ترسم الإحصائيات حول النساء في المجال التكنولوجي صورة سوداوية. ففي 2017، تلقت النساء نسبة 2% فقط من تمويل رأس المال الاستثماري، وهو في أغلب الأحيان مكون أساسي ضروري لنمو الشركات الناشئة ونجاحها. وعلى الرغم من أن وجهة النظر النسائية الفريدة قد تقود إلى الإبداع في مجالات قد يتجاهلها الرجال (من الأمثلة على هذا مقالة بوبساي حول إبداع شركة هايست في تصنيع الملابس النسائية)، فإن وجهة النظر هذه تقابل في أغلب الأحيان بالتجاهل من قبل شركات وادي السيليكون التي تعمل في المجال التقني، وهو مجال يسيطر عليه الرجال بشكل واضح، حيث يتفوق عدد الرجال على عدد النساء في شركاء رأس المال الاستثماري بمقدار 16 ضعفاً. وعلى سبيل المثال، لطالما عانت الشركات الناشئة التي تركز على الأمهات للحصول على التمويل، على الرغم من وجود طلب واضح على الكثير من المنتجات التي تحتاجها الأمهات، مثل مضخة ذكية وأكثر راحة لاستخراج حليب الأم من الثدي.
ولكن، يبدو أنه يوجد ملاذ آمن واحد للنساء الباحثات عن المستثمرين في المجال التقني، وهو مواقع التمويل الجماهيري مثل كيكستارتر وإنديجوجو. تسمح هذه المنصات لرواد الأعمال بالتواصل بشكل مباشر مع الزبائن المحتملين، وعرض تفاصيل المشروع عليهم، وتتفوق النساء على الرجال في هذه المنصات في الحصول على التمويل المطلوب. يعمل إيثان موليك كبروفسور مساعد في علم الإدارة في مدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا، وهو خبير في العلاقة ما بين الجنسين والتمويل الجماهيري، وقد أمضى سنوات في تحليل بيانات التمويل الجماهيري لمحاولة تحديد سبب تفوق النساء، ويقول إن كل شيء يعود إلى انطباع التواصل الذي توحي به حملة التمويل.
يمكن للتمويل الجماهيري أن يتبع عدة أساليب مختلفة. حيث يتيح التمويل بالحصة للناس أن يقدموا المال مقابل امتلاك نسبة من الشركة وأرباحها المستقبلية. أما التمويل القائم على التبرعات فهو يقوم على تقديم الناس للمال بدون توقع الحصول على أي شيء في المقابل، ببساطة لأنهم يؤمنون بالرؤية الفنية أو الاستثمارية للمشروع (غالباً ما يكون الجمهور في هذه الحالات مؤلفاً من أصدقائك المقربين أو جدتك). وأخيراً، هناك التمويل الجماهيري المبني على المكافأة، وهو الأكثر شعبية، والأكثر استخداماً على كيكستارتر وإنديجوجو. ووفقاً لهذا التمويل، يستثمر الناس مبالغ مالية صغيرة في المشروع مقابل مكافأة مستقبلية من نوع ما، مثل كنزة صوفية تصلح لجميع حالات الطقس، أو كأس بلاستيكية قابلة للطي.
كنتيجة لهذا، فإن الشركات ذات الاحتمال الكبير للنجاح غالباً ما تقدم شيئاً ما للمستثمرين. يقول موليك: "ينجح التمويل الجماهيري بشكل فعال عندما يكون موجهاً مباشرة نحو المستهلكين، ويقدم لهم شيئاً مادياً، وعندما يتعامل مع مجموعات من الناس موجودة مسبقاً". وعلى سبيل المثال، فقد حقق رواد الأعمال نجاحاً غير مسبوق في تمويل الألعاب اللوحية (مثل لعبة مونوبولي)، ويقول موليك أن السبب هو وجود سوق كبيرة مليئة بعشاق هذه الألعاب، وهم مستعدون للتمويل لا لأنهم يؤمنون بقدراتك وحسب، بل لأن مكافأتهم على هذا التمويل هي لعبة جديدة.
لاقت شركات التجهيزات التقنية النجاح على كيكستارتر وإنديجوجو لأسباب مماثلة، حيث أن عشاق التكنولوجيا وهواة الإلكترونيات يبحثون عن كل جديد بدون توقف، وبما أن مواقع التمويل الجماهيري تعرض عادة المنتجات الجديدة أو التي ما زالت في مرحلة النموذج الأولي، فإنها تسمح لهؤلاء الهواة بالاطلاع على أحدث الابتكارات بسهولة، وقد تمكنت النساء من النجاح في هذه الفضاءات التي يسيطر عليها الرجال تقليدياً.
يقول موليك: "تمكنت النساء من التفوق على الرجال في المجالات التي يندر فيها الوجود النسائي، مثل ألعاب الفيديو والمشاريع التكنولوجية". ولكن ما مقدار هذا النجاح بالضبط؟ يتابع موليك: "في حال تساوي كل العوامل، عند محاولة جمع نفس المبلغ من المال لنفس المشروع، يزيد احتمال نجاح المرأة على احتمال نجاح الرجل بنسبة 13%". كما وجد موليك أن الحملات التي تقودها النساء في مجال التكنولوجيا تمكنت من تحقيق التمويل المطلوب في 65% من الحالات، وهي نسبة كبيرة مقارنة مع الرجال الذين حققوا نسبة لا تتجاوز 30%. ومن المثير للاهتمام أن النساء حققن هذه النتائج على الرغم من أن نسبتهن في حملات التكنولوجيا على كيكستارتر لم تتجاوز 10% عندما أجريت الدراسة.
بعد أن تأكد وجود فرق واضح بين النساء والرجال، قرر موليك أن يحول تركيزه من مؤسسي الشركات إلى الممولين الذين يدعمونهم. من كان يستثمر بقوة لصالح رائدات الأعمال؟ تبين أن مصدر أغلب التمويل كان من النساء المدفوعات بنوع من التضامن مع قريناتهن، وهو ما اعتمد له موليك المصطلح التالي: "النشاط بسبب تفضيل الأقران".
إن تفضيل الأقران يعني ببساطة أن الطيور على أشكالها تقع، كما يقول المثل الشائع. وقد وجد موليك، بالاعتماد على التجارب والبحث القائم على الملاحظات، أن المموِّلات يتعاطفن مع النساء من أصحاب حملات التمويل أكثر من الرجال، لأنهن يقدّرن التشابهات بينهن كنساء. غير أن تفضيل الأقران لوحده ليس كافياً لإنفاق جزء من الدخل الثمين على حملة تمويل جماهيري. وهنا يأتي دور النشاط. يقول موليك: "تعتبر نسبة تبلغ الثلث من المستثمرات في كيكستارتر أن النساء في أغلب الأحيان أفضل من الرجال، وهن مستعدات لمنح أولئك النساء التمويل المطلوب". أي أن نسبة صغيرة نسبياً من النساء الناشطات أحدثن فرقاً ملموساً في نجاح التمويل لدى رائدات الأعمال، خصوصاً اللواتي يحاولن تحقيق النجاح في مجالات يسيطر عليها الرجال.
بطبيعة الحال، فإن التمويل الجماهيري لا يعتبر حلاً سحرياً للتفرقة القائمة على الجنس في المجال التكنولوجي. فهو عادة لا ينجح مع الشركات التي لا تقدم مكافأة ملموسة، مثل شركات البرمجيات. أما العامل الأهم، فهو أنه لا يكفي للتعويض عن مصادر أخرى للتمويل، مثل تمويل رأس المال الاستثماري الذي يجب أن يبدأ مع انطلاق العملية الإنتاجية. ولكن لا شك في أن التمويل الجماهيري أثبت ضرورته لرائدات الأعمال.
قامت إيلين إيلكيهاج بتأسيس شركة ستيلا موشن، وهي شركة تنتج نظام إنذار لحقيبة اليد، يقوم بإرسال تنبيه إلى الجهاز الخليوي إذا كانت الحقيبة تتحرك بشكل غير طبيعي. عندما أطلقت إيلكيهاج شركتها، استخدمت موقع إنديجوجو لجمع الأموال، وأثبتت للمستثمرين (ولنفسها أيضاً) أنه يوجد سوق لتصريف هذا المنتج. وخلال مائة يوم فقط، اختبرت العشرات من النماذج لهذا الجهاز، كما استطلعت آراء الأصدقاء وأفراد العائلة. وأخيراً، أطلقت ستيلا على الإنترنت، آملة بالحصول على بعض التمويل، وتقول: "لقد حققنا التمويل المطلوب في عشر ساعات فقط".
على الرغم من أن إنديجوجو سمح لإيلكيهاج بإطلاق شركتها، فإن دولارات التمويل الجماهيري لم تكن كافية لوحدها لبناء ستيلا. ومع تحسين المنتج ونمو الشركة، احتاجت إيلكيهاج في نهاية المطاف لرأس المال الاستثماري، والذي يأتي من مستثمرين يقومون بتمويل الشركات الناشئة مقابل الحصول على حصة منها، أو شكل آخر من الربح.
تقول إيلكيهاج أن بناء الحملة على إنديجوجو كان غاية في السهولة، لأنها كانت تؤمن بضرورة وفعالية المنتج، وكانت قادرة على التواصل مباشرة مع المستهلكين. كانت تدرك أنها قادرة على التفاعل بسهولة مع النساء اللواتي كن يحلمن بالحصول على حل لمشكلة نسائية شائعة، وهي ضياع أو سرقة حقيبة اليد. ولكنها وجدت أن عرض الفكرة على أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية كان أمراً مختلفاً تماماً. لأنهم لا يبحثون عن فكرة جيدة وحسب، بل يريدون ضمانات بالنجاح في المستقبل. تقول إيلكيهاج: "أفضل أن أعد بأقل مما أستطيع تقديمه، وأقدم أكثر مما وعدت به. كنت أرغب أن أكون متأكدة من قدرتي على الوفاء بوعودي".
على الرغم من أن إيلكيهاج تمكنت في نهاية المطاف من الحصول على التمويل الإضافي، فقد واجهت الكثير من المصاعب عند عرض الفكرة على أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، حيث تعرضت لما توقعته بيانات موليك بالضبط: السلوك المعاكس لتفضيل الأقران. يمكن للتمويل الجماهيري أن يقدم المنتج إلى الآلاف من الأشخاص، ولا بد من وجود نسبة من الناشطين بينهم، غير أن معظم صناديق رؤوس الأموال الاستثمارية تتألف من مجموعات صغيرة من الرجال. وكما تظهر الأبحاث، فإن الكثيرين منهم يحملون تحيزاً ضمنياً ضد النساء، ويعتقدون أنهن يفتقرن للقوة اللازمة لإدارة الشركات، أو أن هذه الشركات ستفشل على الأغلب.
تقول إيلكيهاج: "إن إتقان هذه اللعبة ضروري للحصول على تمويل رؤوس الأموال الاستثمارية. غير أن إنديجوجو يمكن أن يضيف بعض المساواة إلى هذه المنافسة. وحتى لو لم تكن شخصيتك قوية، فإن الأرقام من حملات التمويل الجماهيري يمكن أن تساعدك على إثبات نفسك".