هل يمكن للحواسيب أن تبدع فنياً؟ هذا أحد الأسئلة البارزة في مجال الإبداع الحاسوبي، والذي يتمحور حول تصميم ذكاء اصطناعي قادر على تقليد القدرة البشرية على الإبداع.
أعلنت شركة جوجل منذ عامين تقريباً عن محاولتها لتصميم خوارزميات قادرة على تأليف مقطوعات موسيقية أصيلة، لكن ماذا لو تمكن الذكاء الاصطناعي من تصميم وتنفيذ أجسام ثلاثية الأبعاد يمكنك أن تمسكها بيدك فعلياً؟ هذا هو التحدي الذي قرر جويل ليمان، أستاذ مساعد في جامعة كوبنهاجن التقنية، أن يواجهه.
طرح ليمان على نفسه السؤال التالي: هل من الممكن أن نستفيد بشكل ما من قدرة الشبكات العصبية العميقة DNN على التعرف على الصور، بحيث نصمم أعمالاً فنية بدون تدخل بشري؟ شعر ليمان أن المفتاح يكمن في التعاون بين الشبكات العصبية العميقة وخوارزمية تطورية، وهي عملية توظف الآليات التي تحاكي التطور العصبي، مثل الاختيار، والتكاثر، والتحول. وقد عمل مع أحد زملائه بالاشتراك مع مختبر تطور الذكاء الاصطناعي في جامعة وايومينج لتصميم ذكاء اصطناعي قادر على النحت.
أطلق الباحثون على العمل اسم التوليد الابتكاري للأجسام، ويمكن تلخيص طريقة عمله كما يلي: تقوم الخوارزمية التطورية بتوليد شكل أولي عشوائي تعتمد عليه لتوليد صورة ثلاثية الأبعاد، وهو على الدوام أشبه بكتلة مشوهة من الصلصال. تقوم الخوارزمية بعد ذلك بتمرير بضعة لقطات من هذه الكتلة على الشبكة العصبية العميقة (لأن الشبكات العصبية العميقة لا تستوعب سوى الصور ثنائية الأبعاد)، وتسأل في كل مرة: "ما رأيك بهذا؟" حيث تقوم الشبكة بمقارنة اللقطات مع الصور في قاعدة بياناتها الهائلة، وذلك حتى تقرر ما إذا كانت الكتلة تشبه أي شيء مألوف لها، وتعطي الخوارزمية التطورية بعض التغذية الراجعة. في البداية، يكون الوضع صعباً للغاية، وكأنها تقول: "هذه الكتلة تشبه قنديل البحر بنسبة 0.001%". من المرجح أن معظم البشر سيصابون باليأس عند هذه المرحلة، ولكن الخوارزمية تتابع عملها بكل اجتهاد.
بعد ذلك، تأخذ الخوارزمية التطورية النموذج الأولي، وتحوله قليلاً، وترسله مرة أخرى إلى الشبكة العصبية العميقة: "ما رأيك الآن؟" وإذا اعتقدت الشبكة العصبية العميقة أن الكتلة الجديدة تبدو أسوأ من ذي قبل، يتم نبذ النموذج الجديد وتطبيق تحول جديد على النموذج الأصلي لبناء نموذج متحول آخر. إذا تحسنت التغذية الراجعة لأن الكتلة الجديدة تبدو مثل قنديل البحر بنسبة 0.002%، مثلاً، يتم اعتماد الكتلة الجديدة لتكون أساس التحولات اللاحقة. وكما في حالة تلميذ وأستاذ صبورين، تتبادل الخوارزمية والشبكة العصبية العميقة العمل جيئة وذهاباً بهذه الطريقة ملايين المرات، ما يؤدي إلى نحت جسم واضح، ببطء ولكن بثبات.
يعترف ليمان بوجود تشابهات بين خوارزميته وعملية التعلم البشرية، ولكنه يعتقد أنها أقرب إلى عملية التطور الطبيعي، وهو ما أوحى ببداية المشروع منذ بدايته. ويقول: "إنه من المذهل بالنسبة لي كيف أن التطور، وبدون وجود نية مسبقة أو تفكير موجه، تمكن من إنتاج أشياء ذات تعقيد هائل، ما تزال خارج نطاق قدراتنا الهندسية".
يأمل ليمان بتقليد مسارات التطور التي قادت عملية التحول من المتعضيات البسيطة إلى الكائنات المعقدة، وهو ما تنفذه الشبكة العصبية العميقة للخوارزمية بالفعل، فهي تقدم تغذية راجعة بسيطة جداً، ولا تخبر الخوارزمية ما الذي أنجزته بشكل صحيح أو خاطئ، بل تخبرها فقط ما إذا كانت تقترب أو تبتعد عن تحقيق النجاح. هذه العملية أشبه بالتطور كما يصفها ليمان، "إما أن تعيش أو تموت، لا يخبرك التطور بكيفية تغيير حمضك النووي حتى تصبح كائناً أفضل".
قام الفريق بتشغيل عملية التحسين لأسبوعين تقريباً، وبعد حوالي 2.5 مليون محاولة، أعطت الشبكة العصبية العميقة كثيراً من ابتكارات الخوارزمية نسبة دقة تساوي 95%، لكن قد يعطي حكم بشري تقييماً أقل من هذا لبعض هذه الأشكال. ويقول ليمان أن المنظر الغريب لهذه الأجسام يعود إلى عدم قدرة الشبكة العصبية على فهم الأجسام ثلاثية الأبعاد، ويمكن أن نقول أن الخوارزمية استغلت نقطة الضعف هذه للحصول على درجات النجاح لأجسام تبدو تجريدية الشكل.
أرسل ليمان الأشكال النهائية، والتي يسميها بالحمض النووي الاصطناعي، إلى طابعة ثلاثية الأبعاد، وكانت النتيجة بضعة منحوتات صغيرة صممتها خوارزمية، وصفها ليمان بأنها "جميلة نوعاً ما".