ابتكر المهندسون حيلة لجعل الإلكترونيات تتفكك عن مسافة بعيدة. وتمثل هذه التكنولوجيا نوعاً جديداً من الإلكترونيات المؤقتة، والتي تُصمم حتى تختفي ما أن ينتهي عملها. وفي هذه الحالة، يتم تفكيكها بمواد كيميائية تبقى معزولة حتى يتم تحريرها بإشارة راديوية. ويعني هذا أنه إذا سُرق الجهاز الذي يحتوي هذه العناصر الإلكترونية، يمكن توجيه أمر تدمير ذاتي إليها عن بعد، وبالتالي مسح البيانات التي تختزنها. يقول أميت لال، بروفسور في الهندسة الكهربائية في جامعة كورنيل، وأحد الباحثين الذين وضعوا هذا التصميم الجديد: "تتحلل هذه العناصر وتختفي في الهواء بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا تترك خلفها سوى القليل من البقايا".
يأمل العلماء باستخدام الإلكترونيات المؤقتة في بناء زرعات طبية تختفي بعد انتهاء عملها بدلاً من الاضطرار لإزالتها جراحياً. أو قد تستخدم في الحساسات التي توضع في الغابات أو المحيطات لقياس مستويات التلوث أو ثنائي أوكسيد الكربون مثلاً. وبهذه الطريقة يصبح من غير الضروري استرجاعها لاحقاً.
يعمل باحثون آخرون على تصميم الإلكترونيات المؤقتة بحيث تستخدم الماء أو الحرارة في عملية التدمير الذاتي. ولكن يوجد بعض المشاكل في هذه المقاربة، فقد لا ترغب على سبيل المثال بأن تبدأ هذه العناصر بالتحلل فوراً ما أن يبدأ هطول المطر. وبالتالي، قام لال وفريقه بتصميم إلكترونيات لا تتحلل إلا عندما تتلقى الأمر بهذا.
يتألف التصميم من شريحة ميكروية ضمن غلاف مغلق من البولي كاربونيت. ويوجد داخل الغلاف فراغات صغيرة مليئة بمعادن مثل الروبيديوم والسيزيوم. تتفاعل هذه المعادن مع الأوكسجين، وهي أساسية في عملية تدمير الشريحة. يقول لال: "يمكنك أن تعتبرها أشبه بوقود ذاتي الاشتعال. ولكن على عكس الوقود الذي يحتاج لعود ثقاب، يكفي أن تعرضها للهواء لبدء التفاعل".
في معظم الوقت، تبقى المعادن معزولة خلف غشاء من الجرافين ونتريد السيليكون. ولإطلاقها، يتم إرسال إشارة راديوية إلى الشريحة. وتقوم الشريحة بعد هذا بتمرير تيار كهربائي من بطاريتها عبر الغشاء. يؤدي هذا إلى تسخين الجرافين وتوسعه حتى يتشقق نتريد السيليكون، ما يؤدي إلى دخول الهواء وبدء تفاعله مع المعادن، وتنتقل الحرارة الناتجة عن التفاعل إلى الغلاف البلاستيكي، ما يؤدي إلى تفككه وتبخره.
يمكن أن يؤدي تشقق الغلاف إلى تحطيم الشريحة أيضاً. يقول لال: "ما أن تسخن هذه المادة، يزداد الإجهاد الميكانيكي إلى درجة تكفي لتفتيت الشريحة إلى أجزاء صغيرة للغاية". يعمل لال أيضاً على تجريب بعض المواد الكيميائية التي يؤدي تسخينها إلى إنتاج حمض الهيدروفلوريك من أجل تفكيك الشريحة أيضاً.
يمكن استخدام أي جهاز مزود بهذا النظام بشكل آمن في أغلب الأحيان، ولكن كما يقول لال: "قد لا يكون من المناسب الإمساك به أثناء عملية التدمير الذاتي". ووفقاً للال، يمكن من الناحية النظرية تزويد هذا النظام بحساسات لمنعه من التبخر إذا كان شخص ما قريباً منه.
حصل الفريق على براءة اختراع للتقنية الجديدة في ديسمبر. وما أن تتفكك هذه العناصر، لا يبقى سوى مسحوق دقيق من أكاسيد السيزيوم والروبيديوم، وبعض الرمل من شريحة السيليكون، وبعض النثارات الكربونية من الجرافين، إضافة إلى البطارية، ويعمل زملاء لال في شركة هونيويل للطيران والفضاء على تبخير البطارية أيضاً.
يحدث كل هذا ضمن مكعب بضلع طوله حوالي 1 مليمتر. يقول لال: "يمكنك أن تعتبره أشبه بقطعة من لعبة ليجو التركيبية". ويمكن بناء جهاز من عدد كبير من هذه القطع الصغيرة، وبرمجتها لتدميرها جميعاً في نفس الوقت، أو تدمير بعضها فقط.
يتصور لال استخدام هذه التقنية في الحساسات البيئية، بحيث تختفي مع تلقي إشارة من طائرة مسيرة تحلق فوقها. كما يمكن استخدام الطاقة الناتجة عن تفكك هذه العناصر كطريقة لتحريك الروبوتات الميكروية، كما يمكن استخدامها لجعل الإلكترونيات الاستهلاكية أكثر قابلية للتدوير. حيث تتحطم دارات جهازك الذكي، تاركة خلفها المعادن الثمينة مثل الذهب والبلاتين جاهزة لإعادة التدوير. ويقول لال إن الغلاف والبراغي للهاتف الخليوي يمكن أن تصنع أيضاً من مواد بلاستيكية قابلة للتبخر.