استمع إلى أول الأصوات المسجلة على سطح المريخ

3 دقائق
يمثل الهدير على الأرجح اهتزازات في اللوح الشمسي والصخور المحيطة.

في الأسبوع الأخير من نوفمبر المنصرم، هبت الرياح عبر إيليسيوم بلانيشيا، السهل الذي يمتد في منطقة استوائية على المريخ. أثارت هذه الرياح بعض الدوامات، وهزت الصخور، كما تفعل الرياح المريخية على الدوام. غير أنها هزت أيضاً مسبار ناسا السطحي إنسايت، وهو ضيف وصل حديثاً إلى الكوكب الأحمر.

كان إنسايت يصغي إلى هبوب الرياح، ملتقطاً آثاره عن طريق حساسين مختلفين. الأول هو مقياس النشاط الزلزالي، والذي ما يزال حالياً على متن المسبار، ولكنه سيوضع قريباً على سطح المريخ مباشرة في مكان مجاور، وقد التقط هذا الحساس اهتزازات الألواح الشمسية المسموعة بالكاد للأذن البشرية، بشرط وجود سماعات ذات تضخيم جيد للترددات المنخفضة. أما الحساس الآخر فهو مقياس ضغط الهواء، والذي التقط اهتزازات الهواء بشكل مباشر، والتي تعتبر أقرب إلى فهمنا للصوت العادي. وقد أطلقت ناسا ألبوماً منوعاً عابراً للكواكب يتضمن التسجيل الأصلي، إضافة إلى تسجيلات صوتية معدلة (ريمكسات) لتكون أكثر توافقاً مع الأذن البشرية.

إليك قائمة الأغاني:

1- التسجيل الأصلي لمقياس النشاط الزلزالي (0:36 – 0:55)

2- تسجيل مقياس النشاط الزلزالي مزاحاً بمقدار 2 أوكتاف (أي مضاعفة التردد أربع مرات) (0:55 – 1:10)

3- تسجيل مقياس ضغط الهواء مضغوطاً بمقدار مائة مرة (1:10 – 1:39)

يقول دون بانفيلد، باحث في جامعة كورنيل، وقد عمل على حساس ضغط الهواء: "إن ما تسمعونه في هذا التسجيل ليس سوى ضجيج الرياح وهي تصطدم بكل الأشياء القريبة".

إذا بدا لك التسجيل غريباً ومن عالم آخر، فيجب أن تتذكر أنه من كوكب آخر حرفياً. حيث أن الهواء المريخي يختلف عن هوائنا الأرضي، وهو يسلك بالتالي سلوكاً مختلفاً.

لاحظ الباحثون على وجه الخصوص أن صوت الرياح يكاد لا يُسمع، على الرغم من أنها تهب بسرعة تتراوح تقديرياً ما بين 16 و24 كيلومتر في الساعة. ويقول بانفيلد أن فريقه اضطر لتعديل الصوت حتى يصبح مسموعاً، وذلك بزيادة سرعته إلى مائة ضعف، أي أن آخر 29 ثانية تم تسجيلها على المريخ على مدى 48 دقيقة.

تثير الرياح على الدوام دوامات صغيرة عندما تصطدم بأي شيء في طريقها، تماماً كما يحدث عندما تصطدم التيارات النهرية بالصخور والجذوع. وتدور هذه الدوامات بأحجام صغيرة حتى لا يبقى من الطاقة ما يكفي لها. ويعتمد ارتفاع وانخفاض صوت الرياح على حجم الدوامات التي تصل إلى آذاننا.

قد يصل حجم الدوامات على الأرض إلى أقل من مليمتر واحد، غير أن هذا الحجم يتراوح حول السنتمتر على سطح المريخ، كما يقول بانفيلد. ونظراً لأن الغلاف الجوي المريخي أقل كثافة من مثيله على الأرض بمائة مرة، فهو غير قادر على حمل ما يكفي من الطاقة للوصول إلى الأحجام الصغيرة. وكنتيجة، نحصل على رياح هادرة ذات طبقة صوت منخفضة.

ولكن هذا لا يعني أن جميع الرياح المريخية مستحيلة على الأذن البشرية. ويقدر بانفيلد أن رائد الفضاء يمكن بالتأكيد أن يلاحظ أية هبات تصل إلى حوالي 48 كيلومتر في الساعة، ويقول: "أعتقد أن هذا الصوت سيكون أقرب إلى همهمة منخفضة منه إلى الصوت الأشبه بالتشويش والذي نسمعه هنا على الأرض عند هبوب الرياح".

يقول بانفيلد أن التحدث سيكون صعباً على المريخ أيضاً. فإذا تجاهلنا الأخطار الناجمة عن إزالة الخوذة الفضائية، فإن هواء المريخ لا يحمل الصوت البشري بشكل جيد مثل الهواء الأرضي. وعلى حين أن غلافنا الجوي يتألف بنسبة كبيرة من النيتروجين، فإن الهواء على المريخ مكون بشكل شبه كامل من ثنائي أوكسيد الكربون. ونظراً لحجم وشكل جزيء ثنائي أوكسيد الكربون، فهو يميل إلى الدوران عندما تصطدم به اهتزازات الصوت البشري، وهو ما يؤدي إلى استنزاف طاقة الموجة الصوتية وتخامدها بسرعة. أما الناحية الإيجابية فهي أن ساكني القواعد المريخية المستقبلية لن يعانوا من الضجيج على الإطلاق.

كان كارل ساجان أول من تخيل إمكانية تسجيل أصوات المريخ، وقد اقترح على ناسا في 1996 أن تحاول الحصول على تسجيل كهذا، وقد كتب ساجان في رسالة موجهة إلى ناسا: "حتى لو تم تسجيل بضعة دقائق فقط في هذه التجربة الجديدة، سيزداد اهتمام العامة إلى حد كبير، وستزداد فرص الاستكشاف العلمي".

عملت ناسا مع الجمعية الكوكبية، والتي ساعد ساجان على تأسيسها، لإضافة ميكروفون بسيط إلى المسبار السطحي القطبي المريخي، ولكن الأداة فُقدت مع المركبة الفضائية عندما تحطمت على السطح في 1999.

يقول بانفيلد أن فريقه يأمل بسماع مصادر أخرى للأصوات إضافة إلى الرياح على مدى السنتين المقبلتين، مثل انفجارات النيازك. أيضاً، ستحمل العربة الجوالة مارس 2020 التي ستهبط على المريخ لاحقاً ميكروفونين تقليديين، وتحقق حلم ساجان بسماع أصوات عالم آخر.

المحتوى محمي