صرّح كاتب الخيال العلمي "آرثر سي كلارك" قبل سنوات بأن أي تقدم تكنولوجي كبير لا يختلف كثيراً عن السحر. تسري هذه المقولة على خوذات حماية الرأس والنظارات التي تقوم بالتعتيم بشكل تلقائي وفقًا لدرجة الإضاءة، ويُسمى هذا التغيّر في درجة تعتيم العدسات "فوتوكروميزم - Photochromism"، وهو يعتمد على تفاعلات كيميائية قابلة لانعكاس مسارها تحدث عندما تتعرض المادة داخل النظارة الزجاجية أو البلاستيكية لأطوال موجية معينة من الضوء.
ظهرت العدسات الزجاجية الفوتوكرومية للمرة الأولى في النظارات، وهي العملية التي ابتكرتها معامل كورنينغ للنظارات في ستينيات القرن العشرين، حيث قامت بمزج مادة كلورايد الفضة مع الزجاج، وصبّ مادة العدسة، ثم المعالجة الحرارية للعدسات، وأخيرًا تمت إضافة جزيئات كلورايد الفضة بعد المعالجة الحرارية للعدسة. يؤدي تعرض العدسات للموجات فوق البنفسجية الخاصة بالضوء إلى تحلل كلورايد الفضة إلى عناصره الأساسية، ففي الضوء الساطع، تمتلئ العدسات بجزيئات مجهرية دقيقة من عناصر الفضة، فتتعرض للتعتيم، وعند غياب الإضاءة فوق البنفسجية، تعود الفضة للتفاعل مع الكلورايد الموجود في العدسة، فتصبح شفافة من جديد، وتتباين كمية كلورايد الفضة في العدسات استجابة لتبدل قوة الإضاءة.
تتّبع جميع التفاعلات الكيميائية نفس القوانين، على سبيل المثال تزداد سرعة التفاعل مع ارتفاع درجة الحرارة، وتقل مع انخفاضها. ففي الأيام شديدة الحرارة قد يحدث تفاعل الفضة مع الكلورايد بسرعة كبيرة، فلا يتم تعتيم العدسة بالكامل، وعندها يسبق التفاعل الكيميائي في سرعته سرعة تبدل درجة الضوء. والعكس صحيح في الأيام شديدة البرودة. كذلك بسبب تفرق المادة الفوتوكرومية المضافة على امتداد العدسة بالتساوي، تتباين سرعة تعتيم العدسة بحسب سُمكها. كما أن التفاعل الكيميائي العكسي لا يحدث بكفاءة كاملة، ما يعني أن مع مرور دورات كثيرة من التعتيم والتفتيح، تُنزع العدسات لعدم العودة إلى حالتها الشفافة النقية المفترض أن تكون عليها عند غياب الضوء القوي.
من مزايا هذه العدسات مقارنة بزجاج السيارة الأمامي هو أنه تمت هندستها حتى تحجب كافة مكونات الأشعة فوق البنفسجية القادمة من ضوء الشمس. ففي السيارات الحديثة يبقى زجاج السيارة الأمامي غير معتم بغض النظر عن كمية الضوء التي تصله، لكن لا يحدث المثل بالنسبة لسائقي الدراجات النارية.
المواد العضوية الفوتوكرومية الجديدة المضافة إلى العدسات الزجاجية أو البلاستيكية تسمح باختزال فترة استجابة العدسة لتبدل الضوء بدرجة كبيرة، مع تراجع نسبة التأثر بدرجة الحرارة وعدد دورات التعتيم والتفتيح. مصدر الصورة: درو رويز
أعدّ المصممون إضافات فوتوكرومية جديدة بأداء أفضل، مما يتيح استجابة أسرع لصالح من يرتدون خوذات قيادة الدراجات النارية. هذه الإضافات هي جزيئات فوتوكرومية عضوية - منها مادة إندولينو-سبيرونافثوكسين - التي تُضاف إلى العدسات البلاستيكية عبر تقنية من اثنتين: الأولى هي عملية الدمج الحراري، حيث يتم دمج إطار خارجي من الجزيئات العضوية يصل حجمه إلى 0.006 بوصة في العدسة، ثم يقوم العمال بإضافة الغلاف الخارجي المقاوم للخدش إلى العدسة.
أما شركة "ترانزيشنس" المتخصصة في تكنولوجيا الفوتوكروم، فلديها طريقة مختلفة تسميها "الترانس-بوندينغ - Trans-Bonding "، وهي تُستخدم في حالة عدم توافق مواد العدسة مع عملية الدمج المذكورة. عملية الترانس-بوندينغ تؤدي إلى إنشاء طبقة رفيعة من المادة الفوتوكرومية فوق سطح العدسة مباشرة. وبغض النظر عن الطريقة الفنية، فقد سمحت باقة عريضة من الإضافات الفوتوكرومية العضوية للعدسات الحديثة بأن تكون أسرع استجابة، وأقل تأثراً بدرجات الحرارة، وأن تتيح باقة عريضة من الألوان. حتى أن العدسات الحديثة تستجيب للضوء الأزرق بالإضافة إلى الأشعة فوق البنفسجية، ما يعني أنها أصبحت مفيدة في السيارات.
هناك مُنافس واحد للعدسات الفوتوكرومية: العدسات الكهروكرومية. إذا كنت قد سافرت على متن طائرة من طراز بوينغ 787، فسوف تلاحظ أن نوافذها ليس عليها ستار، إنما هناك زر. قم بضغط الزر وسوف تتحول النافذة من الحالة الشفافة إل حالة معتمة بظلال زرقاء ثقيلة، واضغط مرة أخرى وسوف تصبح النافذة سوداء تماماً. تعتمد هذه التكنولوجيا على استخدام مادة جيل بين لوحين من الزجاج، وتتغير درجة شفافية هذه المادة استجابة لتيار كهربائي صغير يمر عليها.
تحتاج عدسات حماية الوجه الكهروكرومية إلى مصدر للطاقة، لكنها تتبدل بشكلٍ أسرع بكثير في درجات تعتيمها، مقارنة بالعدسات الفوتوكرومية. وتدّعي عائلة "إي-تينت أكيرا" التي تنتج خوذات الدراجات النارية أن عدساتها الجديدة قادرة على تبديل درجات الشفافية في جزء من عشرة من الثانية. قد تكون هذه الخوذات مكلفة، لكن من قال أن السحر زهيد الثمن!