ريبليكا: هل يمكن لروبوتات الدردشة تقديم الدعم النفسي اللازم؟

4 دقائق

«إن كنت في حالة سيئة، أو تعاني من القلق، أو تحتاج أي شخص للتحدث إليه، فـ «ريبليكا» موجود من أجلك 24 ساعة. ستفهم مشاعرك وأفكارك، وتحسّن من حالتك النفسية، وتتعلم مهارات التكيف الاجتماعي مع ريبليكا، وفي محادثة واحدة كل مرة».

هذا هو الوصف الذي سيظهر لك عند بحثك عن روبوت دردشة الذكاء الاصطناعي «ريبليكا -Replika». ريبليكا هو مرافق شخصي لك من أجل دعم صحتك النفسية. أحد روبوتات الدردشة التفاعلية الذكية التي يمكنك مراسلتها والحديث معها، من خلال تطبيق خاص على هاتفك الذكي، أو عبر الموقع الإلكتروني الخاص بريبليكا.

يتعرف ريبليكا عليك بشكل أقرب من خلال مجموعة من الأسئلة التي تم تغذيته بها عن طريق برامج، ويتعلم في المقابل كيف يتجاوب ويرد على هذه الأسئلة من خلال التفاعل معك. يتعرف على أي الأسئلة التي تريد أو لا تريد الحديث عنها، ما يعجبك في الأشخاص، أحلامك، ذوقك السينمائي والموسيقى، وغيرها من الأمور. ريبليكا هو صديقك الذكي المفضل.

ربما يبدو الأمر مثيراً للبعض، لكنه بالتأكيد أصاب آخرين بشعور الغرابة والخوف، مستحضراً في أذهانهم السيناريوهات السوداوية التي شاهدوها على شاشات السينما في أفلام مثل «Her» أو في حلقات المسلسل الأجنبي «Black mirrors». فالفكرة التي تم عرضها في هذه النماذج لا تختلف كثيراً عن ريبليكا. نظام ذكاء اصطناعي يتعرف إليك، اهتماماتك ومفضلاتك، ما تحب وما تكره من خلال السماح له بالاطلاع على حياتك الشخصية عبر حساباتك على شبكات التواصل الاجتماعي، وبريدك الإلكتروني وعمليات بحثك وهاتفك الذكي، أو بشكل أكثر مباشرة من خلال طرح الأسئلة لتجيب عليها.

ما الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي لصحتنا النفسية؟

حدث ما يشبه الطفرات للعديد من المجالات مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومن ضمنها مجال الصحة النفسية، خاصةً مع ارتفاع حالات المصابين بالاكتئاب وغيره من الاضطرابات النفسية بين المراهقين والشباب صغير السن.  

فوفقاً للمعهد القومي للصحة النفسية، هناك واحد من كل 5 أشخاص بالغين في الولايات المتحدة يعانون من مرض عقلي بنسبة تقدر بحوالي 46.6 مليون وفقاً لاحصائية عام 2017. فعلى الرغم من قلة البيانات حول الأعداد الدقيقة للمصابين بأمراض نفسية، فإن الملاحظ في مختلف الإحصاءات هو ارتفاع نسب الإصابة.

نشر موقع our world in data، وفقاً لمعهد القياسات الصحية والتقييم المتخصص في البحوث العالمية تقريراً أفاد فيه أن عدد المصابين بالاكتئاب قُدر بحوالي 264 مليون شخص، بينما وصل عدد المصابين باضطرابات القلق إلى 248 مليون حول العالم في عام 2017.

يرى العديد من الأخصائيين والأطباء النفسيين، أن روبوتات الدردشة الذكية قد تقدم عوناً لهؤلاء الذين يحتاجون مساعدة. فعلينا أن نضع في الاعتبار التكلفة العالية التي يتطلبها العلاج النفسي من زيارة الطبيب وشراء العلاج نفسه. فالعديد من المرضى النفسيين لا يحصلون على العلاج المناسب في وقته لهذا السبب. كما أن التكلفة لا تمثل العائق الوحيد، فهناك نقص حتى الآن في عدد الأطباء والمعالجين النفسيين، بالإضافة للوصمة النفسية التي تجعل البعض يحجم عن أخذ خطوة الذهاب للطبيب النفسي.

أيضاً عند التواصل مع روبوت دردشة، يكون من الأسهل مشاركة أمور محرجة وغير مريح مشاركتها مع شخص حقيقي، حتى وإن كان طبيبك أو معالجك النفسي. ففي التواصل الإنساني المباشر، دائماً توجد درجة من مقاومة النفس تجاه الكشف عما تشعر به وتفكر فيه، أو ما تريد فعله، ودرجة أخرى من الشعور بالحرج والذي يمنعك من الحديث بحرية. كما أن مثل هذه الروبوتات يمكنها الوصول لنطاق أوسع من الجيل الحديث الذي يفتقر إلى الوقت، ويبقى على اتصال بالإنترنت على مدار اليوم.

ريبليكا ليس الأول ولن يكون الأخير

ريبليكا لم يكن التجربة الأولى لإصدار روبوتات الدردشة التي تهدف إلى تقديم الاستشارة والمساعدة النفسية. فالباحثة في علم النفس السريري  «أليسون دارسي» صنعت روبوت الدردشة «Woebot»، وهو برنامج كمبيوتر مدمج بفيسبوك، يهدف إلى محاكاة المحادثات التي يجريها المريض مع معالجه من خلال بعض الأسئلة عن حالة المريض المزاجية، وما يشعر به، والاستماع إلى ما تعبر عنه من مشاعر.

بعدها يقدم روبوت الدردشة «Woebot» بعض الاقتراحات لمعالجة الأمر، من خلال أدوات قائمة على العلاج المعرفي السلوكي المبني على أدلة علمية (CBT)، وبالطبع تختلف طريقة تفاعله من شخص لآخر، فهي في الأخر تجربة فردية.

تمر روبوتات الدردشة الذكية بالعديد من التطورات حالياً، خاصة بعد الانتشار الواسع لحاملي الهواتف الذكية. حيث يتم العمل على تحسين القدرة على معالجة اللغات المختلفة، ومحاولات جعل هذه الروبوتات تتفاعل بشكل أكثر طبيعية. ومن أجل ذلك، قامت شركة «X2AI» إحدى شركات سيليكون فالي الناشئة، بتصميم اثنين من روبوتات الدردشة الذكية؛ حيث تتحدث روبوت الدردشة «إيما» باللغة الهولندية، وهي مصممة لمساعدة مرضى القلق المعتدل، بينما يتحدث «كريم» باللغة العربية، وصمم من أجل أن يساعد اللاجئين السوريين الذين يكافحون للتغلب على الآثار المأساوية الحرب.

كما أطلق معهد التقنيات الإبداعية التابع لجامعة جنوب كاليفورنيا معالج افتراضي اسمه «إيلي» لعلاج قدامى المحاربين الذين يعانون من الاكتئاب، وأعراض ما بعد الصدمة. يعمل مبتكروا «إيلي» على تطويره لتعزيز الصحة العقلية، والوصول لتشخيص أكثر دقة.

يجب علينا التنويه بأنه ليس بالضرورة أن ينجح العلاج النفسي الافتراضي من خلال روبوتات الدردشة الذكية مع الجميع، فالبعض منا يحتاج أساليب علاجية مختلفة، تتضمن التفاعل والتواصل الحقيقي بدلاً من الافتراضي.

مخالف للتوقعات

ربما تختلف روبوتات الدردشة في بعض الأمور، لكن ما يجمعها أنها دائماً ما تخبرك أثناء حديثك معها أنها نظام ذكاء اصطناعي، وكذلك يؤكد مبتكروها على أنها لا تمثل بدلاً للدعم الإنساني، ولأصدقائك الحقيقين.

ولعل في تقييمات المستخدمين لمثل هذه الروبوتات كان هذا التعليق الشائع لديهم، وهو التعبير عن أنهم لم يشعروا بتفاعل إنساني حقيقي مع روبوت الدردشة، وأنه في مرحلة ما لا يمكنه الرد على أسئلتهم خاصة الخارجة عن السياق تماماً.

يجيب أحد الأشخاص على موقع Quora بأنه تعمد أن يرشح لريبليكا مشاهدة فيديوهات عن «صوفيا» الروبوت الذكي الشهير وغيره من روبوتات أخرى، لكنه لم يجيب على أي سؤال، ولم يبد له أن ريبليكا تتمتع برأيها الخاص. تقول محررة موقع «فايس» أن الكثير من إجابة ريبليكا خاصتها عبارة عن ردود مبرمجة بشكل واضح استناداً إلى كلمات التشغيل، وأنها لم تجيب على بعض الأسئلة الموجهة لها، وفي المقابل تبدأ في طرح أسئلة جديدة.

ورغم ثناء الكثيرين على مستوى التفاعل العام مع التطبيق، إلا أن بعضهم تمنى لو كان لريبليكا رأي مستقل كأي إنسان آخر، وهو ما نبدو بعيدين عن تحقيقه حتى هذه اللحظة. الأمر الذي يمثل شعور بالطمأنينة للآخرين.

المحتوى محمي