الدرون: النسخة المعاصرة من الحمام الزاجل

3 دقائق

أواخر العام الماضي، وخلال تحضيرات عيد الميلاد في الولايات المتحدة الأميركية، دعت شركة ديزني جمهورها إلى حضور احتفال فريد من نوعه وغير مسبوق بتاريخ أميركا. وكانت بداية الاحتفال الذي جرى بالهواء الطلق عادية، فرقة الأوركسترا تعزف المقطوعات الميلادية المشهورة، لكن بعد دقائق تغير وجه السماء، فقد بدأت تلتمع نجوم صغيرة وبألوان مختلفة، ثم بدأت هذه النجوم بالتحرك وتشكيل صور لشجرة الميلاد ولنجمة كبيرة وطائر جميل، كانت شركة ديزني تذكر العالم بأننا في عصر طائرات الدرون أو الطائرات من دون طيار، والتي استخدمت في تلك الأمسية 300 طائرة منها لتحويل السماء إلى لوحة فنية بديعة.

من الحمام الزاجل إلى الدرون

لطالما اشتهر الحمام الزاجل بأنه وسيلة تواصل فعالة ومضمونة، نظراً لكونه قادرٌ على العودة إلى مكانه الأصلي من أي مكان على وجه البسيطة وذلك باستخدام الحقل المغناطيسي الأرضي، لكن جل ما كانت تلك الطيور تقدر على حمله هو لفافة صغيرة تحمل بضعة سطور، ولطالما حلم الإنسان لو أنه يستطيع تحميلها ما هو أكثر من المشاعر والأنباء العاجلة، لو أنها تحمل الطعام أو الدواء، كما تمنى لو أنه يتعلم لغة الحمام لعل هذا الطائر الجميل يخبره بما رأى خلال رحلته، وقد كان عليه انتظار النصف الثاني من القرن العشرين لتصبح تلك الأمنية قابلة للتحقيق. ففي تلك الفترة وتحديداً بنهاية خمسينيات القرن العشرين، بدأت وزارة الدفاع الأميركية بتطوير طائرات من دون طيار لأغراض حربية بحتة، لكن مع تطور هذه التقنية بدأت تظهر ما بجعبتها من فوائد ومزايا في كافة المجالات.

استطلاع وإنقاذ أرواح وتغطية

تتطلب عمليات مسح الأراضي، سواءً للأغراض العقارية أو لرسم الخرائط، صوراً أو مقاطع فيديو ملتقطة من الأعلى لضمان فعالية ودقة هذه العملية، وهنا كانت هذه الطائرات الصغيرة على أهبة الاستعداد لتنفيذ هذه المهمة، كذلك الأمر عند الحديث عن الزراعة؛ فعملية مراقبة الحراثة ومراقبة المحصول والتي كانت تتم سيراً على الأقدام أصبحت اليوم تتم بواسطة طائرة متصلة بشاشة في يد المزارع، وهي لا تكتفي بالتصوير، بل تحلل الصور وتظهر المناطق التي لها لون مختلف عن المناطق الأخرى. أما إذا انتقلنا إلى أعمال الإنشاءات فقد أصبح بمقدور مدير المشروع إلقاء نظرة شاملة على سير أعمال البناء والصيانة من خلال الموظف الطائر الذي ينقل له الصورة على أحسن وجه.

وبالتأكيد لن تفوت شركات الشحن الفرصة لتستغل هذه الطائرات لإيصال البضائع للزبائن، فقد طورت شركة أمازون نظام برايم إير Prime Air والذي يتضمن طائرات درون مخصصة لإيصال المنتجات إلى الزبائن بالولايات المتحدة خلال أقل من 30 دقيقة. وستستغل المراكز الطبية ذات الوسائل لنقل المواد الطبية وأكياس الدم إلى المناطق المحتاجة لتدخل إسعافي. هذا عدا عن أعمال التغطية الإعلامية ومواكبة الأحداث من الأعلى والتي تبرع طائرات الدرون بالقيام بها.

لكن كما يقول المثل الصيني: "كل إنسان يملك مفاتيح الجنة، لكن المشكلة أن ذات المفاتيح تفتح أبواب جهنم"، فمن الواضح أن هذه الطائرات التي بدأت تغزو العالم، ولا أستثني العالم العربي، لا يمكن أن تترك بين الأيدي دون ضوابط أو قوانين تحد من حرية توجيهها والتحكم بها، خاصة أنها قد تشكل تهديداً للأشخاص أو على الأقل لخصوصيتهم.

مسموح ولكن

تتفاوت الدول فيما بينها بالآلية التي تتبعها لضبط عملية امتلاك واستخدام طائرات الدرون، ففي كندا على سبيل المثال، يمنع التحليق على ارتفاع يزيد عن 90 متر أو على مسافة أقل من 75 متر من الأشخاص، الأبنية أو الطائرات الأخرى، وتصل غرامة المخالفة إلى 3000 دولار كندي. وبالإنتقال إلى العالم العربي، تمنع الجزائر تحليق هذه الطائرات بعد حلول الظلام وإجمالاً يحتاج المستخدم للحصول على موافقة وزراء الداخلية، النقل وتكنولوجيات الإعلام والإتصال قبل أن يسمح له باستخدام الدرون، وفي المغرب يجب الحصول على إذن وزارة الداخلية قبل استيراد الطائرة، بينما يعاقب القانون الأردني كل من يسيّر أويصنّع طائرة درون دون الحصول على التراخيص بعقوبة الحبس حتى السنتين أو غرامة مالية تصل لـ 15000 دينار أردني، وفي الإمارات يمنع تحليق الطائرات ليلاً أو الاقتراب من المطارات أكثر من 5 كم وكذلك يمنع التقاط أي صورة بواسطة الدرون، وذلك بحسب القانون الذي بدأ العمل به مطلع الشهر الجاري (للمزيد أنظر من الإمارات: قانون للطائرات بدون طيار).

مستقبل مبشر، بحذر

يبدو أن الأفق الذي ستفتحه هذه الآلات الصغيرة هو أفق واسع، ويبدو أنها تتجه لإحداث تغيير جذري بحياتنا اليومية، لكن الوضع ليس بهذه السهولة والتيسير، فهذه الطائرات تتميز بكونها سهلة التصنيع وفي متناول الجميع، وتركها دون رقيب أو دون استعداد تام للتحكم بحركتها واستخدامها سيجعل أي دولة عرضة لخروقات أمنية عالية المستوى، وحتى اليوم لا تزال الدول في طور تجربة القوانين والسياسات التي تسعى لتحقيق هذه الغاية، لذلك فإن دول العالم العربي بحاجة لمواكبة هذه التطورات ليس على الصعيد التشريعي وحسب بل على صعيد تطوير الأدوات التقنية اللازمة لمراقبة حركة المرور الجوية، وتتبع أي جسم يحلق في سمائها، فمن خلال رفد القطاع التشريعي بقطاع تكنولوجي متطور، يمكن الاستفادة من أحفاد الحمام الزاجل دون تركها ألعوبة بأيدي المخربين.

 

المحتوى محمي