على بعد آلاف الكيلومترات: كيف تتسبب سيارتك في تلوث المحيطات؟

3 دقائق
تلوث المحيطات, سيارات, جراد, بيئة
تظهر أسراب الجراد على شجرةٍ في منطقة سكنية في باكستان- 12 يونيو/حزيران 2020 الصورة: نيرمل راجيندهار كومار/ أنسبلاش

من المعروف التأثير السيىء للسيارات على البيئة، فانبعاثات العوادم تلوث الغلاف الجوي بمختلف الغازات التي تؤدي لارتفاع درجات الحرارة عالمياً، وتفسد الهواء. للأسف، لا تنتهي المشاكل عند هذا الحد. لقد درس العلماء مشكلة أخرى تربط تنقلاتك اليومية بالسيارة في محيطك بأكثر المناطق النائية في محيطات العالم.

فقد كشفت دراسة حديثة أن المواد البلاستيكية الدقيقة المنبعثة من إطارات السيارات وأنظمة الفرامل هي مصدرٌ رئيسي لتلوث البحار بالمواد البلاستيكية أكثر بكثير مما كان يُعتقد سابقاً. ففي كل عام، تطرح إطارات السيارات نحو 100 ألف طن متري من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، والتي تنتقل بدورها عبر الهواء لتصل أخيراً إلى المحيطات. بالإضافة إلى ذلك، هناك 40 ألف طنٍ أخرى من الملوثات تأتي من الفرامل. لتوضيح الفكرة أكثر، إذا كان متوسط ​​وزن إطار السيارة المُهتلك حوالي 9 كيلوجرام، فإن الوزن الإجمالي للجزيئات البلاستيكية الدقيقة التي تصل إلى البحر كل عام يساوي أقل بقليل من وزن 11 مليون إطار.

المقصود بالجزيئات البلاستيكية الدقيقة هي تلك التي يبلغ قطرها أقل من 5 ملم، وهي خطرةٌ جداً على صحة الحيوانات التي تتعرّض لها. تتسبب أشكال تلك الدقائق وكثافاتها المختلفة في انتشارها في جميع أنواع الموائل، ويزيد مع انتشارها احتمال تناول المخلوقات البحرية لها. يمكن أن تتراكم المواد البلاستيكية الدقيقة في خياشيم الحيوانات أو جهازها الهضمي، وقد أظهرت الدراسات المخبرية على الأسماك والرخويات أن هذه المخلفات يمكن أن تؤثّر على تنفسها وتغذيتها ونموها.

ومع ذلك، فإن الجزئيات البلاستيكية الدقيقة لا تضر الكائنات البحرية وحسب، بل يمتد أثرها على التربة التي تصل إليها، وقد تؤذي المخلوقات الصغيرة المفيدة التي تعيش فيها وحتى أنها تؤثر على نمو المحاصيل.

التأثير واسع النطاق للبلاستيك الدقيق على نظم الأرض البيئية يبين أهمية فهم مصدرها، وكيفية انتقالها بين البيئات المختلفة. في الواقع، لقد دُرست آلية انتقالها عبر المجاري المائية جيداً، لكن البحث الجديد يسلط الضوء على مسارٍ لم يُنتبه إليه سابقاً ويمكن لهذه الدقائق البلاستيكية المرور منه إلى المحيطات؛ إنه الغلاف الجوي.

يمكن أن تنتقل الدقائق البلاستيكية بواسطة الرياح

تُصنع إطارات السيارات من المطاط الذي يحتوي على حوالي 50% من البوليمرات الطبيعية والاصطناعية. لقد اعتدنا على النظر إلى البوليسترين على أنه بوليمير صناعي نموذجي أكثر، بينما المطاط طبيعي أكثر. في الواقع، يحتوي مطاط الإطارات على اللدائن البلاستيكية الصناعية، والتي تندرج ضمن فئة الدقائق البلاستيكية التي نتحدث عنها عندما تتفتت إلى أجزاءٍ أصغر.

يمكن أن تتعرّض الإطارات للتلف بطبيعة الحال من خلال التآكل والاحتكاك وتتفكك إلى جسيماتٍ صغيرة جرّاء ذلك. كما يتوّلد عن أنظمة الفرامل في السيارة -التي تشمل وسادات وبطانات الكبح- جزئيات دقيقة عند استعمالها نتيجة الاحتكاك الشديد، وتتكون هذه الجسيمات الدقيقة على البلاستيك أيضاً. تشكّل الجزيئات الدقيقة الناجمة عن تآكل الإطارات بالإضافة إلى تلك الناجمة عن الفرامل ما يُسمى «الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من حركة المرور على الطرق».

تنتج آسيا الكمية الأكبر من كلا النوعين من تلك الجسيمات أكثر من القارات الأخرى. بينما تنتج الولايات المتحدة وأوروبا كمياتٍ كبيرة من الجزيئات الناتجة عن تآكل الفرامل ؛نظراً لأعداد المركبات الكبيرة فيها.

يمكن لهذه الكميات الكبيرة من الدقائق البلاستيكية التي تنتج على الطرق أن تنتقل بسهولةٍ شديدة عبر الهواء، والبقاء طافية فيه لفترة طويلة من الزمن، لذلك هناك احتمالٌ كبير أن ينتهي بها الأمر على بعد آلاف الأميال من موقع تشكلها في المحيطات.

لفهم كم من المسافة يمكن أن تقطعها هذه الجسيمات عبر الغلاف الجوي، قدّر الباحثون ذلك بناءً على أحجامها. وجد الباحثون أن الجسيمات الأصغر الناتجة عن الإطارات يمكن أن تنتقل لمسافاتٍ أكبر، ويمكن أن تبقى طافية في الهواء من 18 إلى 37 يوماً في المتوسط. أما الجسيمات الأكبر لا تنتقل بعيداً، وبدلاً من ذلك تشكّل بقعاً من المواد البلاستيكية الدقيقة بالقرب من الطرق التي تُنشر منها. وقد وجد الباحثون أن الجسيمات الصغيرة الخفيفة يمكنها أن تنتقل بعيداً في جميع أنحاء العالم، وحوالي 43% منها ينتهي بها المطاف على اليابسة، و57% المتبقية ينتهي به المطاف في المحيطات.

أمامنا طريق صعب

يمكن أن ينتهي الأمر بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة المتشكلة على الطرقات، والآتية من الإطارات والمكابح في الأماكن النائية حيث لا توجد طرق أو سيارات، مثل القطب الشمالي، حيث تشكل هذه الملوثات تهديداً أكبر هناك. فنظراً لأن تلك الجسيمات داكنة اللون وتمتص الضوء أكثر، فقد تؤدي لارتفاع درجة الحرارة هناك وذوبان الجليد في تلك المناطق.

وربما تكون كمية تلك الجسيمات المنبعثة من المركبات أكبر من تلك المُقدرة في الدراسة الأخيرة. فلم يأخذ فريق البحث بعين الاعتبار الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي يمكن أن تنجم عن المركبات التي لا تستخدم الطرق، مثل الجرارات وآلات البناء. فبالرغم من أنها أقل عدداً من السيارات، إلا أنها تحمل أحمالاً ثقيلة يمكنها تسريع تآكل الإطارات وأنظمة الفرامل، بالتالي طرح كمياتٍ كبيرة من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة.

بالنظر إلى اعتماد المجتمعات الكبير على السيارات والسفر على الطرق، ومدى كفاءة المطاط الاصطناعي في صنع الإطارات، قد يكون من الصعب جداً التخلّص من مصدر هذه الجسيمات البلاستيكية الضارة.

تم نشر المقال في موقع ذا كونفيرسيشن

المحتوى محمي