العالم بأسره في متناول يدك التي تحمل الهاتف الذكي: فقد أطلقت غوغل إيرث الإصدار الجديد من برنامجها الشهير الأسبوع الماضي، أولاً لكروم وأندرويد، وبعد ذلك لمتصفحات وأنظمة تشغيل أخرى. وهو إصدار أكثر خفة وأقل عبئاً، وأداة سهلة الاستخدام للاستكشاف ومشاركة أجزاء جميلة من العالم.
ولكن من سوء الحظ، فإنه يفتقر إلى جميع الميزات الجيدة التي جعلت منه أداة لا غنى عنها للمراسلين الصحفيين والمحققين حول العالم على مدى عقد من الزمن.
تقول ميليسا هانام، وهي حالياً باحثة في مركز جيمس مارتن للدراسات حول الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل: "بدأت باستخدام غوغل إيرث عندما تم إطلاقه، وكنت عندها باحثة في سيؤول (عاصمة كوريا الجنوبية)، وفي ذلك الحين سمعت عن موقع أطلقت منه كوريا الشمالية صاروخاً، ولم أعلم عنه سوى أنه كان قرب بلدة موسودان ري. وعندها شغلت غوغل إيرث، وحددت موقع البلدة، وبدأت أبحث حولها حتى عثرت على منصة الإطلاق، وعندها تحولت إلى إحدى المتحمسين لغوغل إيرث".
حالياً، يوجد علاقة رسمية بين هانام وغوغل إيرث. وعلى الرغم من أنها ليست علاقة مدفوعة الثمن، فإن هانام عضو في شبكة المدربين الميدانيين لغوغل إيرث، بحيث تقدم التدريب وتصيغ مواد تدريبية جديدة. تعمل غوغل مع المؤسسات اللاربحية -مثل صندوق الحياة البرية العالمي- والتي تهدف إلى استخدام صور الأقمار الصناعية لأغراض مفيدة، ويبدو أنها علاقة مفيدة للطرفين. حيث تروي غوغل قصصاً جذابة حول العمل الذي ينجزه الناس باستخدام برنامجها، وفي المقابل يمكن لهذه المنظمات أن تطلب صوراً أدق حتى تتمكن من أداء عمل أفضل.
يخصص غوغل إيرث موقعاً إلكترونياً لدراسات الحالات للمنظمات اللاربحية التي تستخدم التكنولوجيا لأغراض مفيدة، مثل وضع مخططات للأحياء العشوائية في الهند، أو تتبع زوال الغابات في إندونيسيا، وهو ما قد يتطلب نظرة خاصة تجاه نشر صور أقمار اصطناعية خالية من الغيوم.
يقول أريك تولر، محلل في بيلينغكات، وهي مجموعة صحافة إلكترونية تعتمد على المعلومات مفتوحة المصدر، مثل صور الأقمار الاصطناعية على غوغل إيرث، لتتبع النزاعات حول العالم: "من بين جميع الأدوات التي نستخدمها، يتم استخدام غوغل إيرث أكثر من أي أداة أخرى غير كروم. هناك الكثير من الميزات الرائعة، مثل الصور التاريخية، والتي تمكنك من تتبع عملية بناء شيء ما، أو إذا كنت تشاهد تسجيلاً مرئياً قديماً، يمكنك أن ترى ما إذا كان مسجد ما موجود في مكانه أو تم تدميره. إنه يشبه السفر عبر الزمن".
بعد أن سقطت طائرة الرحلة MH-17 لشركة الطيران الماليزية في أوكرانيا في صيف 2014، بسبب ما تبين لاحقاً أنه هجوم بصاروخ، استخدم تولر وبيلينغكات غوغل إيرث للعثور على المنطقة التي أطلق منها الفريق الروسي الصاروخ القاتل.
يقول تولر: "نقوم بعمليات تحديد الموضع الجغرافي جميعها تقريباً باستخدام غوغل إيرث، لدرجة أنه من الصعب أن نتذكر متى لم نستخدمه. على سبيل المثال، عندما بحثنا عن موقع إطلاق الصاروخ الذي أسقط MH-17، حيث أن إطلاق الصاروخ تسبب باحتراق حقل، وبالتالي تفحصنا صور غوغل إيرث التاريخية، وقارنا الموقع مع مرور الزمن. ويمكنك أن ترى أنه كان بحالة جيدة في أحد الأيام، واحترق كلياً في يوم لاحق بسبب إطلاق صاروخ".
يقول تولر أن غوغل قدمت التمويل لبيلينغكات مرتين: بمنحة مالية منذ بضعة سنوات، وحالياً عبر مبادرة الأخبار الإلكترونية. الاتجاه هنا ليس تحريرياً، ويقول تولر أنه تواصل مع فريق غوغل إيرث عبر المؤتمرات والبريد الإلكتروني، ولكن استخدام غوغل إيرث كأداة هو الأمر الأكثر أهمية هنا.
يقول تولر: "تعود روعته، بشكل أساسي، إلى إمكانية توضيح الأمور لقرائنا بشكل سهل. فقط افتح غوغل إيرث وأدخل هذه الإحداثيات بنفسك، وعندما تعثر على الموقع، يمكنك أن ترى كل شيء شخصياً".
يعني هذا الاستخدام أن غوغل إيرث أصبح أكثر من مجرد وسيلة لمراقبة العالم، وتحول إلى طريقة لإضافة المصداقية والأدلة إلى الحوار حول السياسات.
تقول هانام: "يمكنك أن تقوم بتحليل فعلي لتغير الارتفاع فوق منطقة ما. وقد استخدمنا هذا في إحدى المرات عندما كنا نحاول دحض بعض الأكاذيب حول منشأة تحت الأرض في طهران".
وتتابع: "في فبراير 2015، أطلق المجلس الوطني للمقاومة في إيران NCRI تصريحاً صحفياً عن وجود منشأة سرية تحت الأرض للطرد المركزي في وسط طهران. وبالاعتماد فقط على غوغل إيرث، تمكنا من دحض الكثير من هذه الادعاءات. حيث ألقينا نظرة على الموقع، وباستخدام خاصية الانتقال الزمني، رأينا أنه لم تجر أية عمليات بناء كما ادعوا، وأنه لا توجد أية فتحات تهوية لمنشأة سرية تحت الأرض".
من الميزات المفقودة من الإصدار الجديد المخصص لكروم، الصور التاريخية وأداة الانتقال الزمني، ما يجعل من الصعب مقارنة التغير عبر الزمن لنفس الموقع في التطبيق المخصص للمتصفح. وهناك ميزة هامة ما تزال موجودة في الإصدار المخصص لسطح المكتب (أي الذي يتم تنصيبه مباشرة على الحاسوب) ولكنها مفقودة من التطبيق الجديد، وهي أدوات التعليق والتسمية، حيث يمكن للمستخدم أن يثبت العلامات، ويرسم الخطوط، ويحدد الأشكال. ويمكن مشاركة هذه العلامات والتسميات والتعليقات وتحريرها بسهولة وبسرعة.
قادت وظائف غوغل إيرث إلى بعض الاستخدامات الأخرى المثيرة للاهتمام. حيث تعمل بشكل جيد مع تطبيق التصميم ثلاثي الأبعاد سكيتش أب (والذي كانت غوغل تمتلكه سابقاً)، وقامت هانام باستخدام التطبيقين معاً لاستيراد صور من غوغل إيرث لمباني مزيفة، وحساب ارتفاعاتها بناء على طول ظلالها فقط. حتى أن هانام وضعت درساً تدريبياً عن كيفية القيام بهذا.
عند الاستفسار من هانام حول قيود غوغل إيرث، اتجهت فوراً نحو القيود القانونية، لا التقنية. حيث أن غوغل شركة أمريكية، وبالتالي يجب أن تتبع قوانين الولايات المتحدة فيما يتعلق بالصور، وهي قوانين تحوي بعض الأمور الغريبة.
تقول هانام: "هناك مثلاً تعديل كيل-بينغامان. وما يعنيه بالنسبة لي أنه يجب أن أحصل على صور الشرق الأوسط من أماكن أخرى"، وذلك في إشارة إلى تعديل على قانون التفويض الدفاعي لعام 1977، والذي يمنع الشركات الأمريكية من بيع صور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة لبعض مناطق الشرق الأوسط.
إضافة إلى غوغل إيرث، ذكر تولر وهانام مواقع أخرى ذات خدمات خرائط وصور أقمار اصطناعية خاصة بها، مثل بينغ، وويغو، وياندكس الروسي. وفي الأماكن التي يجبر القانون الأمريكي غوغل على وضع صور ضعيفة الدقة، مثل بعض مناطق الشرق الأوسط أو القواعد العسكرية مثل قاعدة الناتو الجوية في فولكيل بهولندا، يمكن للباحثين الحصول على صور الأقمار الاصطناعية من بلدان أخرى. (يشتبه بأن فولكيل مخزن سري للرؤوس النووية للناتو، وقد كان الموقع يظهر مشوشاً على غوغل إيرث وخرائط غوغل، ولكن عندما تفقدت غوغل إيرث الجديد منذ بضعة أيام، ظهر بشكل طبيعي). يوجد في ويكيبيديا قائمة بصور الأقمار الاصطناعية ذات البيانات المفقودة أو المشوشة، بعضها قد يتواجد على بعض خدمات الخرائط دون غيرها.
من القيود الأخرى لغوغل إيرث هو أن درجة الاهتمام تحدد توافر الصور. حيث يوجد الكثير من الصور للمدن الكبيرة مثل لندن ونيويورك، ومناطق النزاعات مثل بعض مناطق سوريا وشرق أوكرانيا، والتي تجتذب الكثير من الاهتمام. ولكن عندما يتعلق الأمر بمناطق نزاعات أقل شهرة، قد يكون صعباً على الصحافيين الذين يركزون عليها بشكل ضيق الاستفادة من غوغل إيرث بنفس الدرجة.
يقول تولر: "كنت أعمل مع بعض الصحافيين العراقيين والأفغان، الذين يعملون في محطات إذاعية محلية، وقالوا إنهم يرغبون بتتبع قصر كان يتم بناؤه من قبل حاكم محلي، نظراً للاشتباه بفساده، غير أن أحدث صورة للأقمار الاصطناعية لهذه المنطقة تعود إلى 2002، أي قبل الغزو الأمريكي. كيف يمكن أن نجري بحثاً مفتوح المصدر إذا كانت أحدث الصور تعود إلى ما قبل بدء الحرب التي دمرت البلاد؟"
من الممكن شراء صور أقمار اصطناعية غير مدمجة في غوغل إيرث، ولكنها باهظة الثمن. تقول هانام أن الصورة تكلف 60,000 دولار أمريكي في Geo4NonPro، وهو موقع لتحليل الصور ذي تمويل جماهيري يديره مركز دراسات الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، كما يقول تولر أن مجموعة صور من DigitalGlobe تكلف 3,000 دولار. وهي أعلى مما يمكن للكثيرين دفعه، وبالتالي لا يوجد خيار سوى الاعتماد على الصور التي اشترتها شركة ما ونشرتها على الإنترنت. ما يعني، وفقاً لتعبير تولر، أن الصور "تتواجد بشكل وافر، أو لا تكاد تتوافر، وفقاً لما تبحث عنه".
على الرغم من هذا، فقد أثنى كل من تولر وهانام كثيراً على برنامج غوغل إيرث لسطح المكتب كما يعرفونه، والذي تسميه غوغل "غوغل إيرث الكلاسيكي"، وعلى الرغم من أنهما جربا الإصدار الجديد من غوغل إيرث لأندرويد وكروم، فقد قررا أن يستمرا بالعمل على النسخة القديمة من البرنامج إلى حين إضافة ميزات جديدة.
يقول تولر: "هناك أشياء صغيرة غير موجودة فعلياً في نسخة كروم من غوغل إيرث، مثل خدمة تسميها غوغل (بانوراميو)، والتي تتضمن صوراً ذات ارتباط بموقع جغرافي التقطها مستخدمون وقاموا بتقديمها. على سبيل المثال، إذا كنت تحاول أن تجري تقاطع معلومات في تسجيل فيديو حتى تتأكد ما إذا تم تصويره في مصنع معين، يمكنك أن تضيف في غوغل إيرث طبقة من الصور التي التقطها أناس عاديون في المنطقة وقاموا بإرسالها".
تدرك غوغل جيداً أنها تتمتع بشعبية قوية بين المستخدمين المحترفين، وعلى الرغم من أن الإصدار الجديد يبدو موجهاً إلى القاعدة العريضة من المستخدمين الهواة، ترغب غوغل بأن تؤكد لمستخدميها المحترفين أنها لن تهملهم.
يقول ناطق رسمي باسم غوغل: "يتمتع الإصدار الجديد من غوغل إيرث بالعديد من الميزات المدهشة لمشاركة التجارب اجتماعياً، ولكنه لا يحوي بعد على كل الميزات التي اعتاد عليها البعض في الإصدار 7، والتي نعترف أنها هامة للكثيرين. وبالتالي، فإننا نخطط للحفاظ على تطبيقات غوغل إيرث 7 الكلاسيكية أثناء تطوير هذه الوظائف في غوغل إيرث الجديد".