لم تتوقف الأمور التي يدخلها الذكاء الاصطناعي كل يوم عند حد معين؛ فبعد دخوله إلى التعليم والصحة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات، أصبحت البنوك والعمليات المالية -التي تشكل جزءاً هاماً من حياتنا- على وشك الدخول بصورتها الكاملة إلى عصر كامل من التطور التكنولوجي القائم على الذكاء الاصطناعي. سيغير ذلك بشكلٍ كبير مفهوم التعاملات البنكية التي اعتاد المستخدمون عليها طَوال السنوات الماضية.
دعونا نرى كيف أصبحت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، قاب قوسين أو أدنى من التحكم في عالم البنوك والمصارف.
بدايات جيدة منذ سنوات
كانت أولى الخطوات التي خرجت في مجال الذكاء الاصطناعي وارتباطه بصناعة البنوك كان بنك «Ally»، أحد البنوك في الولايات المتحدة. قدَّمَ البنك برمجية محادثة «شات بوت» تحمل اسم البنك، وتقوم بالرد على المحادثات والنصوص، والطلبات الصوتية القادمة من العملاء.
ثم اتبعت العديد من البنوك حول العالم تلك الاستراتيجية الجديدة، منها «ERICA» و «Ipal» و «SBI» و «SIA»، والعديد من البنوك العملاقة في الولايات المتحدة، وغيرها من الدول التي بدأت في اعتماد تقنيات المحادثة عبر الذكاء الاصطناعي. لكن الأمر لم يتوقف عند هذه البرمجيات التي تقوم بتلك العمليات البسيطة؛ فحجم الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي المرتبط بصناعات البنوك بدأ يتزايد بشكلٍ كبير، ومن المتوقع أن يستمر في التزايد خلال السنوات القادمة. ووفقاً لبحق «بيزنس إنسايدر»، فإن حجم استثمار المؤسسات البنكية في تقنيات الذكاء الاصطناعي يقدر بمبلغ 447 مليار دولار بحلول عام 2023؛ ليصبح من أكثر القطاعات المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
اللافت للنظر أن العمليات التقنية التي سيصل إليها الاستثمار القادم لن يتوقف وحسب عند هذه العمليات البدائية، ولكن سيصل إلى العمليات المباشرة من حيث التعامل مع العملاء بشكل مباشر من خلال أنظمة ذكاء اصطناعي، وسيمتد كذلك إلى العمليات الداخلية المعقدة المرتبطة بالحسابات الداخلية بالكامل.
مشاريع حالية وأخرى منتظرة
عملت المؤسسات المصرفية المهتمة بذلك النوع من المشاريع على توسيع رقعة المهام التي يدخل فيها الذكاء الاصطناعي، سواء كان ذلك في الوقت الحاضر، أو على جانب المشاريع المستقبلية المنتظر دخولها حيز التنفيذ الفعلي.
من أبرز الأمثلة على ذلك، هو التطور في استخدام تقنيات تعلم الآلة في عدة جوانب خاصة بالمؤسسات، فتَدْخُلُ أنظمة تعلم الآلة في جانب إداري تسويقي، يخص البرامج التمويلية المقدمة من البنوك لعملائها؛ إذ يحلل البنك عمليات الإنفاق التي يقوم بها العملاء من خلال بطاقات البنك؛ لمعرفة السلع والخدمات الأكثر طلباً بالنسبة إلى العملاء، والعمل على إدخالها ضمن برامج التمويل والتسويق.
وقد بدأ بنك SBI بالفعل في العمل على نظام مشابه، يدعم بالذكاء الاصطناعي أساليب استهلاك العملاء، وتوفير برامج تمويل للبطاقات الائتمانية على أساس عمليات الاستهلاك، كما أن الأنظمة بدأت في العمل على برامج التعرف على الوجه في ماكينات الصراف الآلي؛ لأغراض حماية البطاقات من السرقة بالتعرف على وجوه أصحاب البطاقات، وربطها بأرقام البطاقات التي يستخدمونها.
وأما ما يتعلق بالمشاريع التي ينتظر أن تصبح أكثر تطوراً خلال الفترة القادمة، بعدما بدأت في مرحلة التجارب الناجحة بالفعل، فهي عديدة. منها على سبيل المثال، العمل على تقديم خدمات جديدة ومختلفة مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتقديم المشورات الاقتصادية للعملاء في عمليات الإيداع، والاقتراض، أو ما شابه؛ مثل تطبيق «Kasisto».
أما أهم النقاط التي يعمل عليها نظام تعلم الآلة، والتي تدخل ضمن المشاريع المستقبلية، فهي تحليل عمليات التحويل المالي، ومتابعة البيانات؛ لكشف عمليات التمويل للأنشطة الإجرامية وإيقافها. من أهم المشاريع التي دخلت حيز التنفيذ بالفعل، هو مشروع تطبيق «NOMI» الذي يقدمه البنك الملكي في كندا. نجح البنك على مدار عام كامل في تقديم أكثر من 400 مليون خدمة واستشارة في كافة أرجاء كندا؛ ليُشكِّل بذلك رقماً هاماً في مسار الخدمات البنكية التقنية المتطورة، والتي يتوقع أن تصبح طرفاً هاماً في تقنيات العمل قريباً، على الرغم من أنها ربما لن تنجح في منافسة العنصر البشري في كفاءته في العمليات المعقدة.
وهناك الكثير من المشاريع المستقبلية التي يُنتَظر أن تصبح قيد العمل الفعلي خلال السنوات القادمة، والآن كيف ترى الصورة التي ستعمل بها البنوك خلال السنوات العشرة القادمة؟