مركبة فضائية بحجم السيارة تنطلق نحو الشمس قريباً

3 دقائق
تخيل فني للمسبار الشمسي باركر أثناء اقترابه من الشمس

قررت ناسا أن تقلد رواد الشاطئ الذي يسعون للاسمرار في العطلة، وتضرب موعداً مع الشمس هذا الصيف. وفي أغسطس، ستطلق وكالة الفضاء المسبار الشمسي باركر في رحلة لسبع سنوات للاقتراب من الشمس بشكل يفوق أي شيء آخر من صنع الإنسان. ستشهد البعثة تلاقي المركبة الفضائية -التي تقارب في حجمها السيارة- مع الهالة، وهي الطبقة الخارجية من الغلاف الجوي للشمس، وتقع على بعد ملايين الكيلومترات من سطح نجمنا المتألق.

بعد حركة التفافية حول الزهرة لاكتساب السرعة، سيقترب المسبار نفسه إلى مسافة 6 ملايين كيلومتر تقريباً من سطح الشمس، مقتحماً الهالة لإجراء مجموعة من التجارب لدراسة ثلاثة من أكبر ألغاز الشمس: تأثير الحقول الكهربائية والمغناطيسية في الهالة على الرياح الشمسية، سبب تسارع الجسيمات عالية الطاقة نحو الفضاء، وسبب كون الهالة أشد حرارة من سطح الشمس نفسها بعدة ملايين من الدرجات المئوية.

لطالما درس العلماء الرياح الشمسية، وهي دفق من البلازما المشحونة من الشمس، ولا يقتصر تأثيرها على ظهور الشفق القطبي عندما تلتقي مع الحقل المغناطيسي الأرضي، ولكنها أيضاً تتسبب بالتشويش على عمل أنظمة الاتصالات. لا يدري العلماء كيف تتسارع هذه المواد لتصل إلى سرعات هائلة تفوق 1.6 مليون كيلومتر في الساعة. ويعتقد من الناحية النظرية أن هذا يحدث ضمن الهالة، ولهذا سيكون المسبار الشمسي باركر وترسانته من الأدوات (يمكنك أن تقرأ المزيد عن هذا الموضوع هنا) في مكان مثالي عند الوصول إلى الشمس لمراقبة أنماط الطاقة المضطربة.

ستقوم المركبة الفضائية أيضاً بالبحث عن أحداث كبيرة محددة ضمن الهالة، والتي قد تتسبب بالتسارع الكبير للمادة عالية الطاقة نحو الفضاء. يقول روب ديكر، العالم النائب في مشروع المسبار الشمسي باركر في مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز: "نحن مهتمون بدراسة أمواج الصدمة القوية الصادرة عن الشمس بفعل انفجارات هائلة للمواد الشمسية، تعرف باسم "الانبعاث الكتلي الإكليلي"، وكيفية تأثيرها لزيادة سرعة الجسيمات المشحونة إلى طاقات هائلة تقاس بمركبة فضائية قرب مدار الأرض. ومع مرور أمواج الصدمة هذه قرب المسبار الشمسي باركر، ستقوم أدواته بقياس خصائصها وخصائص الجسيمات المشحونة في المراحل الأولى من عملية اكتساب الطاقة".

سيقوم المسبار أيضاً بدراسة درجات الحرارة الشديدة للهالة. حيث تبلغ حرارة سطح الشمس درجة منخفضة نسبياً لا تتجاوز حوالي 3800 درجة مئوية، على حين أن البلازما في الهالة تصل إلى عدة ملايين من الدرجات المئوية، وهو لغز محير، لأن طاقة الشمس تنبعث من نواتها، وبالتالي من المنطقي أن نتوقع تناقص الحرارة مع الابتعاد عن النواة. يقول ديكر: "بما أن المسبار الشمسي باركر سيمر عبر هذه الهالة الحارة على بعد 9 أنصاف أقطار شمسية فقط (يبلغ نصف قطر الشمس حوالي 700000 كيلومتر) من سطح الشمس، فسوف تتمكن أدوات المركبة الفضائية من التقاط الإشارات المتبقية من العملية الأساسية لتسخين الهالة".

بالطبع، وبما أن المسبار يجب أن يكون قادراً على تحمل الحرارة الشديدة، توجب تطوير تقنيات جديدة لحماية الأدوات الحساسة، وهي عملية استغرقت تقريباً ستة عقود. يمكن تتبع أصول هذه البعثة إلى العام 1958، عندما قام الفيزيائي الفلكي يوجين باركر –الذي سمي المسبار تيمناً به- بنشر بحث يتوقع فيه وجود الرياح الشمسية نظرياً، والتي لم تكن قد سجلت أو قيست من قبل، وقد أثبتت صحة نظريته بعد عامين فقط. ومنذ ذلك الحين، تطلع العلماء إلى إرسال مسبار لدراسة الشمس. يقول ديكر: "استغرق تطوير التقنيات عدة عقود حتى أصبحت قادرة على مجاراة الطموحات العلمية. ومن أهم الأمثلة على هذه التقنيات التي صممت وطورت للمسبار، وأصبحت جزءاً منه، نظام الحماية الحرارية والمصفوفة الشمسية ذات التبريد الفعال".

لن يقتصر مفعول سيل البيانات التي سيرسلها المسبار الشمسي إلى الأرض على إثارة حماس العلماء، بل سيكون له أثر كبير أيضاً على السفر الفضائي المأهول. حيث أن الجسيمات عالية الطاقة التي تضرب الأرض بعد اشتداد النشاط الشمسي تشكل أخطاراً إشعاعية ذات تأثيرات خطيرة على البشر، مثل رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية، أو لاحقاً، رواد الفضاء على المريخ، إضافة إلى تأثيرها على عمل التجهيزات الإلكترونية الحساسة في المركبات الفضائية. يقول ديكر: "الهدف النهائي هو توقع توقيت الأحداث الشمسية الانفجارية، مثل الوهج الشمسي والانبعاثات الكتلية، والتي تنتج هذه الجسيمات. ستساعدنا قياسات المسبار الشمسي باركر على تحديد الدلالات الخفية للنشاط الشمسي والتي تسبق وقوع الانفجارات الشمسية". وإذا تمكنا من توقع حدوث النشاط الشمسي مسبقاً، فقد نتمكن من تحذير البعثات المأهولة، كما تساعدنا الرادارات والأقمار الاصطناعية على تتبع أنظمة الطقس على الأرض.

مع كل دورة للمسبار الشمسي باركر حول الشمس، لدينا بعض الوقت قبل أن تصل النتائج، حيث أن المركبة الفضائية لن تدخل الهالة قبل الدورة الثانية والعشرين في 2024. ولكنها ستبدأ بإرسال البيانات مع أول اقتراب في نوفمبر من هذ العام، ونأمل بأن تقود إلى إنجازات مبكرة. وإلى ذلك الحين، نحن بالانتظار على أحر من هالة شمسية.

المحتوى محمي