هل فكرت مسبقاً أن باستطاعتك التواصل مع أحد أصدقائك بمجرد التفكير فيه دون الحاجة إلى استخدام الهاتف أو مراسلته عبر الإنترنت؟ ما رأيك إذا أردت معرفة معلومات عن شيء ما، أو العثور على إجابة أي سؤال أثناء اختبارك النهائي من خلال أن تجعل عقلك متصلاً بشبكة الإنترنت. حلمنا كثيراً بهذا الأمر وتمنينا لو كان واقعاً، والمفاجأة أننا على بعد خطوات قليلة من إمكانية تحقيق هذا الأمر في العقود القادمة.
تحول الخيال إلى واقع؟
تناولت أفلام الخيال العلمي في الماضي أفكاراً عديدة مبهرة في عصرها، ومع تقدم الوقت أصبحت الآن حقيقة، فإذا عدنا بالزمن قرن إلى الوراء، وأخبرت شخصاً ما بأنه سيكون هناك هاتف نقال لا يحتاج إلى الأسلاك، ويمكنك أن تذهب به إلى أي مكان، كان سيعتقد بالتأكيد أنك حالم. لكن انظر الآن إلى قدر التطور الذي وصلت إليه هواتفنا المحمولة، وكيف يمكننا أن نفعل الكثير من المهام من خلالها.
كما ناقشت أفلام الخيال العلمي بعض الأفكار عن جعل أدمغتنا متصلة بأجهزة الحاسوب والإنترنت، لكن من الواضح أنها لم تعد محض خيال بعد الآن.
في نهاية الأسبوع الماضي، نشر باحثون من جامعة «كاليفورنيا-بيركلي» ومعهد الصناعات الجزيئية في الولايات المتحدة الأمريكية دراسة في دورية «فرونتيرز نيوروساينس»، تصف الخطوات المتبقية لجعل عقولنا متصلة بسحابة الإنترنت، والعوائق التي تقف حائلاً أمام توفر هذه الآلية.
سميت الآلية بـ «ربط المخ البشري/السحابة - B/CI»، وتقوم على زراعة أجهزة صغيرة داخل المخ، تعمل على نقل أفكارنا ومعلوماتنا من وإلى سحابة افتراضية على الإنترنت.
أما بالنسبة للأجهزة الصغيرة المستخدمة في هذه الآلية، فهي إحدى أنواع «النانوروبوتات» التي أصبحت واعدة في استخدامات متعددة لخدمة البشر؛ مثل استخدام البعض منها في حل مشكلة قرح المعدة، أو لخدمة البيئة؛ مثل استخدام أنواع معينة منها في تنقية المحيطات من الملوثات.
أما عن النوع المستخدم في التواصل بين الإنترنت والبشر، فسيكون أحد الأنواع الخاصة المسمى «نيورال نانوروبوتات - Neuralnanorobotic»، نسبة لكونه يستخدم في الاتصالات العصبية، حيث يلزم أن تكون هذه الأنواع من مواد خاصة تتوافق مع الجسم، وتناسب طبيعة الوسط الذي ستزرع فيه.
وبخصوص زراعتها في المخ، فهي لن تحتاج إلى عمليات جراحية، بل ستحقن في الأوعية الدموية لتأخذ هي رحلتها في جسدنا حتى تصل إلى خلايا المخ، فإما أن تبقى بينها، أو تتعمق داخلها لتؤدي عملها. وبذلك تصبح قادرة على استقبال الإشارات الدماغية حاملة أفكارنا ومعلوماتنا، ثم ترسلها إلى السحابة الإلكترونية في شكل معلومات مشفرة، أو استقبالهم وإرسالهم إلى داخل أفكارنا.
هذه الآلية ستحول أدمغتنا إلى حواسيب فائقة قادرة على السباحة بين السحابة الإلكترونية، أو قادرة على تنفيذ العديد من المهام بمجرد التفكير فيها.
محاولات سابقة
قد تظن أن هذا الحلم بعيدٌ عنا، لكننا بالفعل قطعنا الكثير من الخطوات في السير نحوه. ففي العام الماضي، استطاع باحثون تكوين شبكة تواصل بين أدمغة 3 أشخاص، وتم اختبارها في إحدى الألعاب. كانت تقنياتهم تقوم على توصيل خلايا المخ عند الشخص «المرسِل - sender» بـ «إلكترود - Electrode» يقرأ إشارات أدمغتهم الكهربية، ثم يقوم بإرسالها عبر سحابة إلكترونية لتصل إلى دماغ «المستقبِل - receiver» حيث وضعت فيه أجهزة إلكترومغناطيسية تحفز خلايا مخه وفقاً للإشارة المرسلة. سميت تلك التقنية بـ «براين نيت - BrainNet».
كانت التجربة تخص لعبة سقوط المكعبات بشكلها الصحيح لتكوين الصفوف الكاملة منها، وكان يجلس أحد الأشخاص المرسلين أمام شاشة تعرض اللعبة ولوحها بشكلٍ كامل، ثم يقع أمامه مصدرين للنبضات الضوئية، كلاً منهم يخرج نبضات بتردد مختلف، وإذا نظر إلى أحد منهم، يعني ذلك إشارة دماغية مختلفة عن الأخرى.
أما بالنسبة للمستقبل فلم يكن يرى اللوحة كاملة، كان يرى القطعة التي تسقط فقط، وعليه أن يقوم بتحريكها أو لفها حسب الإشارات التي تصل إلى دماغه. بالفعل حققت هذه الآلية نجاحاً بنسبة تعدت 80%. سبقت هذه التجربة واحدة أخرى هدفت إلى ربط أدمغة اثنين ببعضهم البعض، وجعل الشخص المستقبل يجيب على أسئلة من نوع «نعم»، «لا»، وكانت أيضاً ذات نجاح كبير.
لم تكن هذه التجارب هي الوحيدة من نوعها، فقد أنشأ «إيلون ماسك» مؤسس شركة تسلا، والرئيس التنفيذي لشركة «Space X»، شركة تعرف بـ «نيورالينك». هدفت هذه الشركة إلى صناعة أجهزة تساعد مرضى الصرع والشلل الرعاش في تنظيم كهرباء أدمغتهم. لكن في العام 2015 في لقاء مع «نيل ديغراس تايسون» عالم الفيزياء الفلكية، سُئل "ماسك" عن رأيه في تطور الذكاء الاصطناعي، لتأتي إجابته أنه لا يريد أن يصبح قطاً منزلياً لروبوتات المستقبل، والحل الحقيقي هو جعل أدمغتنا متفوقة عليها.
تهدف شركة ماسك إلى صناعة تقنية مشابهة أسماها «نيورال ليس»، والتي تقوم على اتصال الأدمغة بسحابة إلكترونية كبيرة لتبادل المعلومات بين أدمغتنا من خلالها، والتي ستكون وسيلتنا للتعلم المستمر مثلما تقوم الآلات بعملية التعلم «Machine learning»، لكنه لم يخرج بتصريحات أخرى منذ حينها.
ما الفائدة من تلك الآلية وما العوائق التي تقف أمامها؟
يرى الباحثون في هذه الدراسة نفس رؤية ماسك، لكنها لا تتوقف على التفوق على الروبوتات فحسب، وإنما يروا أنها من الممكن أن تصبح وسيلة لتحقيق «المدينة الفاضلة» الافتراضية، حيث يمكن أن تستخدم في توحيد أراء الشعوب وحل النزاعات الضخمة. لكن من جهة أخرى يمكن أن تستخدم بصورة سيئة مثل إتاحة الفرصة للتلاعب بأراء الأشخاص والتحكم فيهم لأغراض محددة، فكل هذه الاحتمالات متروكة للمستقبل.
أما العوائق فهي تكمن في إيجاد الحلقات المفقودة، حيث أن آلية مثل هذه تحتاج إلى حواسيب عملاقة وفائقة المعالجة لاستقبال كل هذا الكم من المعلومات مرة واحدة وتكون قادرة على تبادلها، وهي ما نقترب منه الآن. أيضاً تكمن إحدى العوائق في قدرة استقبال النانوروبوتات للإشارات وإرسالها؛ فكيف ستتمكن من ذلك؟ هل ستشبه نفس آلية الإلكترود والإلكترومغناطيس؟ أم ستحمل فكرة مختلفة؟ لكن حتى هذا الأمر يلزمه إيجاد تردد مناسب لتستقبل البيانات عليه.
على الرغم من أنك قد تظن بأن عوائق مثل هذه تحول أمام تحقيق الآلية، فدعني أخبرك بأننا قطعنا نصف تلك الأشواط ولم يتبقى أمام العلماء الكثير، ووفقاً لهم فإنه قبل نهاية القرن الحالي سنمتلك بالفعل هذه الآلية. كل ما علينا فعله فقط هو الترقب والانتظار.