تمتد كابلات الإنترنت ووصلاتها المختلفة لمئات الآلاف من الكيلومترات، تحت الطرقات وعبر المحيطات، لتشكل العمود الفقري للإنترنت. وعلى الرغم من الامتداد الشاسع لهذه الشبكة، فإنها تتعرض لتأثير متزايد من الارتفاع التدريجي لمنسوب مياه البحر، وذلك وفقاً لبحث قدم مؤخراً في مؤتمر أكاديمي في مونتريال. ووفقاً لتقديرات البحث، فإن آلاف الكيلومترات من الكابلات البرية في الولايات المتحدة ستغمر بالمياه خلال 15 سنة. يقول بول بارفورد، عالم حاسوب في جامعة ويسكونسن، والمؤلف الأساسي للبحث: "ستحدث معظم التأثيرات المتعلقة بالمناخ قريباً جداً".
تعود سرعة اقتراب الخطر إلى صدفة تعيسة تتعلق بالموقع الجغرافي، حيث أن معظم البنى التحتية التي تدعم الإنترنت تقع، ولسوء الحظ، في أماكن معرضة بشكل كبير لارتفاع المياه. تنطلق إشارات الإنترنت من أجهزتنا عبر الألياف الضوئية المغلفة بأنابيب ضمن خنادق مستطيلة تقع تحت الأرض بعمق قليل. وعلى الرغم من أن هذه الكابلات مصممة لمقاومة ظروف الطقس، فإنها ليست مضادة للمياه، كما يقول بارفورد. ويتوقع أن يغمر أكثر من 6400 كيلومتر من الكابلات على طول الساحل خلال 15 سنة.
إضافة إلى هذا، فإن أجزاء النظام المصممة لمقاومة المياه ليست بمنأى عن المشاكل. وعلى الرغم من أن الأنابيب التي تنقل سيل المعلومات على امتداد قعر المحيط مصممة لتحمل ضغط الماء، فهي مختلفة كلياً عن الأنابيب المدفونة في البر. حيث أن الأنابيب البحرية مزودة بما يعتبر درعاً، أي كابلات معدنية وطبقة واقية تحمي الألياف الضوئية في الداخل من المياه. يقول بارفورد: "من سخرية القدر أن هذه الكابلات العابرة للمحيطات يجب أن تصعد فوق الماء عاجلاً أو آجلاً". ولا تتمتع نقاط الاتصال البرية هذه بنفس الحماية، وهي بطبيعة الحال قريبة للغاية من المحيط. ويظهر بحث بارفورد أنه يوجد أكثر من ألفي موقع لاتصال الكابلات البرية مع البحرية، والتي ستصبح عرضة للمياه في أقل من عقدين.
لا شك في أن بركة دائمة من المياه المالحة ستؤثر بشكل كبير على البنى التحتية. فقد تتآكل الوصلات، وتجد جزئيات الماء طريقها إلى داخل خطوط الألياف البصرية عبر شقوق مجهرية. كما يمكن لتتابع العواصف والفيضانات أن يؤثر على الكابلات البرية، ويؤدي كل هذا إلى ضياع في الإشارة. يقول بارفورد أن معظم هذه البنى التحتية أنشئت منذ عدة عقود، وبالتالي فإن مكونات التغليف ونقاط إقفال التسرب أصبحت ولا شك أكثر عرضة للتلف أيضاً.
من أجل دراسة نقاط ضعف الأساس الفيزيائي للشبكة، قام بارفورد بمقارنة خريطة للبنى التحتية للإنترنت (وهي خريطة ساعد على تطويرها) مع بيانات من مشروع الساحل الرقمي للإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي، وذلك لوضع أسوأ التوقعات لارتفاع منسوب مياه البحر في الولايات المتحدة خلال المائة سنة المقبلة، وتظهر هذه المقارنة أن ميامي ونيويورك وسياتل معرضة أكثر من غيرها لخطر ارتفاع المياه.
يقول راماكريشنان دورايراجان، عالم حاسوب في جامعة أوريجون، وأحد المشاركين في المشروع: "عندما رأيت النتائج فعلياً، أصبت بالهلع. فقد كانت جميع هذه الأماكن مناطق سكن أصدقائي وعائلتي".
يؤكد دورايراجان على أن هذا التحليل عبارة عن تقدير يتسم بالتحفظ، لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار سوى الارتفاع المتوقع لمستوى سطح البحر، ويتجاهل الأخطار الأخرى التي تمثلها العواصف في المستقبل. وحتى مع ارتفاع أصغري في مستوى سطح البحر، فقد شهدنا أضراراً بالغة للبنى التحتية للاتصالات تسببت بها عواصف كبيرة، مثل ساندي وكاترينا، كما يقول بارفورد.
إن امتداد النظام الفيزيائي للاتصالات معرض للخطر، كما أنه ليس من السهل استيعاب مقدار المعدات والتجهيزات التي تعتمد عليها الإنترنت. يقول بارفورد: "إنها أضخم شبكة من البنى التحتية التي أنشأها البشر، وأكثرها تعقيداً. ولهذا، ليس من المستغرب أن يكون فهمها صعباً".
يشير بارفورد إلى أن كل هذا التعقيد بني بدون أخذ تأثيرات التغير المناخي بعين الاعتبار. وللمحافظة على عمل هذه الأعجوبة العصرية، يقول الخبراء أنه يجب أن نبتكر بعض الحلول الراسخة، وبسرعة. يقول بارفورد: "ليست هذه بمسألة تحتمل الانتظار والتمهل".