منذ فترة من الزمن، كان تصوير الفيديو بطريقة طولانية فكرة جنونية تماماً. ولطالما شاهدنا على مدى عقود من الزمن شاشات تتميز بعرض أكبر من الارتفاع، وفي بعض الأحيان بنسبة كبيرة. وتتراوح نسب العرض المألوفة ما بين اللقطات العريضة للغاية، بنسبة 2.76:1 المستخدمة في مشاهد فيلم "بن هور" Ben-Hur، وصولاً إلى صيغة 4:3 شبه المربعة المستخدمة في الأفلام، ومن ثم التلفاز، على مدى عقود طويلة. غير أن انتشار الهواتف الذكية مع ميزة التصوير بالفيديو أدى إلى إطلاق عصر الفيديوهات الطولانية، التي لم تصبح مألوفة ومقبولة إلا بصعوبة بالغة.
والآن، أطلق إنستجرام منصة آي جي تي في، والتي تشجع أصحاب المحتوى على الوصول إلى العدد الكبير من مستخدمي إنستجرام النشطين عن طريق محتوى من الفيديوهات الطولانية المناسبة للمشاهدة على هاتف محمول باليد بشكل طولاني. من المؤكد أن هذه المنصة ليست الأولى التي تشجع استخدام الفيديوهات الطولانية، فقد بدأ سناب تشات بالترويج لهذه الصيغة منذ 2015، وحتى أنه تم تعديل تطبيق يوتيوب لتشغيل الفيديوهات الطولانية على كامل الشاشة في العام الماضي.
ولكننا الآن نتحدث عن إنستجرام، وهي خدمة تجاوز عدد مستخدميها النشطين المليار بشكل رسمي. ولا يقتصر هذا المحتوى على النوع القصير، حيث أن المنصة ستسمح بفيديوهات تصل مدتها إلى الساعة. وعلى ما يبدو، فإن أصحاب المحتوى يتوقعون أن الناس سيحدقون في الشاشات الطولانية أكثر من ذي قبل.
اندلعت المعركة حول صيغ الشاشات منذ بداية السينما، وتوجد الكثير من العوامل التي تتحكم بعرض الصور التي نراها، بما في ذلك البيولوجيا، والأهم من ذلك: التكنولوجيا.
البداية مع 4:3
يمكنك أن تتبع الصيغة الأصلية لعرض الصور المتحركة وصولاً إلى مختبر توماس إديسون. كان المصور ويليام ديكنسون يلتقط الصور المتحركة على فيلم عادي قياس 35 مليمتر بحيث يستخدم في الكينيتوسكوب، وهو أشبه بجهاز إسقاط، ولكن كان المشاهدون يضطرون لمشاهدة الصور المتحركة عبر فتحة صغيرة في الآلة نفسها. كان الفيلم يثقب على جانبيه بثقوب صغيرة، يبلغ عددها أربعاً على كل جانب لكل صورة فردية من الفيلم، وذلك حتى تتمكن عجلة مسننة في الكاميرا من تحريكه أثناء تعريضه للضوء (واعتمدت هذه الثقوب كواحدة قياس شائعة لأبعاد الصور على الأفلام).
كانت النتيجة صورة بعرض 2.4 سنتمتر وارتفاع 1.9 سنتمتر. وفي 1909، قامت شركة براءات الاختراع للصور المتحركة باعتماد هذه النسبة كمعيار للمساعدة على توحيد أسلوب العمل بالنسبة لصالات العرض والمتفرجين والشركات التي كانت تصنع الكاميرات وأجهزة الإسقاط.
بقيت هذه الصيغة بدون تغيير حتى أواخر العشرينيات عندما ظهرت الأفلام المرفقة بالصوت. كان المسار الصوتي يظهر بصرياً على شريط الفيلم، أي أنه يستهلك مساحة من شريط الفيلم نفسه. في 1932، قررت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة أن تخبئ أعلى وأسفل كل صورة بشريط موحد اللون لتفسح مساحة للمسار الصوتي، وهو ما أدى إلى ظهور نسبة العرض المألوفة 1.37:1، المعروفة أيضاً بنسبة الأكاديمية. لم يتغير الكثير منذ الصيغة الأصلية 1.33:1 (1.33 هو العرض، 1 هو الارتفاع). غير أنه مثال قديم على تغيير التكنولوجيا الذي أدى إلى نقلة في الحجم.
كانت الصيغ العريضة موجودة في تلك السنوات المبكرة، ولكن المشاهدين –خصوصاً في صالات العرض السينمائي- كانوا معتادين على الصيغة شبه المربعة منذ البداية.
بعد ذلك، أتى التلفاز في فجر الخمسينيات، ولم يكن موجوداً إلا في أقل من 9% من المنازل، غير أن هذ الرقم تصاعد إلى 90% تقريباً في نهاية العقد. يقول مايكل كارماين، عضو مجلس الإدارة في مجال التكنولوجيا في مدرسة تيش للفنون في جامعة نيويورك، ومن المخضرمين في الإنتاج التلفزيوني والسينمائي: "عندما قرر القائمون على المجال التلفزيوني استنساخ نسبة العرض السينمائية لعرض الأفلام على الشاشات وجذب الجماهير، قرر المنتجون أنهم سيبيعون أفلامهم إلى الشاشة الصغيرة، ولكنهم يجب أن يفعلوا شيئاً خاصاً بهم".
كان التلفاز يجتذب جزءاً من المشاهدين الذين كانوا عادة يذهبون إلى صالات العرض السينمائي لمشاهدة الأفلام. ونظراً لأن التلفاز اعتمد على نسبة العرض شبه المربعة 4:3 منذ البداية، فقد كان مثالياً لعرض جميع الأفلام المعيارية وذائعة الانتشار من العقود الماضية. ولهذا، وبغرض التميز عن موجة الشاشات التلفازية التي اكتسحت المنازل، قررت شركات الأفلام أن تنتقل إلى صيغة واسعة للغاية.
في عام 1952، أطلقت صيغة باسم سينراما في مدينة نيويورك، وكانت عبارة عن نسبة عرض 2.59:1، وكانت عريضة للغاية لدرجة أنها تطلبت 3 كاميرات للتصوير و3 أجهزة إسقاط لعرض الفيلم على شاشة شديدة الانحناء. كان العمل بهذه الصيغة شديد الصعوبة، ولكن المشاهدين تقبلوها. كانت هذه الصيغة مسرحية الطابع، حيث كان يعرض مشهد أولي لقطار أفعواني في مدينة الملاهي على الستائر أثناء فتحها لاستعراض ضخامة الشاشة.
شهدت الخمسينيات تقبل المشاهدين للصيغ العريضة في صالات العرض، وتعالت النداءات من الشركات لوضع صيغة معيارية. اعتبر ظهور عدسات التشويه علامة فارقة تكنولوجية هامة بالنسبة لصيغ الأفلام، وكانت مهمة هذه العدسات ضغط الصورة بشكل أفقي أثناء التقاطها، ومن ثم توسيعها أثناء الإسقاط بحيث يمكن تخزين صورة أكثر عرضاً بدون زيادة استخدام الشريط السينمائي.
استقرت الصيغة العريضة عموماً على نسبة العرض 2.35:1 لتقنية أطلقت عليها فوكس اسم سينما سكوب. عُرض أول فيلم بهذه التقنية، "ذا روب" The Robe، في الصالات في 1953، وحقق نجاحاً تجارياً هائلاً. وتبنت صناعة السينما تقنية سينما سكوب على نطاق واسع، باستثناء شركة باراماونت التي قررت السير عكس التيار واستخدام صيغة أخرى باسم فيستافيجن. لم تعتمد فيستافيجن على ضغط المزيد من بيانات الصورة في نفس المساحة، بل على سحب الفيلم عبر الكاميرا بشكل عرضي واستخدام صور سلبية بعرض ثمانية ثقوب. أدت هذه الأبعاد الكبيرة إلى صور تحوي حبيبات أصغر، أي ذات جودة أعلى. غير أنها كانت بشكل بديهي أكثر تكلفة بسبب الحاجة لاستخدام كمية أكبر من الأفلام. وقد استخدمت نسبة عرض فيستافيجن 1.85:1 في بعض الأفلام ذائعة الصيت، مثل فيلم "فرتيجو" Vertigo الكلاسيكي للمخرج الشهير ألفريد هيتشكوك. ومن المثير للاهتمام أن تدوير طريقة العرض هذه بزاوية قائمة يؤدي إلى نسبة عمودية قريبة جداً مما يراها مستخدمو آيفون إكس عند مشاهدة الفيديوهات الطولانية.
إلى المزيد من الضخامة
أدى استخدام صور سلبية أكبر إلى جودة أعلى، وهو ما دفع ببعض صانعي الأفلام إلى استخدام أنواع أكبر من أشرطة الأفلام. استخدم مايك تود أشرطة بقياس 70 مليمتر لصيغة أطلق عليها اسم صيغة تود أيه أو، وكان أضخم بكثير من الشريط المعتاد بقياس 35 مليمتر. كانت صور تود أيه أو بنسبة غرض 2.25:1، وأثبتت أنها مناسبة تماماً للأفلام الموسيقية مثل "ذا ساوند أوف ميوزيك" The Sound Of Music والفيلم الشهير من عام 1970، باتون Patton.
قد يكون فيلم بن هور Ben-Hur من عام 1959 أشهر فيلم بصورة عريضة للغاية، حيث صور بنسبة عرض بانافيجن 2.76:1 العريضة للغاية على فيلم بقياس 70 مليمتر. ولم تستطع الكثير من المسارح أن تدعم هذه الصيغة فائقة العرض، وعرضت الفيلم بنسبة 2.5:1.
معيار 16:9 (1.77:1)
اعتمدت التلفزيونات معيارية الدقة والأفلام القديمة على صيغة 4:3 شبه المربعة، أما الأفلام فكانت تتراوح بين معيار 1.85:1 إلى الصور العريضة بنسبة 2.35:1، وبالتالي، كان يجب على صيغة التلفزيونات عالية الدقة HDTV الجديدة التي طورت في نهاية الثمانينيات أن تستوعب كلتا النسبتين، واعتمدت نسبة تساوي متوسط النسبتين، 16:9. أي أن المحتوى العريض كان يعرض على الشاشة مع شريطين أسودين في الأعلى والأسفل، على حين يعرض المحتوى بنسبة 4:3 بما يسمى الاحتواء العمودي، أي وضع شريطين أسودين على جانبي الصورة لملء الشاشة.
هذا هو المعيار المستخدم حالياً في التلفزيونات عالية الدقة، كما أنه شائع الاستخدام ايضاً في الهواتف الذكية، مثل آيفون 8 بلس. ووفقاً لكارماين من جامعة نيويورك، فقد توقعت صناعة التلفزيون هذه النقلة، وهو ما أثر بشكل ملموس على كيفية تصوير البرامج التي ستعرض قريباً بصيغة HDTV، ويشرح قائلا: "عندما أنتجنا مسلسل "ويل آند جريس" Will and Grace، كنا نلتقط صورة كاملة بطول أربعة ثقوب، ولكننا كنا نعرف أن المسلسل سيعرض على الكثير من المحطات، وبالتالي لم نصور أي شيء ذا أهمية في أعلى وأسفل الصورة، لأننا كنا مدركين أنه سيعرض في وقت لاحق بنسبة 16:9".
المشاهدة الطولانية
إذا حاولت مشاهدة فيلم على هاتفك بوضعية طولانية، فلا بد أنك لاحظت أنه تعيس المنظر، بشاشة لا تحوي من الصور المتحركة الفعلية سوى شريط صغير، وهو ما يجعل ظهور الفيديو الطولاني على الهواتف الذكية تطوراً بديهياً.
من أهم النواحي التي يجب مراعاتها في مسألة المشاهدة داخل التطبيق هي ترك مساحة لواجهة التطبيق على الفيديوهات. كانت فيديوهات إنستجرام في البداية مربعة مثل الصور، ولكن حتى الفيديو الطولاني على كامل الشاشة يتيح بعض المساحة لأشياء أخرى مثل الفيديوهات المشابهة وأزرار التحكم بالتطبيق.
في 2015، حاولت شركة سناب تشات بكل جهدها دعم مبادرتها للمحتوى الأصلي الطولاني، ودعمت مجموعة واسعة من العلامات التجارية الشهيرة في الميديا (أو حاولت) استغلال أقصى ما يمكن من مساحة الشاشة الطولانية.
يشرح كارماين أن التصوير بشكل طولاني صعب للغاية في حالة الأفلام السينمائية العادية، حيث يعد المنتجون عادة لقطتين في مشهد واحد. غير أنه يرى إمكانية للتطبيق في مجالات أخرى مثل التسويق، ويقول: "يمتد الجسم البشري بشكل طولاني، ويمكن للشاشة الطولانية أن تتسع لشخص بكامل طوله". كما يشرح أنه التقط بعض الفيديوهات الطولانية منذ حوالي 10 سنوات من أجل حملة دعاية للأزياء في المتاجر.
حالياً، ما زال إنستجرام في بداية برنامجه التجريبي على آي جي تي ي، بمشاركة بعض الشخصيات المؤثرة وبرامجهم الطولانية الخاصة. هل سيكون هذا كافياً للتأثير على كيفية مشاهدتنا للمحتوى بشكل عام؟ سنرى مع الوقت.