمودية
لم يسبق لأحدٍ أن نقل طائرةً إلى كوكبٍ آخر. لكّن مع المروحية الصغيرة الجديدة Mars، تأمل ناسا في أن تشقّ طريقها في أجواء الكواكب الأخرى. حيث قام المهندسون في مختبر «Jet Propulsion Lab» بتصميم الطائرة البالغة من الوزن 1.8 كجم فقط، وبشفرات مزدوجة متعاكسة لتطير في الأجواء قليلة الكثافة؛ المشابهة لأجواء طبقة الستراتوسفير المحيطة بالأرض. وبمجرد أن تنزلها ناسا على سطح المرّيخ في غضون عامين، ستقوم ناسا بتجربة طيرانها هناك فقط لترى إمكانية تطوير آلات طيرانٍ لتذهب في المستقبل إلى الكوكب الأحمر.
10. مروحية «SB-1 DEFIANT»
بدلاً من الاعتماد على مروحةٍ تقليدية على الذيل لمنع الطائرة المروحية من الدوران حول محورها، تحافظ المروحية الجديدة «SB-1 DEFIANT» على ثباتها باستخدام زوج من المراوح المصنوعة من ألياف الكربون، وبطولٍ يصل إلى 17 متراً، وتدوران باتجاهين متعاكسين في نفس الوقت. عملت شركة «سيكورسكي» منذ زمنٍ طويل ضمن برنامجها المعروف «X2»، وتضم في نهايتها مروحةً دافعة، وهي إضافةٌ من شأنها أن تجعل سرعة المروحية تصل إلى 463.4 كم/ الساعة أو أكثر، وهي سرعةٌ عالية جداً بالنسبة لطائرات الهيلوكبتر التي لا تتجاوز سرعتها عادةً 241.4 كم/ الساعة. قد تحل المروحية الجديدة محل طائرات بلاك هوك القديمة الأبطأ، نظراً لاستطاعتها على حمل ما يصل إلى 10 جنودٍ إلى ساحة المعركة.