سواء كنا نتحدث عن مشاهدة تسجيل لإحدى المباريات الرياضية للمرة الأولى أو الثانية (مثل الكلاسيكو الشهير في كرة القدم بين ريال مدريد وبرشلونة) أو حتى حضورها على الهواء مباشرة، فإننا بلا شك نشهد ثورةً حقيقية في الأساليب التي يشاهد فيها المشجعون الأحداث الرياضة ويتفاعلون معها. نستعرض فيما يلي عدداً من التطورات التكنولوجية التي ستوفر للمشجعين فرصة بناء علاقة أكثر تفاعلاً، ومرونةً واستحواذاً لحواسهم مع رياضاتهم أو فرقهم أو حتى لاعبيهم المفضلين.
بروز تقانة النقل التلفزيوني عبر الإنترنت OTT
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن تقنية العرض عبر الإنترنت Over-The-Top (نقل المحتوى عبر الإنترنت، كبديل عن وسائل البث التلفزيوني التقليدية) بدأت تغير المشهد الرياضي كلياً اعتباراً من 2017.
فعلى سبيل المثال؛ يعتمد نموذج الأعمال في كل ناد يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز بشكل تام على مبلغ يقدر بحوالي 95 مليون جنيه إسترليني يودع في حسابه المصرفي كل عام من حقوق البث التلفزيوني، وهذا ما كان عليه الحال دائماً طوال أكثر من 20 عاماً مضى. في حين يبدو أن 2017 هو العام الذي باتت فيه الحاجة للتفكير في خطة جديدة أمراً ملحاً للغاية.
تكمن المشكلة في أن جيل الألفية الجديدة يفضل مشاهدة الأحداث الرياضية عبر الإنترنت. عندما أعلن اثنين من عمالقة البث التلفزيوني الأميركي - إي إس بي إن ESPN، و سكاي سبورتس - عن خسارة 621,000 مشترك، وعن انخفاض أرقام المشاهدة بنسبة 19% على الترتيب، فذلك ليس لأن المشجعين يفقدون اهتماماتهم الرياضية. كل ما في الأمر هو أنهم يتفاعلون مع الأحداث الرياضية بطرق مختلفة متسببين عن غير قصد بتدمير البنية التي تدعم رياضاتهم المفضلة مالياً.
يفرض هذا الأمر تحديات هائلة أمام كل من مالكي الحقوق على اختلاف أنواع ملكياتهم، والهيئات والجهات التي تحكم الاستحقاقات الرياضية حول العالم، ويعتقد البعض أنهم وجدوا الحلول لهذه التحديات.
تقليداً لشبكة نت فليكس Netflix الرائدة في مجال النقل OTT، تم إطلاق خدمة النقل الرياضي المباشر دازن DAZN في أغسطس 2016، في كل من ألمانيا، النمسا وسويسرا. مقابل اشتراك شهري بمبلغ 9.99 يورو يمكن للمشتركين أن يختاروا أي مباراة يرغبون بمشاهدتها تقريباً من أحد أهم الدوريات الأوروبية لكرة القدم، إضافة إلى دوري كرة السلة الأميركية NBA، دوري كرة القدم الأميركية NFL، كرة المضرب، والرياضات الميكانيكية وأكثر من ذلك بكثير.
من المثير للاهتمام التوقف عند اتفاقات الشراكة الاستراتيجية التكنولوجية التي أُعلن عنها بين ريال مدريد ومايكروسوفت في نوفمبر 2016 بهدف تطوير وتسريع عملية التحول الرقمي للنادي باستخدام أحدث التقنيات (كتوفير نسخة تخيلية لملعب سنتياجو برنابيو قبل وأثناء وبعد المباريات)، وبالمثل تقريباً أيضاً بين برشلونة وأمازون حيث تم الاتفاق على بدء تنفيذ الشراكة بينهما مع حلول العام 2018، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى ربط الملايين من مشجعي كلا الناديين حول العالم مع تغطية مباشرة للمباريات الجارية (حيث ذكر الاتفاق بين ريال مدريد ومايكروسوفت استخدام طيف واسع من الأجهزة والخدمات، كالجهاز اللوحي سيرفيس برو 3 لتحسين أداء اللاعبين وكفاءة الفريق وعمل الطاقم التدريبي، إضافة إلى حلول تقنية لتسهيل الاتصالات بين الفعاليات الداخلية للنادي، ومع المحيط الخارجي كالمشجعين عبر العديد من وسائل التواصل والتفاعل).
مع استمرار نمو المشاهدة الرقمية، على حساب طرق البث التقليدية، فإن قيمة حقوق النقل التلفزيوني ستنخفض وستظل أجور الرياضيين بحاجة للسداد. إنه تهديد كبير، ولكن 2017 يشكل هدفاً مفتوحاً أمام أصحاب الرؤى المستقبلية، ورواد المخاطر والمبتكرين في هذه الصناعة.
تجربة الواقع الافتراضي المتنوّعة
شهدت التكنولوجيا التي تقف وراء تجارب الواقع الافتراضي زخماً كبيراً في السنوات القليلة الماضية. من مايكروسوفت كينيكت في 2010، إلى إطلاق نظارات أوكولوس ريفت في 2012 (التي اشترتها فيسبوك لاحقاً)، جوجل كارد بورد، إتش تي سي فايف، سامسونج جير في آر، وفي 2017، مايكروسوفت ويندوز في آر، حيث شهدت كل نسخة جديدة من هذه المنتجات قفزة في جودة عمليات إحاطة المستخدم بالمؤثرات الحسية المتنوعة.
حتى الربع الأول من 2017، اقتصرت تطبيقات التنقل بين عالم الرياضة والواقع الافتراضي بشكل كبير على مجال الألعاب، ولكن هذا الأمر يتغير بوتيرة سريعة، حيث يشهد 2017 إطلاق إمكانيات هذا التفاعل بين العالمين من خلال تحسين الأداء ومشاركة المشجعين.
حيث تقوم شركة strivrlabs.com بدور ريادي في مجال تدريبات الأداء البشري. فباستخدام كاميرات جو برو وبلاك ماجيك، وخلال ساعتين فقط، يمكن لنظامها أن يلتقط ما يكفي من اللقطات لإعادة توليد سيناريوهات مختلفة في اللعبة بشكل دقيق ضمن واقع افتراضي غني بالمؤثرات الحسية المحيطية، لمجموعة من عملائها في دوري كرة القدم الأميركية. من جهتها أحرزت الشركة الهولندية الناشئة بيوند سبورتس (www.beyondsports.nl) - المتخصصة في إنتاج بيئات محاكاة رقمية للمباريات الحقيقية في الواقع الافتراضي - تقدماً مع الفريق الوطني الهولندي، وفرق أياكس، بي إس في إندهوفن، وإي زد ألكمار. وتأمل الشركة في 2017 الإعلان عن توقيع شراكات مع أندية الدوري الإنجليزي الممتاز أيضاً.
انفجار تقني وشيك
لا شك أن تحقيق الأفكار الواعدة سيتسبب بانفجار الإمكانات الهائلة التي تحملها لنا تطبيقات الواقع الافتراضي. فممارسة التدريبات في بيئات الواقع الافتراضي تحسن كفاءة اللاعبين الإدراكية، ومهارات اتخاذ القرار عند خوض سيناريوهات تنافسية مكثفة، وتقلل من مخاطر الإصابة، وتسمح للاعبين المصابين بمواصلة التدريب. بالرغم من أنه لا يمكن للواقع الافتراضي أبداً أن يحل محل التدريبات الحقيقية، إلا أنه قادر على تقديم تصورات ومنظورات جديدة كان من المستحيل على اللاعبين الحصول عليها، إضافة إلى التعاطف مع آراء المدربين وتمكينهم من تطبيق تصورات تكتيكية جديدة.
تبقى الفرصة قائمة في 2017 لكي تتدرج تطبيقات التدريب في الواقع الافتراضي بشكل مناسب من مستوى لاعبي النخبة وصولاً إلى عامة الناس. فحضور درس لليوغا في غرفة المعيشة الخاصة بك، التدريب في حلبة للملاكمة ضد خصم ما في بلد آخر، أو تجاوز رتل المتسابقين في سباق طواف فرنسا للدراجات الهوائية: كلها تجارب ممكنة الحدوث في الواقع الافتراضي ننتظر توفرها تباعاً في الأسواق، حيث طُرحت أوائل هذا النوع من الأجهزة العام الماضي 2016 من قبل شركة إيكاروس الألمانية مع سعر لا يتجاوز 8,000 دولار، وهو جهاز قابل للتركيب يساعد على خوض تجربة الطيران الذاتي ضمن إطار متحرك يستوعب جسم الإنسان كتمرين شيق للحفاظ على اللياقة.
من المنتظر أن يتمكن الواقع الافتراضي من إحداث ثورة في تجارب تفاعل المشجعين في الأيام التي تقام فيها المباريات أيضاً. فقد كانت المباراة التي جرت في نوفمبر الماضي بين ساكرامنتو كينجز وسان أنطونيو سبيرز في إطار دوري NBA أول مباراة يتم بثها في الواقع الافتراضي. حيث تمكن الجمهور من مشاهدة مجريات اللعب من عدد هائل من الزوايا، بما في ذلك المنطقة الواقعة تحت السلة مباشرة، داخل غرف تغيير الملابس، ومن زاوية لوحات تسجيل النقاط. كما تمكن مشاهدو بطولة أميركا المفتوحة للغولف في شهر يونيو (الذين يمتلكون نظارات الرأس المطلوبة من بينهم) من السير في الممرات الجانبية المحاذية لحفر المحترفين، حيث أتيحت فقط الحفرتان 10 و12 للاقتراب.
إن إتاحة هذه التجربة المذهلة للمستخدمين ستغير شكل الأساليب التي يتفاعل فيها المشجعون مع الأحداث الرياضية. "كيف أضاع رونالدو تلك الفرصة؟"، "كيف يمكن صد إرسال ديوكوفيتش؟"، "كيف يبدو الوقوف لتسديد كرة الغولف على بعد 3 أمتار عن الحفرة النهائية لتربح البطولة؟". سيسمح لنا ارتداء نظارات الواقع الافتراضي بالإجابة عن هذه الأسئلة لأنفسنا.
ثورة الرياضات الإلكترونية
أشارت عدة تقارير في الربع الأخير من العام الفائت 2016 إلى أن الرياضات الإلكترونية ستتخطى حاجز المليار دولار أميركي في العام 2017.
في 2016، بدأت حملة كبيرة بإنشاء حسابات لاعبين، وفرق ودوريات، تقابل فرقاً رياضية حقيقية مثل شالكه 04، باريس سان جيرمان، وفيلاديلفيا سيفنتي سيكسرز تقوم بشراء فرق من لاعبي الألعاب الإلكترونية.. حيث ارتفع بعد ذلك حجم صفقات الرعاية لهذه الفرق الإلكترونية، وبدأت شركات كبرى مثل كوكا كولا، باركليز، وجيليت بركوب الموجة.
ما يحد من التفاؤل بشأن هذه الصناعة هو الإطار التنظيمي العشوائي الذي بدأ يظهر. فقد تشكلت اتحادات وطنية للفرق الإلكترونية حول العالم (كما في الصين، اليابان، الهند، بريطانيا، وأميركا)، ولكن التنسيق الذي يجمع بين آسيا - وهي المنطقة المهيمنة على هذا القطاع - وأميركا وأوروبا ضعيف للغاية. وبشكل مخالف للاتجاه نحو العولمة، يرى العديد من المراقبين أن المشهد العالمي يصبح مجزأً ومتناثراً بشكل متزايد، مع تفضيل للدوريات محلية، والاتحادات الوطنية.
عندما يشترك شهرياً أكثر من 100 مليون شخص في منصة رقمية (www.twitch.tv) لمشاهدة أشخاص آخرين وهم يلعبون ألعاب الفيديو، فهذا يوضح بلا شك النمو الملموس الذي يشهده هذا المجال مع حلول العام 2017. وقد انضمت فيسبوك عبر خدمتها "فيسبوك لايف" إلى ركب المشاركين عبر توقيع صفقة مع منتجي الألعاب "أكتيفيشن بليزارد" لعرض أحداث رياضية إلكترونية على الهواء مباشرة، في حين أبدت جينكس إيسبورتس تي في مطلع هذا العام عن رغبتها بأن تصبح أكبر قناة تلفزيونية لبث الأحداث الرياضية الإلكترونية على مدار 24 ساعة في 2017، مستهدفة 23 مليون مشاهد.
بشكل عام، يتوقع أن يصل عدد المشاهدين بحلول العام 2019 إلى 303 مليون (عبر القنوات التلفزيونية والإنترنت معاً)، مع كل الفرص المتزايدة بشأن السيولة النقدية التي ترافق مثل هذه الأرقام المذهلة.
التغطية المباشرة لوسائل الإعلام الاجتماعية
لم يكن لأحد أن يتوقع لدوري منطقة الكاريبي الممتاز للكريكت أن يفتتح حقبة جديدة في تاريخ بث الأحداث الرياضية، ولكن بطولة توينتي توينتي (Twenty20) المحلية التي أقيمت الصيف الماضي قد يُنظر إليها على أنها التجربة الرائدة التي مهدت لهذا التوجه.
فقد كان دوري منطقة الكاريبي الممتاز أول دوري رياضي يستكمل عقوده الخاصة بالبث ويستخدم خدمة "فيسبوك لايف" لعرض كافة المباريات على الهواء مباشرة. تم توفير التغطية في 40 بلداً وتمكن 5.3 مليون شخص من المشاهدة عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
بدوره بدأ ريال مدريد أيضاً بتحويل جزء من المحتوى الحصري من قناة النادي التلفزيونية إلى خدمة "فيسبوك لايف"، ليصل عدد مشاهدات الفيديو في الأسبوع الأول من فبراير في 2017 حاجز 110 مليون مشاهدة. وفقاً للعقد الموقّع لا يمكنهم عرض مباريات مباشرة، لكن مع اتساع نطاق التغطية، والمشاركة والإيرادات التي يمكن تحقيقها جراء ذلك، ودعم مايكروسوفت الشريك الاستراتيجي، يمكنك الرهان بأنها ستشكل عامل ضغط عندما يحين موعد تجديد عقود البث التلفزيوني الحالية.
وقد تبنى الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية دور وسائل التواصل الاجتماعي "كطرف مخلّ" بالطريقة الكلاسيكية التي يشاهد بها المشجعون بطولاتهم الرياضية المفضلة. وإضافة إلى صفقتهم التي تطلبت نقاشات مطولة مع تويتر ولكنها آلت إلى أمازون في النهاية لنقل فعاليات هذا الدوري، بدأوا مع مطلع فبراير الماضي بتوظيف أشخاص في قسم الألعاب خصيصاً لإنتاج مقاطع فيديو موجهة لتطبيق سناب تشات، ويمكن للمشجعين أن يتابعوا المباريات على هذا التطبيق عبر "قصص حية" تتكون فقط من لقطات فيديو تم إنتاجها على يد مشجعين حاضرين في الملعب. في الموسم الماضي، شاهد هذا النوع من المقاطع حوالي 65 مليون شخص.
ما يتعلمه حاملو الأسهم جميعاً هو أن الطريق نحو تحقيق الإيرادات المالية لم يعد وحيداً بعد اليوم، وتقع وسائل التواصل الاجتماعي تماماً في مركز سلسلة من البدائل الجديدة.
تعزيز المشاركة عبر الأجهزة المحمولة
لم يعد الكرسي البلاستيكي القلّاب في المدرجات كافياً ليشكل العنصر الأساسي في تجربة قضاء يوم رياضي نموذجي بالنسبة لجيل الألفية الجديدة. وما لم يلتقط المشجع الحاضر (أو تلتقط) مقاطع الفيديو ويشاركها ويناقش اللعبة على الهواء مباشرة على إنستاجرام/ سناب تشات/ تويتر/ فيسبوك/ واتس أب، فقد يبدو اليوم بالنسبة له عندها وكأنه لم يكن.
أما الأندية المحترفة في أوروبا، فقد تأخرت عموماً بإدراك هذا الأمر، وبدأت خلال 2017 تُسارع إلى إعادة ضبط أو تركيب الحلول التقنية اللازمة القادرة على توفير قنوات اتصال سريعة وموثوقة خلال الفترات التي تشهد حركة مكثفة للبيانات الرقمية (على سبيل المثال خلال الاستراحة بين الشوطين، أو بعد إحراز هدف).
إمكانات واعدة
سيذهب العديد من هذه الأندية إلى ما هو أبعد من ذلك، لتوجيه محتوى عناصر مختلفة من أحداث الأيام الرياضية من خلال هواتف المشجعين المحمولة. سيرتفع حجم شراء البطاقات عبر الهواتف المحمولة، ويتم استخدام الواقع المعزز لتوجيهك نحو مقعدك عبر شاشة هاتفك الذكي، ويكون بمقدور المشجعين أن يطلبوا الطعام ليوافيهم إلى مقاعدهم دون الخوض في إزعاجات الوقوف في طوابير الانتظار.
يمكن للأندية أن تستفيد من بيانات المشجعين المحسنة التي ستتمكن هذه الفعاليات من توفيرها لها. فهي لن تحصل على سجلات الحضور فحسب، بل على معلومات تتعلق بعادات المشجعين في الأيام الرياضية أيضاً. وسيخلق هذا الأمر مجالاً للعروض الخاصة، والحسومات الممتازة، ومحتويات رقمية موزعة على شرائح وفئات معينة.