فكر قليلاً بالعمل الذي يقوم به المحلل الاستخباراتي، حيث يجب أن يخوض في كميات هائلة من المعلومات حتى يتوصل إلى الصورة الكبيرة. ويمكن أن تأخذ هذه المعلومات أي شكل، مثل تقرير ميداني، أو تصريحات حكومية، أو مواد إعلامية محلية. ويعتبر التدقيق في البيانات وتحويلها إلى تقرير مفصل مجال عمل غني يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون عوناً كبيراً فيه، وذلك وفقاً لشركة جديدة تدعى برايمر.
قامت برايمر بتطوير نظام ذكاء اصطناعي مخصص جزئياً لتعزيز عمل المحلل في وكالات الاستخبارات. ليست الاستخبارات المجال الوحيد لعمل شركة برايمر-يتضمن شركاؤهم سلسلة متاجر والمارات، وصندوق ثروة سيادية في سينغافورة- ولكنه بدون شك الأكثر إثارة للاهتمام.
يقول شون جورلي، مؤسس برايمر ومديرها التنفيذي، أن عمل المحلل الاستخباراتي هو "فهم العالم الذي حوله". ويمكن أن يعني هذا "مراقبة تدفق البيانات الواردة" ومحاولة تحديد الأحداث البارزة في منطقة تعرفها جيداً. وربما يقتضي اكتساب معلومات سريعة حول "منظمة جديدة، أو جزء جديد من العالم يجب أن تصبح خبيراً به بسرعة".
يعتبر هذا الشكل من العمل شيئاً قد تقوم الوكالة بتكليف أحد الباحثين الجدد به: اقرأ كل هذا، واكتب ملخصاً، وضعه على مكتبي! غير أن برايمر ستقوم به، حيث قامت بتحويل كلتا العمليتين، أي قراءة المعلومات وصياغة التقرير، إلى الشكل المؤتمت باستخدام الذكاء الاصطناعي.
يضيف جورلي: "ترغب بتنفيذ هذه العملية لصياغة المسودة الأولى من التقرير، وبذلك، لن يكون على المحلل إلا أن يعدل هذه المسودة بنفسه كما يريد، بدلاً من أن يضطر للتعامل مع سيل من مئات الوثائق". وباختصار، يقوم الذكاء الاصطناعي بصياغة النواة الأولية للتقرير، وعلى عكس البشر، لن يشعر بالتعب ولن يفوت أية تفاصيل تمت برمجته لالتقاطها. ومن الشركات التي استثمرت في برايمر: إن-كيو-تيل، وهي منظمة تعمل كصلة وصل بين وكالات الاستخبارات الأميركية والشركات الناشئة.
يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تقدم أداء متميزاً في معالجة كميات هائلة من المعلومات. ويمكن لخوارزميات التعلم الآلي أن تنفذ بعض المهام، مثل الترجمة اللغوية على فيسبوك، بفعالية عالية. حيث أنه ليس من المعقول تكليف البشر بترجمة كل منشور أو تعليق من لغة إلى أخرى على فيسبوك، أو البحث ضمن مجموعة من الصور عن صور القطط. وبدلاً من هذا، يقوم الباحثون بتدريب الخوارزميات والشبكات العصبية بتلقيمها بالبيانات المطلوبة حتى تتعلم.
لا تعد برايمر الشركة الوحيدة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، والتي تتضمن في حالتهم أيضاً المعلومات المتاحة للعموم، مثل الأخبار المالية والتقارير الإعلامية. حيث أن فيريتون، وهي شركة أخرى مشابهة، تتخصص في التعامل مع البيانات التي تفتقر للهيكلية، مثل ملفات الصوت والفيديو. وتقدم أكثر من 100 برنامج مختلف بالذكاء الاصطناعي تركز على مهمات متنوعة، مثل تحويل الكلام إلى نص، وتحليل مشاعر المتكلم، والتعرف على العلامات والشعارات المميزة، وتحديد الوجوه ضمن الفيديو. ويمكن لعميل ما، مثل قناة CNBC التلفزيونية، أن يستأجر نظامهم لتحليل مجموعة من الفيديوهات لتحديد ظهور علامات تجارية مميزة لمنتجات معينة، أو استنتاج الميول السياسية ضمن الكلام.
قد تبدو فكرة الذكاء الاصطناعي الذي يلعب دوراً في تحليل المعلومات الاستخباراتية وصياغة التقارير مرعبة بالنسبة لأمثال إيلون ماسك، والذي يحذرنا دائماً من مخاطر الذكاء الاصطناعي، ولكن جورلي يقول إن طريقة العمل ستكون مكشوفة لمن يستخدمونها: "من أهم الأسس في عملنا لبناء أنظمة الذكاء الاصطناعي هو أنه دائماً قابل للفهم والتفسير. حيث يقوم النظام بالربط مع المصادر الأصلية بشكل دائم، ويعرض على المستخدم باستمرار البيانات المستخدمة لاتخاذ القرارات، وكيفية الوصول إلى النتيجة النهائية".
يضيف جورلي: "نظراً لوجود عواقب للقرارات المتخذة باستخدام هذا النظام، يجب أن ينطلق التصميم من هذه الفكرة، وهو أمر ممكن تماماً، ومهم للغاية بالنسبة لنا".