يتنقل ملايين الأشخاص في سياراتهم يوميّاً، يذهب البعض في رحلات قصيرة، بينما تُشكل قيادة السيارة مهنة لآخرين، ما يفرض عليهم الجلوس خلف عجلة القيادة لساعات طويلة. يترتب على ذلك مشكلات صحية خطيرة يتعرض لها السائقون، بالإضافة إلى زيادة احتمال التعرض لحوادث قد تكون خطرة في بعض الأحيان.
مخاطر قيادة السيارة طويلة المدى على السائقين
يوجد العديد من الدراسات التي تركز على المخاطر الصحيّة التي يتعرض لها السائقون على المدى البعيد، وأبرزها دراسة أسترالية ربطت القيادة بزيادة الوزن وصعوبات النوم، بالإضافة إلى التأثير على الصحة النفسية.
زيادة احتمالات الإصابة بالسمنة
أحد المخاطر الصحية الرئيسية التي يمكن أن تأتي من كثرة القيادة هي زيادة خطر الإصابة بالسمنة، فقد أثبتت الدراسة، أن السائقين الذين يقضون ساعتين أو أكثر يوميّاً خلف عجلة القيادة معرضون للإصابة بالسمنة بنسبة 78%.
تترافق زيادة الوزن بمخاطر أخرى، فهي تؤثر على نوعية حياة الشخص، ونشاطه وثقته بنفسه، ونمط حياته بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، تزيد السمنة من مخاطر الإصابة بالسكتات الدماغية وارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية وهشاشة العظام والسكري والعديد من المشكلات الصحية الخطيرة الأخرى.
صعوبات النوم
يؤدي قضاء وقت طويل في القيادة إلى التسبب بصعوبة في النوم، لأن العديد من السائقين الذين يقودون سياراتهم لفترات طويلة كل يوم يستيقظون مبكراً وينامون في وقت متأخر، أي أنهم لا ينالون كفايتهم من النوم، ما يمكن أن يؤثر على الصحة العقلية والجسدية ومستويات التركيز والمزاج وجودة الحياة عموماً. وقد وجدت الدراسة أن 86% من السائقين ينامون أقل من 7 ساعات يومياً.
بالإضافة إلى ساعات النوم القليلة التي يحصل عليها السائقون، غالباً ما يعانون من انقطاع النفس أثناء النوم، وهي حالة لا يحصل فيها الشخص على كفايته من الأوكسجين بسبب انسداد في مجرى الهواء العلوي، وتحديداً في الشعب الهوائية، وذلك بسبب الوزن الزائد وارتفاع ضغط الدم والتعرض للدخان والسكري، وجميعها مشاكل صحية يعاني منها السائقون.
التأثير على الصحة النفسية
إن قضاء وقت طويل على الطريق يعني التعامل مع سائقين آخرين وحركة المرور ومشاكلها من ازدحام مروري وغيره، يمكن أن يسبب التوتر والإحباط. وهو ما يؤثر على الحالة المزاجية والعاطفية للسائقين، ويثير غضبهم دائماً، ويتسبب بتردي صحتهم النفسية. وقد أبلغ 33% من المشاركين في الدراسة عن شعورهم بالضيق النفسي، بينما اشتكى 43% منهم من نوعية الحياة السيئة بشكل عام، ما يزيد الضغط النفسي على السائقين.
أضف إلى ذلك، التوتر والقلق الناجمَين عن الوقت الطويل الذي يقضيه السائقون في المركبات، ما يقلل في الواقع من الرضا في العمل والحياة، ويمكن أن يزيد من مخاطر الاكتئاب.
التدخين
إن تعرّض السائقين للدخان لوقت طويل يزيد رغبتهم في التدخين كي لا يشعروا بالوقت الذي يقضونه على الطرقات. وقد أثبتت الدراسة الأسترالية سابقة الذكر علاقة القيادة لمدة طويلة بارتفاع احتمالات التدخين.
آلام الظهر والعضلات والهيكل العظمي
يقضي السائقون وقتاً طويلاً جداً جالسين في وضعية الظهر المستقيم، دون تغييرها أو دون إجراء أي تمارين أو حركات أخرى. يؤدي ذلك إلى ضعف الجسم بشكل عام، ويصبح أكثر عرضة للإرهاق والتصلب وآلام المفاصل والعضلات، وآلام أسفل الظهر بشكل خاص، لأن الجلوس في وضعية السائق يعني تركيز ضغط هائل على الفقرات السفلية أكثر من العلوية. بالإضافة إلى آلام الظهر، تؤدي وضعية جلوس السائق مع ثني ركبتيه إلى قلة تدفق الدم إلى الساقين، وبالتالي ضعف عضلات الساقين.
التأثير على الرؤية
تترك القيادة لفترات طويلة أثراً على الرؤية أيضاً، إذ أن السائقين الذين يقودون سياراتهم لفترة طويلة كل يوم عليهم التركيز كثيراً على الطريق لساعات، ما يسبب إجهاد العين واحمرارها وألماً فيها ومشكلات في الرؤية، خاصة عند الأشخاص الذين يقودون في ظروف صعبة أو في الظلام وأمام وهج مصابيح السيارات الأخرى. كما أن قلة النوم تحرم العينين من الراحة، وما يزيد الطين بلة، أن هذه التأثيرات على البصر تؤدي إلى ارتفاع مخاطر الحوادث، وخاصة في الليل.
ارتفاع ضغط الدم والسكري
علاقة القيادة بارتفاع ضغط الدم والسكري هي علاقة غير مباشرة، فكما سبق وذكرنا، أن القيادة تسبب السمنة، والسمنة تسبب ارتفاع ضغط الدم والسكري، الذي يؤدي بدوره إلى زيادة خطورة الإصابة بالأمراض والحالات المزمنة مثل السكتة الدماغية وأمراض الكلى وأمراض القلب وتلف العين وما إلى ذلك.
السرطان
يصاب عدد ليس بالقليل من السائقين بسرطان الرئة والمثانة، وذلك لسبب واضح؛ الملوثات. يتعرض السائقون لنوعين من الملوثات، أولهما المواد الكيميائية الناتجة عن المطاط والبلاستيك داخل السيارة، والنوع الثاني التلوث الناجم عن دخان المركبات الأخرى، والذي يحتوي على هيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات ناتجة عن حرق الوقود الأحفوري.
نقص الأكسجين
يستنشق السائقون الذين يقودون لفترات طويلة كميات كبيرة من الهواء الملوث، ما يتسبب في نقص الأكسجين اللازم لعمليات الجسم الحيوية، وبالتالي يشعر السائق بالدوار والتعب والصداع، ما يعني أن الأعضاء المهمة (الرئتين والقلب والدماغ والعينين) في الجسم لا تتلقى كفايتها من الأكسجين اللازم لأداء مهامها الضرورية.
أمراض الرئة
تزداد احتمالية إصابة السائقين بأمراض الرئة، مثل الربو وسرطان الرئة، وذلك بسبب استنشاقهم لكميات كبيرة من الملوثات.
القرحة الهضمية
يمتلك السائقون الذين يقودون لمدة طويلة عادتين سيئتين، هما حصر البول والجفاف، واللتان تؤديان إلى حدوث قرحة هضمية. لذلك يُنصح السائقون بشرب الكثير من الماء، والنزول في كل محطة يصلون إليها لإفراغ المثانة.
الإجهاد الناتج عن قيادة السيارة ودوره في الحوادث الخطيرة
لمعرفة تأثير القيادة على السائقين في منطقتنا العربية، درس فريق من الباحثين الجزائريين من جامعة تلمسان العلاقة بين القيادة وعدد من الإشارات الطبية الحيوية لتشخيص سبب الإجهاد الذي يعاني منه السائقون واتخاذ التدابير اللازمة للتخلص منه، ومنع الحوادث التي تحدث بسببه. وذلك في دراسةٍ نُشرت عام 2017 بعنوان "بحث في القرار التحليلي أثناء اختبار القيادة".
تنتج غالبية الحوادث عن التعب والإجهاد الذي يعاني منه السائقون، وقد احتلت الجزائر المرتبة الرابعة عربياً من حيث حوادث الطرق التي بلغت 44,907 حادثاً أسفر عن مقتل 4,540 شخصاً وخلّف 69,582 مصاباً.
ولتحديد سبب الإجهاد درس الباحثون العلاقة بين عدة إشارات حيوية عبر قياس تخطيط القلب الكهربائي (ECG)، وتخطيط كهربية العضل (EMG)، ومقاومة الجلد الجلفاني (GSR) المأخوذة من اليد والقدم، ومعدل ضربات القلب (HR) والتنفس. وذلك عند 17 سائقاً أثناء قيادتهم للسيارة.
أظهرت النتائج الإحصائية للدراسة وجود علاقة بين جميع هذه الإشارات الحيوية، إذ تسبب مشتركة الإجهاد للسائق أثناء قيادته للسيارة، ما يزيد احتمالية تعرضه للحوادث
وركز الباحثون في الدراسة على الجوانب الفنية وغير الطبية، كونهم ينتمون إلى مجالات التطبيب عن بعد ويحاولون تتبع الإصابات قصيرة المدى وطويلة المدى أيضاً بين السائقين لأخذ المعلومات الإحصائية اللازمة لمنع الحوادث الخطرة.
نصائح للحفاظ على سلامة السائقين
لتجنب المخاطر التي تنتج عن القيادة و الحوادث، يمكن اتباع النصائح التالية:
- الحصول على قسط وافر من الراحة قبل الشروع في رحلة طويلة.
- التوقف عند الشعور بالتعب أثناء الرحلة، والنزول من السيارة، ويفضل الحصول على كوب من القهوة واستنشاق بعض الهواء النقي.
- إجراء اختبارات دورية للبصر.
- عدم القيادة تحت تأثير الكحول أو بعض الأدوية.
- التركيز على القيادة فقط والابتعاد عن المشتتات مثل الهواتف المحمولة.
- ضبط مقعد السائق على وضع مريح، مع ضبط مسند الظهر للخلف قليلاً، للحفاظ على صحة العضلات والظهر.
نُشر هذا المقال استناداً إلى بحثٍ مقدّم من مركز "أبحاث الشباب العربي"