إن كنا لا نريد للماء العذب أن ينفد، علينا أن نوجه أنظارنا إلى الشمس

5 دقائق
الصورة: بيكسلز

أدى الشتاء الذي شهد كميات شحيحة استثنائية من تساقط الثلوج إلى إحياء مشاكل المياه في كاليفورنيا. فتراكم الثلوج عادةً ما يزود الولاية بكميات كبيرة مما تحتاجه من المياه خلال فصلي الربيع والصيف، ولكن الثلوج شحيحة هذا العام، وهو ما دفع حاكم الولاية جيري براون إلى اتخاذ تدابير دائمة للحفاظ على المياه. بفضل التغير المناخي، ستتفاقم المشكلة، لتثير قلق المسؤولين بشأن مستقبل المياه في الولاية الذهبية.

من جهتها هنتينغتون بيتش، وهي مدينة ساحلية تقع في جنوب كاليفورنيا، تنظر للأمر على المدى البعيد، حيث تستثمر في محطة جديدة لتحلية المياه ستحول ماء البحر إلى ماء نظيف صالح للشرب. وفي حين يقول مؤيدو المحطة إنها ضرورية للحيلولة دون تفاقم نقص المياه، يقول النقاد إن المحطة تمثل هدراً لأموال دافعي الضرائب، وهو ما دفع المسؤولين إلى إدارة الموارد المائية بكفاءة أكبر بدلاً من ذلك.

ومع ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم مستويات الجفاف، يرجح لهذا الصراع أن ينشب في المزيد من المدن الساحلية.

الأمر الجوهري في هذا الصراع هو أن محطات التحلية تتطلب كميات هائلة من الطاقة، ما يجعل كلفة تشغيلها باهظة للغاية. وإذا كانت تستمد طاقتها من حرق الوقود الأحفوري، فستزيد التغير المناخي سوءاً. تسعى وزارة الطاقة الأميركية لتجنب هذه المشكلة عبر تمويل الأبحاث التي تهدف إلى تخفيض كلفة استخدام الطاقة الشمسية بشكل كبير لإخراج الملح من مياه البحر.

رسم فني لمحطة التحلية المزمع بناؤها لصالح هنتينغتون بيتش في ولاية كاليفورنيا.
مصدر الصورة: بوسيدون

تقوم معظم محطات التحلية، بما في ذلك المحطة التي يجري بناؤها في هنتينغتون بيتش، بتمرير ماء البحر عبر غشاء يقوم بترشيح الملح، وهي عملية تعرف باسم التناضح العكسي، والتي تستهلك الكثير من الطاقة، ما يجعلها مكلفة إلى حد ما.

من جهته مدير البرنامج بالنيابة لصالح مكتب تقانات الطاقة الشمسية في وزارة الطاقة، آفي شولتز، يوضح ذلك بأنه على الرغم من أن التناضح العكسي هو أحدث ما توصلت إليه تقنيات تحلية المياه، "لكنه يبقى من المستبعد أن يكون خيارك الأول لتوليد المياه العذبة، نظراً لأنه خيار باهظ الثمن". فالتناضح العكسي ينتج مياه عذبة بكلفة تقارب 1.5 دولار لكل متر مكعب، "وهي في الواقع تكلفة باهظة بعض الشيء لكي يتسنى استخدامها على نطاق واسع"، بحسب شولتز.

في الولايات المتحدة، يفوق متوسط كلفة المياه 0.5 دولار لكل متر مكعب قليلاً، ولكنه يختلف من مكان لآخر.

التناضح العكسي.
مصدر الصورة: بيوريتيك إندستريال ووتر

هناك طريقة أخرى لتحليلة المياه وهي التقطير الحراري. حيث يتم غلي ماء البحر ويتكثف بخار الماء على شكل ماء عذب، مخلفاً وراءه الملح وغيره من المعادن. لسوء الحظ، هذا الأسلوب أكثر تكلفة من التناضح العكسي. فالأمر يتطلب كمية هائلة من الطاقة لغلي ما يكفي من المياه لتلبية احتياجات مدينة واحدة، ولذلك في الوقت الراهن يقول شولتز إنه ليس هناك محطات لتحلية المياه في أي مكان من الولايات المتحدة.

التقطير الحراري.
مصدر الصورة: يونيسكو

إذا استطاع العلماء تطوير مصدر رخيص للحرارة، فقد يجعل التقطير الحراري أقل تكلفة من التناضح العكسي، وقد يكون رخيصاً مثل الحصول على الماء من الآبار أو من الخزانات. وتحقيقاً لهذا الغرض، تخصص وزارة الطاقة 21 مليون دولار لأربعة عشر مشروع تهدف إلى تخفيض كلفة استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل تحلية المياه بالطاقة الحرارية.

عادة، عندما نفكر بالطاقة الشمسية، فإننا نفكر بالطاقة الشمسية الضوئية الجهدية (الضوئية الفولتية)، تلك الألواح السوداء التي تزين أسطح المباني، والآلات الحاسبة، وساعات اليد والتي تستخدم ضوء الشمس لتوليد الكهرباء.

تركز المبادرة على الطاقة الحرارية الشمسية، التي تستخدم ضوء الشمس لتوليد الحرارة، والتي يمكن استخدامها لغلي الماء. تتمتع محطات التحلية الحرارية الشمسية بالعديد من المزايا: فهي لا تحتاج إلى الوقود، ولا تلوث الهواء، ولا يلزم توصيلها بشبكة الطاقة الكهربائية.

تعكس المرايا مكافئية المقطع أشعة الشمس على أنبوب مليء بالسائل الذي يجمّع ويخزن الحرارة.
مصدر الصورة: مجلة مولكيولار ليكويدس

لا تعد تحلية المياه بالحرارة الشمسية فكرة جديدة أو استثنائية على وجه الخصوص، حيث يمكن لأي طالب في الصف الخامس يتمتع بحس الإبداع أن ينقي ماء البحر اعتماداً على ضوء الشمس باستخدام عدد من القطع يمكن إيجادها في أرجاء المنزل. فالناس يفعلون هذا منذ قرون، وإنما الفرق هو أن الخبراء اليوم يريدون فعل ذلك بتكاليف بخسة وعلى نطاق واسع.

ففي محطة واسعة النطاق لتحلية المياه باستخدام الطاقة الحرارية الشمسية، تعكس المرايا مكافئية المقاطع أشعة الشمس على أنبوب مليء بالملح المذاب، أو غيره من السوائل. حيث يقوم الملح المذاب بامتصاص الحرارة من أشعة الشمس وينقلها إلى الجانب السفلي من حجرة الغليان التي تستخدم لتقطير ماء البحر.

تحاول وزارة الطاقة الأميركية خفض تكلفة التحلية بالطاقة الحرارية الشمسية عبر تمويل المشاريع التي ستجعل كل جزء من العملية أرخص من قبل. أولاً، وجهوا أنظارهم إلى المبادرات التي يمكنها خفض إجمالي الطاقة اللازمة، حيث يشير شولتز إلى مشروع في جامعة نورث داكوتا يهدف إلى تنقية المياه المالحة المستخرجة من آبار النفط والغاز.

يقول شولتز: "إذا استجررت مياه مع الكثير من الملح المنحل فيها، قم بتسخينها ثم اضغطها، في الواقع يمكنك جعل الماء يصل إلى ما يسمى الحالة فوق الحرجة. وهي الحالة التي تكون فيها المادة أشبه قليلاً بالغاز". عندما ينتقل الماء إلى الحالة فوق الحرجة، "يتساقط منه كل ما فيه من ملح". زيادة الضغط تعني أنك لست بحاجة لتوليد الكثير من الحرارة للتخلص من الملح.

ثانياً، مولت وزارة الطاقة مشاريع لخفض تكاليف تجميع الحرارة تخزينها من الشمس. فعلى سبيل المثال، تعمل الشركة الناشئة "صن فابور" والتي مقرها في كاليفورنيا، على تطوير مادة يمكنها تخزين الحرارة التي يتم تجميعها من المرايا مكافئية المقطع.

يقول شولتز: "إن كان لديك خزان كبير بما يكفي، يمكنك الحصول على الطاقة الشمسية على مدار الساعة". حيث تعمل صن فابور مع هورايزن نوت لاختبار هذه المادة، باستخدام الحرارة المخزنة لتجفيف وشيّ الفستق.

مرايا مكافئية المقاطع في محطة كهربائية تعمل بالطاقة الحرارية الشمسية في كرامر جنكشن في ولاية كاليفورنيا. تحتوي الأنابيب الظاهرة في الصورة على سائل يمكنه امتصاص الحرارة ونقلها.
مصدر الصورة: كي جيه كولب

ثالثاً، تمول وزارة الطاقة بحثاً لجعل النظام بأكمله يعمل بشكل أفضل. يشير شولتز بقوله هذا إلى مشروع تدعمه وزارة الطاقة في مختبر الطاقة الطبيعية التابع لسلطة ولاية هاواي الذي يستعين بكل من الطاقة الحرارية الشمسية ومبدأ التناضح، وهو التناضح الأمامي في هذه الحالة.

حيث ينتقل الماء المالح إلى أحد جانبي الغشاء، في حين ينتقل محلول "السحب" (محلول من أملاح الأمونيا غالباً، وذو تركيز مرتفع) إلى الجانب الآخر. وهكذا، تعبر جزيئات الماء من منطقة الماء المالح إلى منطقة محلول السحب. يقول شولتز؛ إن رفع درجة حرارة محلول السحب الذي أصبح مخففاً الآن باستخدام الحرارة الشمسية، "سيجعل الشوائب التي تم وضعها خصيصاً في محلول السحب تنفصل عن الماء العذب".

أخيراً، تمول وزارة الطاقة أبحاثاً لمعرفة الأماكن التي يمكن للتحلية بالطاقة الحرارية الشمسية فيها أن تنجح. حيث يعمل فريق في جامعة كولومبيا على تطوير برنامج متاح للعموم، سيحدد أياً من تقنيات التحلية بالطاقة الحرارية الشمسية التي ستعمل على أفضل نحو بما يوافق المواقع المحلية المطروحة، نظراً لأن العملية تعتمد على الكمية المتوفرة من أشعة الشمس، ودرجة ملوحة المياه.

مناطق بحثية تقوم وزارة الطاقة بتمويلها.
مصدر الصورة: وزارة الطاقة الأميركية

تهدف المساعي كلها إلى خفض تكاليف تحلية المياه إلى نحو 0.5 دولار للمتر المكعب الواحد، والذي يقل بكثير عن 1.5 دولار للمتر المكعب الواحد وهي التكلفة الاعتيادية لمحطات التناضح العكسي. يقول شولتز إنه بالرغم من أن التناضح العكسي هو الخيار الأرخص في الوقت الحالي، إلا أن التحلية بالطاقة الحرارية الشمسية لديها فرصة أفضل بكثير للوصول إلى الهدف البالغ 0.5 دولار للمتر المكعب الواحد، وعندئذ يمكنها أن تنافس الحصول على المياه من المصادر التقليدية.

يوضح شولتز بقوله إن خفض تكلفة التناضح العكسي يعني إيجاد مصدر أرخص بكثير للكهرباء. سيكون من الأسهل تحسين تحلية المياه بالطاقة الحرارية الشمسية، الذي يستخدم الحرارة التي تولدها الشمس مجاناً.

والجدير بالذكر، أن التكاليف المرتفعة ليست العائق الوحيد أمام الانتشار الواسع لمحطات التحلية. فالعائق الآخر هو الآثار البيئية لها. حيث تبتلع محطات التحلية الساحلية كلاً من البيض، والعوالق وغيرها من الكائنات البحرية الصغيرة داخل أنابيب السحب الخاصة بها، وتلفظ المياه المالحة إلى المحيط من جديد، لتخرّب بذلك الحياة البحرية المحلية. وقد ذكر معارضو محطة التحلية الخاصة بهنتينغتون بيتش هذه المخاطر مراراً وتكراراً.

ولكن قريباً، قد تكون هناك حاجة لتحلية المياه لتوفير المياه العذبة للمناطق القاحلة. حيث تعتمد بعض دول الشرق الأوسط في توفير أكثر من نصف احتياجاتها من الماء من محطات التحلية. وفي مواجهة أزمة المياه المستمرة، تبنّت مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، فكرة إقامة محطات للتحلية، كما تقدم كاليفورنيا على فعل الشيء نفسه.

ونظراً لأن الحاجة أم الاختراع، تحاول وزارة الطاقة الأميركية أن تجعل تحلية المياه حلاً أرخص وأكثر نظافة. وقد يمثل الجيل القادم من تقانة الطاقة الحرارية الشمسية نقطة تحول في غاية الأهمية.

المحتوى محمي