نحن نستفيد مما تقدمه لنا أجهزة الكمبيوتر بشكلٍ يومي. ومع ذلك، هناك بعض التحديات التي لن تتمكن أنظمة اليوم من حلها؛ مثل بعض المشكلات التي تتخطى حجماً وتعقيداً محددين، ولا نملك قوة حسابية كافية الآن لمعالجتها.
تعتمد جميع أنظمة الكمبيوتر على قدرتها الأساسية في تخزين المعلومات ومعالجتها؛ إذ تعالج أجهزة الكمبيوتر الحالية وحدات البت «bits» الفردية، التي تخزن المعلومات كحالات ثنائية إما صفر أو واحد، بينما تستفيد أجهزة الكمبيوتر الكمومية من الظواهر الميكانيكية الكمومية، مثل التراكب والتشابك الكمومي لمعالجة المعلومات الهائلة، وتعتمد في ذلك على وحدات البت الكمومية «qubits»، والتي قد تتواجد في حالة الصفر أو الواحد أو كليهما في ذات الوقت، ما يخلق احتمالات غير نهائية وقدرة معالجة تتفوق على أقوى أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية.
تتنافس شركات كبرى مثل آي بي إم وجوجل وميكروسوفت على من يصل إلى التفوق الكمومي أولاً. حيث بدأت آي بي إم مشروعها الواعد، الذي أطلقت عليه «IBMQ»، بينما يهدف الجهد البحثي من جوجل إلى بناء معالجات الكم، وتطوير خوارزميات كمومية جديدة ليتمكنوا من إسراع المهام الحسابية بشكل هائل من أجل تطبيقاتٍ هامة مثل تعلم الآلة.
لنتعرف معاً على 5 تطبيقات هامة سيساهم بها الكمبيوتر الكمومي في المستقبل.
1. تطوير علاجات السرطان
يعد السرطان أحد الأمراض المميتة في العالم. ووفقاً لاستقصاء أجرته منظمة الصحة العالمية؛ فإن سرطان الجهاز التنفسي أودى بحياة 1.7 مليون شخص في عام 2016 وحده. ومع ذلك، إذا شُخّص الورم السرطاني في مرحلة مبكرة، فستزداد فرص الشفاء من خلال العلاجات المتوفرة، مثل العمليات الجراحية لإزالة الورم، أو من خلال العلاج الإشعاعي.
يعد تحسين الإشعاع أمراً بالغ الأهمية في العلاج الإشعاعي؛ حيث من المهم التأكد من أن الإشعاع يتلف أقل قدرٍ ممكن من الخلايا والأنسجة السليمة بالقرب من منطقة الورم السرطاني.
كانت هناك عدة محاولات لتحسين العلاج الإشعاعي، التي تعتمد على استخدام أجهزة الكمبيوتر التقليدية. وفي عام 2015، توصل الباحثون في معهد روزويل بارك للسرطان إلى تقنية جديدة تستخدم أجهزة الكمبيوتر الكمي من خلال تقنية تُسمى التلدين الكمي، وهي وسيلة لاستخدام التأثيرات الجوهرية للفيزياء الكمومية التي تساعد في حل أنواع معينة من المشاكل تسمى «مشاكل الاستخدام الأمثل»، حيث تحاول البحث عن أفضل إعدادات من بين العديد من المجموعات المختلفة الممكنة، وأيضاً مشكلة أخرى مرتبطة بها تُدعى أخذ العينات الاحتمالية، وهي مفيدة في تطبيقات مثل تعلم الآلة؛ حيث يصعب على أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية إيجاد حلول لمثل هذه المشكلات المعقدة، لذا سنلجأ إلى استخدام الكمبيوتر الكمومي.
قامت الشركة الكندية «دي-ويف» بتصنيع هذه الأجهزة لتحقيق الاستفادة القصوى من العلاج الإشعاعي بطريقة أسرع بثلاث إلى أربع مرات من استخدام تقنية الكمبيوتر التقليدي.
2. محاكاة الجزيئات
كانت محاكاة الجزيئات مجالاً هاماً في علوم الأحياء والكيمياء؛ حيث تساعدنا في فهم بنية الجزيئات وكيفية تفاعلها مع بعضها البعض، كما تساعدنا أيضاً في اكتشاف جزيئات جديدة.
على الرغم من قدرة أجهزة الكمبيوتر العادية في الوقت الحالي على محاكاة هذه الديناميات الجزيئية، إلا أنه ما زال هناك بعض القيود على تعقيد الجزيئات في بعض أنواع المحاكاة.
بينما تستطيع أجهزة الكمبيوتر الكمومية كسر هذه القيود بفعالية كبيرة، لكنها لم تُستخدم حتى الآن سوى في محاكاة بعض الجزيئات الصغيرة مثل هيدريد البريليوم على سبيل المثال، حيث تمكن الفريق البحثي في شركة «آي بي إم» من استخدام خوارزمية جديدة لحساب الحالة الأساسية لهذا الجزيء عن طريق معالج كمومي يحتوي على سبعة بت كمومي "كيوبت".
قد لا يبدو هذا بالإنجاز العظيم، لكن إذا امتلكنا أجهزة بمعالجات كمومية أقوى، فقد نتمكن من إجراء عمليات محاكاة جزيئية معقدة للغاية؛ ذلك لأنها تملك قوة معالجة تزداد زيادة أُسّية مع زيادة عدد وحدات البت.
3. ذكاء اصطناعي يشبه الإنسان
يعد الذكاء الاصطناعي أحد المجالات الرائدة في علوم الكمبيوتر في العصر الحالي، حيث يحاول العلماء جعل الذكاء الاصطناعي أكثر «إنسانية»، من خلال وسائل تعلم الآلة والشبكات العصبية. والآن مع دخول أجهزة الكمبيوتر الكمومية إلى المعادلة سينتقل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى جديد تماماً.
الشبكات العصبية هي مجموعة من الخوارزميات التي صُممت لتعمل مثل الدماغ البشري، وتتمكن من التعرف على الأنماط المختلفة. وتعمل هذه الشبكات على مجموعات البيانات التي تستند إلى المصفوفات، حيث تتم معالجة هذه البيانات من خلال مصفوفات جبرية.
تعمل الحوسبة الكمومية في مثل هذه الطبيعة، التي غالباً ما تُستخدم فيها المصفوفات لتحديد الحالات الكمومية لوحدات كيوبت؛ وبالتالي يبدو أن استخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية سيكون مناسباً للشبكات العصبية المدمجة في الذكاء الاصطناعي.
كما يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية أن تساعد أيضاً في تسريع عملية تعلم الآلة، مقارنةً بقدرات الكمبيوتر التقليدي؛ ولهذا تستثمر شركة جوجل في أبحاث الكمبيوتر الكمومي، حتى تطور من تعلم الآلة بشكل سريع في الذكاء الاصطناعي.
4. التشفير الكمومي
يملك علم التشفير، وهو ما يُعرف بـ «علم الرياضيات للاتصالات السرية»، تاريخاً طويلاً ومهماً في الاستخدامات العسكرية والدبلوماسية منذ زمن بعيد.
يركز التشفير الكمومي بشكلٍ أساسي على جزء التوزيع الرئيسي لنظام التشفير؛ حيث يتم استخدام زوجين من وحدات البت المتشابكة، ويتم إرسال أحدها إلى المتلقي، بينما يحتفظ المرسل بالوحدة الأخرى. تؤثر الجسيمات المتشابكة في وضع التراكب الكمومي عند قياسها على وحداث كيوبت الأخرى، وعند إرسال مجموعة من هذه الوحدات، ستمتلك مفتاحاً يمكن استخدامه للتشفير.
أفضل ما في الأمر هو أن التجسس سيصبح مستحيلاً؛ حيث لا يمكن نسخ وحدات البت الكمومية بأي شكل. وهو ما يجعلها طريقة قوية للغاية للتشفير، ولهذا السبب لا يزال العلماء يبحثون في هذا المجال.
5. التنبؤ بالطقس
قد نعاني من اختلاف توقعات الطقس؛ فكم مرة قرأت أن اليوم سيكون رائعاً ومشمساً، لتتفاجأ بعد خروجك من المنزل بهطول الأمطار؟ يبدو أن أجهزة الكمبيوتر الكمومية قد توفر لنا حلاً لهذه المشكلة.
في عام 2017، نشر الباحث الروسي «أندريه فرولوف» ورقة بحثية، في دورية «الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا الروسية»، حول إمكانية استخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية للتنبؤ بالطقس بشكلٍ أكثر دقة من أجهزة الكمبيوتر التقليدية؛ نظراً لوجود بعض القيود على أجهزة الكمبيوتر الحالية في عملية التنبؤ بكل التغييرات المعقدة في حالة الطقس. وبسبب وجود كميات هائلة من البيانات، يمكن أن توفر أجهزة الكمبيوتر الكمومية معالجة أسرع بكثير مقارنة بالوسائل التقليدية عند التنبؤ بالطقس، لنحصل على نتائج دقيقة للغاية.
تبدو التطبيقات التي ستقدمها لنا أجهزة الكمبيوتر الكمومية بلا نهاية، وقد نرى بعضها بالفعل في المستقبل القريب.