عندما أطلق المخرج الأميركي ستانلي كوبريك فيلمه المشهور "2001: أوديسا الفضاء" عام 1968، كان يبدو أنه قد أمعن في الخيال العلمي، نظراً لما احتواه عمله من تقنيات وآلات بعيدة كل البعد عن عالم الستينيات وربما عن المخيلة البشرية، وقد احتوت بعض مشاهده على حديث بالصوت والصورة يجريه أحد الأشخاص مع عائلته. أما اليوم وقد تخطينا عام 2001 بستة عشر عاماً، فقد حققنا نبوءته بخصوص ذاك الاتصال المرئي. لكن الخبر السيء لكتاب الخيال العلمي الحاليين، هو أن مجال الإبداع لديهم قد أصبح شديد الضيق، بعد أن أصبح الإنسان قادراً على التواصل ليس مع أقرانه وحسب، بل مع سيارته وأجهزته المنزلية والأبواب والنوافذ. وخلف كل ذلك التطور توجد أجيال وأجيال من تقنيات الاتصالات.
حوالي 40 عاماً من التطور
يتداول مستخدمو الإنترنت والهواتف الجوالة عدة مصطلحات تقنية، والتي ربما سمعوا بها من خلال إعلانات مزودي الخدمة أو في إعلانات أجهزة الموبايل، ولعل أكثرها تردداً هي مصطلحات 3G و 4G والتي تعني الجيل الثالث والجيل الرابع، وتمثل تقنيات مختلفة ظهرت بحقب مختلفة. فماهي هذه الأجيال، السابقة منها واللاحقة؟
ظهر الجيل الأول خلال ثمانينيات القرن الماضي وكان قادراً على نقل الصوت فقط بسرعة حوالي 2.4 كيلوبايت بالثانية، ثم ظهر الجيل الثاني والذي تطور في فترة التسعينيات، ومع هذا الجيل أصبح من الممكن إرسال نصوص عن طريق الأجهزة المحمولة مع سرعة نقل للبيانات بلغت 64 كيلوبايت بالثانية، أما العقد الذي تلاه فقد شهد ظهور الجيل الثالث الذي قفز بالسرعة إلى 2 ميجابايت بالثانية، هذه السرعة التي ستقفز 50 ضعف مع حلول سنة 2010 لتبلغ حوالي 100 ميجابايت بالثانية بفضل تقنيات الجيل الرابع. واليوم يتم الحديث عن قرب ظهور الجيل الخامس والذي قد تفصلنا عنه أقل من ثلاث سنوات.
المولود المنتظر
شأنه شأن الأجيال التي سبقته، يحمل الجيل الخامس تطوراً ملحوظاً على أكثر من صعيد. بالتأكيد تتميز كل شبكة بسرعة التحميل القصوى التي تتيحها لمستخدميها، وكذلك سرعة الرفع. وبينما تصل السرعة مع تقنيات الجيل الرابع إلى حوالي 100 ميجابايت بالثانية كما ذكرنا، فإن سرعة التحميل التي يتيحها الجيل الخامس قد تبلغ حوالي 10 جيجابايت بالثانية. وبالنسبة للمستخدم سيكون بالتأكيد قادراً على الحصول على سرعة تحميل 1 جيجابايت بالثانية مما يعني تحميل فيلم بجودة عالية خلال أقل من ثانيتين.
كذلك تتميز كل شبكة بقدرتها الاستيعابية أو بعدد المستخدمين الفاعلين الذين يمكن لها تخديمهم بذات الوقت، وهنا تبشرنا تقنيات الجيل الخامس بأن هذه الطاقة الاستيعابية ستتضاعف حوالي 22 مرة أكثر من شبكات الجيل الرابع.
تعتمد كل تقنية على طيف ترددي معين يتمثل بمجال الترددات التي يمكن للأجهزة استخدامها، وهي في الجيل الرابع بين 2 إلى 8 جيجا هرتز بينما يزداد الطيف الترددي في الجيل الخامس الذي يسمح بترددات من 3 إلى 300 جيجا هرتز. وهذا الأمر سيسمح للمزيد من الأجهزة والمعدات بالدخول إلى عوالم الاتصالات. خاصة مع ظهور إنترنت الأشياء والذي يعتمد على التواصل بين البشر والأجهزة المختلفة (سيارات، نافذة، براد، وغيرها).
لا تستجيب صفحات الإنترنت للأوامر المعطاة بشكل لحظي، فهناك زمن يفصل بين الأمر والاستجابة، زمن التأخير هذا هو من العوامل المهمة التي تميز تقنيات الاتصال الشبكي. ويبلغ هذا الزمن في شبكات الجيل الرابع 50 ميلي ثانية، بينما سينخفض مع شبكات الجيل الخامس إلى 1 ميلي ثانية. مع العلم أن زمن التأخير الصغير جداً هو من متطلبات تطوير السيارات الذاتية القيادة والتي سيكون عليها تلقي رسائل من الحساسات الطرقية ومن السيارات الأخرى ومن ثم اتخاذ قرار بالفرملة أو الاستدارة، وهنا يظهر بوضوح أن الجيل الخامس هو ما ستفضله هذه السيارات من دون أدنى شك.
أما المستفيد الآخر من هذه التقنية المتطورة، فهي تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، والتي تخلق عوالماً ينبغي على المستخدم أن يعيش ضمنها كما لو أنه بالعالم الحقيقي، فالواقع الافتراضي هو واقع جديد كلياً يتحرك ضمنه المستخدم ويتفاعل مع مكوناته، أما الواقع المعزز فهو الواقع الحقيقي مضافاً إليه القليل أو الكثير من العناصر، وفي كلتا الحالتين لن يرغب المستخدم بأي تأخير في الاستجابة ولو بلغ نصف ثانية.
بنية تحتية ملائمة
ستكون الشركات والحكومات الراغبة باستخدام تقنيات الجيل الخامس بحاجة لتهيئة بيئة تحتية تلائم هذا النوع من الشبكات. فالأبراج التي يفترض أن تخدّم عدد أكبر من المستخدمين عن طريق تقنية MIMO والتي تعني مدخلات متعددة ومخرجات متعددة، ستزود بعدد أكبر من المستقبلات والذي هو حوالي ثمانية أضعاف العدد المستخدم في أبراج الجيل الرابع. ونظراً لاستخدام أجهزة الجيل الخامس لإشارات ذات تردد عالي، فهي لن تكون قادرة على اختراق العوائق التي قد تقف في طريقها، لذلك سيكون هناك عدد من الأبراج الصغيرة القريبة من بعضها والتي ستضمن استمرارية الإشارة رغم وجود العوائق.
بالنهاية يجب التأكيد على أن كل ما ذكر هو عبارة عن تقديرات للخبراء والمختصين، حيث أن هذه التقنية لم تبصر النور بعد وليس من المتوقع أن تصبح بمتناول الناس قبل عام 2020. لكن ما هو مؤكد ولا مراء فيه هو أنها ستوفر البنية التحتية لكثير من التقنيات التي ستعمل على تغيير نمط حياة الإنسان، داخل وخارج المنزل، في العمل وعلى الطرقات.