الذكاء الاصطناعي يحقق نصراً جديداً في قطاع الرعاية الصحية

3 دقائق

لا يزال الذكاء الاصطناعي يحقق المزيد من الانتصارات المذهلة، ويكتسح بقوة شتى المجالات والقطاعات، ليس آخرها قطاع الطب والرعاية الصحية، وفي هذا الجانب، يشهد قطاع الصحة نمواً متزايداً في استخدام الذكاء الاصطناعي للوقاية والعلاج وتناول الأدوية، ومختلف جوانب الرعاية الصحية، وأصبح هذا الأمر توجهاً عالمياً يشير إلى التقدم والتطور، وهذا ما شهدته الإمارات العربية المتحدة مؤخراً أثناء فعاليات "شهر الإمارات للابتكار"؛ وهو فعالية تهدف إلى تحفيز الجهات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد على تبني ممارسات الابتكار، حيث عرضت هيئة الصحة بدبي تقنيةً قائمة على الذكاء الاصطناعي ضمن "مبادرة تشخيص أمراض العيون"، في أثناء فعاليات شهر الإمارات للابتكار 2018، وتهدف المبادرة إلى استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في اكتشاف تلف شبكية العين، وذلك بعدما تم تدريب الخوارزميات على الآلاف من صور فحوص العين، مما سيساعد الأطباء على تشخيص المرضى ومعالجتهم بشكل أكثر فعالية وسرعة.

وفي هذا الصدد ركزت تقنية الذكاء الاصطناعي التي طورتها هيئة الصحة بدبي -وبالتعاون مع شركة Artelus- على تشخيص مضاعفات داء السكري من خلال فحص العيون، وذلك نظراً للأهمية البالغة التي يكتسيها علاج هذا الداء المتفشي.

وقد أشار المسح الصحي التكميلي للكشف عن مرض السكري في إمارة دبي لعام 2017 إلى أن نسبة الإصابة بالسكري بين المواطنين في دبي تصل إلى 19%، كما أظهر أن نسبة المرضى غير المشخصين بالسكري في دبي، بلغت في أوساط المواطنين 11%، أما الأشخاص القابلين للإصابة بداء السكري في دبي (الذين يتراوح معدل السكر التراكمي لديهم بين 5.7 و6.4)، فقد تبين أن نسبتهم وصلت لدى المواطنين إلى 18.6%.

وهذه الأرقام تشير إلى ضرورة التعامل السريع مع الوضع، وهذا ما سعت إمارة دبي -عبر هيئتها للصحة- إلى القيام به، واستغلت كعادتها آخر التقنيات المتاحة: وهو الذكاء الاصطناعي.

ولا يخفى على العاملين في المجال الطبي أهمية الكشف المبكر والصحيح للأمراض، ومن ثم توفير الوقاية أو العلاج اللازم الذي يقضي على المرض قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة.

وفي هذا الصدد، أكّد معالي الأستاذ حميد القطامي (رئيس مجلس​​ الإدارة والمدير العام لهيئة الصحة بدبي) أن "داء السكري يعد أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات والمؤسسات الصحية في العالم؛ نظراً لما يشكله هذا الداء من مخاطر مباشرة في التنمية البشرية والقوى الإنتاجية، نتيجة ارتباطه بالعديد من الأمراض المزمنة الأخرى".

وأضاف معالي القطامي: "إن صحة دبي لا تدَّخر وسعاً في توفير أفضل الخدمات الطبية لمرضى السكري؛ من الأجهزة الحديثة والذكية والأدوية المتطورة، إلى الرعاية الخاصة والمتكاملة، إضافة إلى الجهود المبذولة في مسار وقاية أفراد المجتمع من هذا الداء، وتحفيزهم إلى اتباع الأنماط الغذائية السليمة، وتشجيعهم على ممارسة الأنشطة المعزِّزة للصحة، وذلك بالتعاون والتنسيق مع المؤسسات والهيئات والجمعيات والأطراف المعنية كافة، التي تجمعنا بها العديد من الأهداف الوطنية المشتركة".

وبالعودة للابتكار التقني الذي حققته الهيئة، يقول الدكتور محمد حامد فاروقي (مدير مركز دبي للسكري) إن اعتلال الشبكية السُكَّري هو إحدى مضاعفات داء السكري التي تصيب العيون، وينشأ اعتلال الشبكية السكري عن تدهور في بنية الأوعية الدموية الشبكية؛ بحيث تتوسع هذه الأوعية الدموية العليلة، مما يسبب تسرباً للسوائل، بل وحتى تنسدُّ فتترك جزءاً من شبكية العين بدون الدورة الدموية. ثم تتشكل أوعية دموية جديدة مع تقدم المرض، ويتكاثر النسيج الليفي في شبكية العين؛ مما يترتب على ذلك تدهور الرؤية. وقد لا تظهر على المصاب باعتلال الشبكية السكري أي أعراض خطيرة في البداية، أو تظهر له فقط مشاكل رؤية طفيفة، إلا أنه مرض خطير فعلاً؛ لأنه قد يسبب العمى في نهاية المطاف".

وأشار الدكتور فاروقي إلى أن تشخيص اعتلال الشبكية السكري يتطلب إجراء فحوصات طبية على شبكية العين، كما يتطلب الأمر في بعض الأحيان إجراء التصوير البصري المقطعي التوافقي (OCT)؛ حيث توفر هذه الفحوصات صوراً مقطعية تظهر سماكة وكثافة الشبكية، مما يساعد الأطباء على تحديد ما إن كان السائل قد تسرب لأنسجة شبكية العين أم لا.

وأضاف الدكتور فاروقي أنه عادة ما تكون هناك حاجة إلى سبع صور لكل عين من أجل تشخيص تلف الشبكية، مما يعني أن الأطباء يحتاجون إلى إجراء آلاف عمليات المسح لتشخيص المرضى، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي لتسهيل هذه العملية.

ويقول الدكتور فاروقي "إن مركز دبي للسكري قد وفّر صور الفحوص ليتدرب عليها برنامج الذكاء الاصطناعي الذي طورته شركة Artelus، والتي يقع مقرها في دبي، وهي متخصصة في استخدام أحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية. وهذه الصور تم تشخيصها من قبل خبراء أمراض الشبكية في مستشفى دبي، ثم تمت مقارنتها مع برنامج الذكاء الاصطناعي، وقد وصلت دقة البرنامج في تشخيص تلف الشبكية إلى 96%، بالمقارنة مع التشخيص البشري. وكما هو معروف في تقنية تعلم الآلة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، كلما دربت البرنامج أكثر -عن طريق تغذيته بالمزيد من الصور- زادت دقته في التشخيص. وقد دفعتنا هذه النتائج المبشرة إلى دراسة إمكانية تبنِّي البرنامج بشكل رسمي في مركز دبي للسكري".

وقد أشار الدكتور فاروقي إلى أن استخدام هذه التقنية من شأنه أن يوفر للمرضى نتائج فحوصهم بشكل أسرع وأكثر فعالية، مما يتيح للأطباء اكتشاف الإصابة في وقت مبكر، ويسهل عليهم علاج الحالة بنسبة نجاح أعلى. ولا تقتصر فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي على هذا فحسب، بل تشمل كذلك تخفيض التكلفة الإجمالية لعلاج مضاعفات داء السكري التي تتسبب في تلف الشبكية.

المحتوى محمي