نظرة حصرية لجهود فيسبوك في تسريع التصوير بالرنين المغناطيسي

4 دقائق
التصوير بالرنين المغناطيسي, الذكاء الاصطناعي, فيسبوك
جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي في السويد - مصدر الصورة: جان اينالي/ ويكيبيديا

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً


تجلس «جينا سيافارا» في غرفة مظلمة في مركز «لانجون» الصحي في جامعة نيويورك في مانهاتن. هذه الغرفة هي غرفة للقراءة، توفر مساحة لأطباء الأشعة -مثلها- ليتفحّصوا صور الأشعة السينية والرنين المغناطيسي. تعرض الشاشات أمامها صوراً بتدرج الرمادي لركبة مريض مجهول، وفي هذه الصور، تلحظ سيافارا مشكلة أساسية: رباط صليبي أمامي ممزّق. وتقول: «هذا بالتأكيد غير طبيعي».

لكن بالإضافة إلى البحث عن مشاكل مثل التمزقات والتهاب المفاصل في أنسجة العظام والأربطة والدهون والغضاريف والأوتار، هناك حكم آخر يجب أن تطلقه سيافارا. هل صور الركبة هذه تم إيجادها باستخدام الذكاء الاصطناعي، أم أنها صور الرنين المغناطيسي العادية؟ تقول سيافارا بتشكك: «حدسي يخبرني بأنها مولدة بالذكاء الاصطناعي، هي تبدو ضبابية قليلاً».

انخرطت سيافارا وزملائها في جامعة نيويورك في دراسة هدفت لمقارنة جودة الصور المولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي بجودة الصور التقليدية. من خلال المزج بين الذكاء الاصطناعي وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي، يعتقد علماء الحاسوب وأطباء الأشعة أنهم قادرين على تسريع نوع شائع من الفحوص الطبية بشكل كبير، مما سيعود بالعديد من المنافع على المرضى والمستشفيات على حد سواء. قد يصبح الباحثون قادرين على تقليص مدة تصوير الركبة من 10 دقائق إلى 5 دقائق، أو مدة فحص القلب من ساعة إلى نصف ساعة. هذا قد يساعد المستشفيات أيضاً في توفير المال، وتقليل الحاجة لتخدير المرضى من الأطفال، والذين يواجهون صعوبة في البقاء ساكنين أثناء التصوير.

إن الدراسة السابقة -والتي جهزتها جامعة نيويورك للتقديم للمراجعة الأكاديمية- هي جزء من مشروع قائم بين شريكين غريبين: مدرسة الطب في جامعة نيويورك، وشركة فيسبوك. هذه الشراكة التي بدأها قسم البحث في الذكاء الاصطناعي في شركة فيسبوك، وأعلن عنها منذ أكثر منذ سنة، لها هدف بسيط: استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد صور الرنين المغناطيسي عالية الجودة وبسرعة، بهدف زيادة قدرة المراكز الصحية على مساعدة أكبر عدد من الناس، أو مساعدة الدول ذات الموارد المحدودة في استغلال معداتها بشكلٍ أفضل، أو تقليص المدة الزمنية التي يجب على كبار السن أو الصغار، أو هؤلاء الذي يعانون من رهاب الأماكن الضيقة قضائها داخل تلك الأنابيب المغناطيسية الصاخبة.

سبب استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الطريقة؛ هو أنه يتطلب معلومات أقل بكثير لتوليد الصور التي تعطي الأطباء نظرة داخلية على جسم الإنسان، مقارنة بالطرق التقليدية (المسماة تحويل فورييه العكسي). يقول «مايكل ريكت»، رئيس قسم الأشعة في مركز لانجون الصحي في جامعة نيويورك: «في عملية التصوير بالرنين المغناطيسي، نحصل على كميات محددة من البيانات، ثم نستخدم تقنيات إعادة التجميع لتوليد الصور. ولكن اتضح أننا كنا دائماً نجمع كمية من البيانات أكبر مما نحتاج على الأرجح».

تحتاج الخوارزمية  الجديدة كمية أقل من البيانات الآتية من عدد أقل من القياسات، وذلك لتصل إلى نفس النتيجة (أو في هذه الحالة، لتولد الصورة الصحيحة) التي يصل إليها جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي.

من أجل توفير المعلومات الكافية لأطباء الأشعة والجراحين -وحتى تعتبر هذه التجربة ناجحة- يجب أن تحقق الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي معيارين أساسيين؛ وفقاً لـ «لاري زيتنك»، عالم أبحاث في قسم البحث في الذكاء الاصطناعي في فيسبوك. المعيار الأول هو أن الصور يجب أن تكون دقيقة: يمكن أن تكون الصور التي تبدو جيدة والتي أخفت تمزّقاً في أحد الرباطات، أو أظهرت عيباً غير موجود بالحقيقة عديمة الفائدة وحتى خطيرة. المعيار الثاني، حسب زيتنك: «يجب أن يُعجب أطباء الأشعة بالصورة». عندما يمضي أطباء مثل سيافارا ساعات داخل غرف مظلمة لقراءة الصور، فهم سيحتاجون لصور واضحة سهلة القراءة.  

إن جعل خوارزمية تفسر المعلومات التي تولدها الأجهزة المجربة مراراً وتكراراً هو ليس مهمة سهلة. ولتدريب برمجيات الذكاء الاصطناعي على معالجة البيانات وتحويلها إلى صورٍ بشكلٍ صحيح، يقول أعضاء فريق فيسبوك أنهم جربوا حوالي 1000 نموذج مختلف على معلومات مصادرها هي فحوصات رنين مغناطيسي حقيقية. زوّد الفريق الخوارزمية بالبيانات غير المُعالَجة، وعرضوا عليها الصور المقابلة لهذه البيانات حتى يساعدوا الشبكة العصبية (وهي أداة شائعة في تطبيقات التعلّم الآلي، يستطيع مهندسو البرمجيات تدريبها على أداء مهام مختلفة، مثل تمييز ما يوجد في الصور) في توليد الصور بشكلٍ صحيح.

بمجرد أن طورت فيسبوك النموذج، أصبح من الضروري اختباره من قبل الخبراء حادي النظر. نظر أطباء الأشعة في جامعة نيويورك، مثل سيافارا، في صور للركب وُلدت باستخدام الذكاء الاصطناعي، وصور أخرى ولدت بالطرق التقليدية، وذلك لمعرفة هل سيحصلون على نفس المعلومات التشخيصية من النوعين أم لا. بعد ذلك، تعيّن عليهم أن يخمّنوا أي منها من أي نوع.

بدلاً من تصوير المرضى مرتين، الأولى بالطرق التقليدية البطيئة، والثانية بالطرق السريعة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، جرّد الفريق بعض الصور التقليدية من البيانات الخام لمحاكاة ما كان سيحدث لو شُغّل جهاز التصوير بسرعة أكبر.

يشير زيتنك أيضاً إلى أن فريقه أضاف القليل من التشويش إلى الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي لجعلها تبدو واقعية أكثر، وليتمكنوا من إيهام الأطباء. يقول زيتنك: «ما علينا سوى توليف الصور بشكلٍ دقيق، حتى يعاني أطباء الأشعة كثيراً في التمييز بين تلك المولدة بالذكاء الاصطناعي والصور التقليدية، وذلك يعود لأننا نزيل التلميح الوحيد الذي يكشف الجواب». كما أنه وفقاً لزيتنك، فالتشويش المضاف لم يؤثر على القيمة التشخيصية للصور.

عادة، عندما نسمع عن المزج بين الذكاء الاصطناعي وعلم الأشعة، فإن الخوارزميات المستخدمة تحلل الصور، ولا تولدّها مثل الخوارزميات في مشروع فيسبوك وجامعة نيويورك. يقول «ماتشي مازوروفسكي»، أستاذ مساعد في جامعة دوك يركّز في دراسته على علم الأشعة والذكاء الاصطناعي، وغير مشارك في أبحاث فيسبوك وجامعة نيويورك: «أعتقد أن هذا المجال الدراسي مثير ومهم جداً. فهو يختلف عن معظم الدراسات المتعلقة بعلم الأشعة والذكاء الاصطناعي». على سبيل المثال، استخدم مازوروفسكي شبكة عصبية لفحص الدرنات على الغدد الدرقية لبعض الأشخاص في صور الموجات فوق الصوتية. وركزت أبحاث أخرى على استخدام التعلم الآلي للكشف عن مشاكل مثل السل في الصور الصدرية.

تقول فيسبوك أنها ستجعل خوارزميتها متاحة للناس حتى يتمكن الباحثون الراغبون في استخدام الذكاء الاصطناعي في تسريع وتركيب الصور من البيانات الخام من فعل ذلك. يقول مازوروفسكي: «تبعات هذا العمل على المراكز الصحية يمكن أن تكون هائلة، لأن أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي باهظة الثمن، وغالباً سيكون الطلب عليها كبير جداً». هناك بعض المخاطر المحتملة لإدخال الذكاء الاصطناعي إلى المعادلة. مثلاً، يمكن أن تضيف الخوارزمية عيوباً ليست موجودة بالحقيقة. والأهم من ذلك، وفقاً لمازوروفسكي، هو احتمال أن تتجاهل الخوارزمية عيوباً موجودة، مما سيخفي تمزقاً في الأربطة مثلا عن أطباء الأشعة.

لهذا المشروع مخاطر ونتائج خطيرة محتملة، فقد يعتمد قرار الجراح بالقيام بالعمل الجراحي أم لا على نتائج التصوير. يقول زيتنك: «هذا يجعلنا متوترين جداً، من الضروري القيام بالعمل بالشكل الصحيح، ولهذا نحن نقوم به بطريقة ممنهجة للغاية».

خلال فترة المراجعة الأكاديمية لدراسة قابلية التبديل بين الصور، يجهّز الباحثون في جامعة نيويورك أنفسهم لإجراء المزيد من المقارنات لاكتشاف ما إذا كانت الصور المولدة بالذكاء الصنعي تطابق ما يراه الجراحون أثناء القيام بالجراحة التنظيرية على مفصل الركبة. الهدف في المستقبل ليس حصر هذه التكنولوجيا على صور الركب فقط، ولكن استخدامها لتصوير أجزاء أخرى من الجسم، مثل الدماغ، والذي يستغرق تصويره الكثير من الوقت.

يقل ريكت أنه يأمل أن التصوير السريع سيغير الطريقة التي ينظر بها المرضى والأطباء على عملية التصوير بالرنين المغناطيسي. ويضيف: «إن حلمي هو أن يستغرق تصوير أي مفصل في الجسم مدة 5 دقائق».


اقرأ هنا أيضاً: الذكاء الاصطناعي ينتج صور الرنين المغناطيسي أسرع وأفضل

المحتوى محمي