السيارة التي لا يرغب السائقون بظهورها

3 دقائق

أوائل الثمانينيات، وتحديداً سنة 1983 كان قراء الكاتب الأمريكي ستيفن كينغ على موعد مع رواية جديدة بعنوان "كريستين" والذي هو اسم بطلة الرواية. كانت كريستين جذابة ولونها أحمر يتخلله بعض البياض، وكانت تتمتع بميزة فريدة من نوعها، فقد كانت قادرة على التحرك ذاتياً، وهي ميزة مهمة جداً بالنسبة لسيارة. نعم فكريستين هذه كانت سيارة، وكانت تجوب الطرقات وتبحث عن ضحاياها لتهاجمهم، حتى أنها كانت تمتثل للأوامر الصوتية لأصحابها. واليوم بعد 24 سنة على ظهور كريستين، تتأهب أخواتها للنزول إلى الطرقات، لكنهن مصصمات لتجنب البشر والحفاظ على حياتهم بأفضل الطرق. فهل أصبحت هذه اللحظات وشيكة؟ وهل على السائقين أن يلقوا نظرة الوداع على المقود؟

القيادة الذاتية

يتحدث الكثيرون اليوم عن السيارات ذاتية القيادة كتقنية جديدة ستحل محل سابقاتها، لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فهي ليست تقنية واحدة، بل توجد اليوم 5 مستويات للقيادة الذاتية: في المستوى الأول يبقي السائق يده على المقود وقدمه على الدواسات، لكنه يستعين ببعض أدوات التحكم المدمجة بالسيارة مثل تلك التي ترشد السائق للبقاء في الطريق وتتجنب الخروج عنه أو التي تضمن بقاء السرعة ضمن حد معين. في المستوى الثاني تظهر تقنيات تحكم أكثر تطوراً، فيمكن للسيارة أن تبقى في منتصف الطريق وتسير معه دون تدخل من السائق، لكن سيكون لزاماً عليه مراقبة الطريق والتدخل عند الضرورة. في المستوى الثالث سيعتمد السائق على السيارة لكي تراقب الطريق وتعلمه متى يجب أن يتولى هو زمام القيادة. وإذا انتقلنا إلى المستوى الرابع ستتمكن السيارة من التحكم بنفسها بشكل كامل لكن بشروط محددة، وعند المستوى الخامس سيحدث الطلاق بين السيارة وسائقها. واليوم تتباين الشركات المصنعة بالمستويات التي وصلت إليها سياراتها.

سوق تنافسي كبير

أعلنت شركة مرسيدس أن سياراتها من طراز إس كلاس S Class هي قريبة من الوصول لحلم السيارات الذاتية القيادة بشكل كامل (المستوى الخامس)، في حين قالت بي إم دبليو أن سيارتها الذاتية القيادة بالمستوى الخامس ستكون جاهزة خلال خمس سنوات، أما أودي فقد أعلنت أنها بصدد إطلاق سيارة أي 8 A8 بتحكم ذاتي من المستوى الخامس، أما شركة تسلا الرائدة بهذا المجال فقد أعلن صاحبها ومؤسسها إيلون ماسك أن الأمر أقرب مما يتوقع الكثيرون - وجدت بعض الاستطلاعات أن 73% من الناس لايتوقعون ظهور السيارات ذاتية القيادة على الطرقات مع حلول سنة 2020 - فهو يرى أن إنتاج سيارات المستوى الخامس سيبدأ في غضون سنتين.

لا شك أن للمصنعين طموحاتهم وللأرقام سحرها، فاليوم أثبتت إحصائية أجرتها شركة زندرايف zendrive أن السائقين يستخدمون هواتفهم خلال 88% من رحلات السيارة، ووجدت إحصائية أخرى أن البريطانيين الذين يقودون السيارات يمضون ستة أسابيع عمل سنوياً خلف المقود. قد تشير الأرقام إلى ضرورة استبدال السيارات الحالية بأخرى أكثر تطوراً وربما أكثر أماناً، لكن قد لا تطابق حسابات الحقل حسابات البيدر، وقد لا يتقبل الناس فكرة السيارة ذاتية القيادة بهذه السهولة، وربما يستمر شبح كريستين بملاحقتهم، لذا تبدو تجربة دبي بهذا المجال جديرة بالدراسة.

تاكسي تسلا

دبي التي تسعى لجعل 25% من الرحلات الطرقية من دون سائق مع حلول سنة 2030 قامت منذ ثلاثة أشهر بالاتفاق مع شركة تسلا موتورز على شراء  200 سيارة طراز إس وطراز إكس وذلك بهدف ضمها لشركة تاكسي دبي، هذه السيارات لن تكون من دون سائق بالمعنى الحرفي بل سيجلس سائق خلف المقود ليتدخل عند اللزوم، هذه الطريقة ستكسر حاجز الخوف الذي قد يكون موجوداً لدى الكثيرين، وشيئاً فشيئاً سيعتاد الناس على هذا النوع من السيارات وهذا ما سيساعد على تحقيق الاستراتيجية البعيدة المدى. وبالتأكيد ستترافق تلك الخطوات مع تأهيل للطرقات لتتلاءم مع هذه التقنيات الجديدة.

يذكر أن دبي قد قامت خلال الأشهر الماضية بإجراء اختبار للسيارات ذاتية القيادة استمر لمدة شهرين، وبعد استطلاع آراء 736 مشارك بالتجربة أبدى 91% منهم رضاهم عن هذه التجربة، 80% منهم رأوا أنها ستخفف من الحوادث المرورية و90% منهم توقعوا أن تخفف هذه السيارات من استهلاك الوقود.

طرقات قطرية ذكية

تعتزم قطر خلال السنة الحالية والسنة القادمة البدء باختبار نظام جديد للطرقات يتيح للسيارات التواصل فيما بينها، كما أنه يتيح لها التواصل مع الطرقات وذلك بهدف الحصول على المعلومات اللازمة والتي ستتيح للنظام الملاحي الذكي توجيه السيارات والسائقين بالطريقة الأمثل. هذا المشروع والذي يعرف بمشروع قطر في تو إكس Qatar v2x يتوقع أن يبدأ تطبيقه مع حلول سنة 2019، وسيجعل هذا النظام الملاحي من طرقات قطر بيئة مناسبة لتحرك السيارات ذاتية القيادة والتي هي الهدف الأبعد للقائمين على المشروع.

قد لا نتمكن من تحديد زمن دقيق لظهور السيارات ذاتية القيادة على الطرقات، لكننا نعلم علم اليقين أنها قادمة لا محالة، وبخطوات ثابتة، وبأن الدول بدأت تتحضر لاستقبالها بدءاً بالولايات المتحدة ومروراً بريطانيا وليس انتهاءً بقطر والإمارات، وقد بدأت الصور ومقاطع الفيديو تغزو الشبكة العنكبوتية بكثرة. وإذا كان السائق يشعر أن هناك ما يحاك ضده، فيجب أن يوجه أصابع الاتهام لعلماء البرمجيات والذكاء الاصطناعي الذين يعملون ليلاً نهاراً لتحرير السيارة من قبضة البشر.

 

المحتوى محمي