تزداد سمعة الضوء الأزرق سوءاً يوماً بعد يوم؛ فقد وجد الباحثون صلةً ما بين الضوء المرئي عالي الطاقة الصادر عن الشمس والهاتف الخليوي (وأغلبية الأدوات الرقمية التي نجدها بين أيدينا أو على طاولاتنا) وبين اضطرابات التواتر اليومي (وهي العمليات البيولوجية التي تتكرر يومياً بإيقاع محدد)، كما انتبه الأطباء إلى العلاقة ما بين أجهزتنا المفضلة ومشاكل الأعين؛ بدءاً من الإجهاد الشائع، ووصولاً إلى المياه الزرقاء والتنكس البقعي.
ويستطيع البشر رؤية طيف صغير من الضوء يتراوح ما بين الأحمر والبنفسجي؛ تظهر الأطوال الموجية الأصغر بلون أزرق، في حين تظهر الأطوال الموجية الأكبر بلون أحمر، أما الضوء الأبيض -سواء أكان صادراً عن الشمس أو الشاشة- فيتضمن في الواقع جميع ألوان الطيف تقريباً.
وفي بحث نُشر مؤخراً في مجلة Scientific Reports، بدأ الباحثون في جامعة "توليدو" يفهمون العملية التي يؤدي بها التعرض القريب أو المطول للأمواج الضوئية بطول 445 نانومتر -المسماة بالضوء الأزرق- إلى ضرر دائم في خلايا العين، وقد تؤثر النتائج بشكل كبير على التكنولوجيا الاستهلاكية.
يقول أجيث كاروناراثني (بروفسور كيمياء ومؤلف الدراسة): "يمكن أن نشبِّه المستقبلات البصرية بالسيارة، ومادة الريتينال بالوقود"؛ فعندما عُرِّضت خلايا العين في المختبر إلى الضوء الأزرق بشكل مباشر -وبشكل يحاكي نظرياً ما يحدث عند التحديق إلى الهاتف أو شاشة الحاسوب- أطلقت الأمواج عالية الطاقة تفاعلاً كيميائياً في الجزيئات الشبكية في العين، وتسبب الضوء الأزرق بأكسدة مادة الريتينال، منتجاً "أنواعاً كيميائية سامة" كما يقول كاروناراثني؛ حيث إن الريتينال -الذي يحمل كمية إضافية من الطاقة بسبب هذا النطاق الضوئي تحديداً- يقتل الخلايا البصرية المستقبلة، والتي لا تتجدد إذا تعرضت للأذى؛ وكما يقول كاروناراثني: إذا كان الريتينال هو الوقود، فإن الضوء الأزرق هو الشرارة الخَطِرة التي تشعله.
ونجد الضوء الأزرق بشكل طبيعي في ضوء الشمس الذي يحتوي أيضاً على أشكال أخرى من الضوء المرئي، إضافة إلى الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، ولكن -وكما يشير كاروناراثني- فنحن لا نحدق في الشمس كثيراً، وقد تعلمنا في طفولتنا أن النظر مباشرة إلى الشمس يدمر العينين، أما الأجهزة الرقمية فتمثل خطراً أكبر؛ حيث يمضي الأميركي العادي حوالي 11 ساعة يومياً أمام شاشةٍ من نوع ما، وذلك وفقاً لاستبيان من شركة نيلسن في 2016، ولا شك في أنك تعرض نفسك للضوء الأزرق في هذه اللحظة تحديداً وأنت تقرأ هذه المقالة.
إننا حين نحدق في شاشاتنا مباشرة -خصوصاً في الظلام- نوجِّه الضوء إلى منطقة صغيرة جداً داخل العين، يقول كاروناراثني: " في الواقع يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة شدة الضوء الصادر عن الجهاز بشكل كبير، وبشكل مشابه لما يحدث عند حمل عدسة مكبرة أمام الشمس؛ حيث تصل الحرارة في المحرق إلى درجة تكفي لحرق شيء ما".
بدأ بعض مصممي خبرة المستخدم بانتقاد اعتمادنا الكبير على الضوء الأزرق، وبما فيهم أمبر كيس؛ وهي مؤلفة كتاب "Calm Technology"، وقد وثقت على مدونتها في منصة "ميديوم" كيف أصبح الضوء الأزرق بمنزلة "لون المستقبل"، وهذا يعود جزئياً إلى أفلام مثل فيلم Blade Runner في 1982، كما أن الانتقال بيئي الطابع من المصابيح المتوهجة إلى مصابيح الليد عالية الفعالية ومنخفضة الاستهلاك دفعنا أكثر نحو الضوء الأزرق، ولكن -كما كتبت كيس- "إذا ساهمت الثقافة الشعبية في دفعنا نحو الضوء الأزرق الذي يؤذينا كثيراً؛ فقد تساعدنا أيضاً في الانتقال نحو تصميم جمالي جديد مبنيٍّ على اللون البرتقالي".
وتلاحظ كيس أن التقنيات العسكرية ما تزال تعتمد على الضوء الأحمر أو البرتقالي في الكثير من واجهاتها، بما فيها تلك المستخدمة في غرف التحكم وحجرات القيادة؛ حيث "إنها ألوان ضعيفة التأثير، وممتازة للاستخدام في النوبات الليلية"، كما أنها تلغي مسألة "الشذوذات البصرية" التي يتسبب فيها الضوء الأزرق؛ وهي الإحساس بالسطوع الشديد لضوء الشاشة في الظلام، والذي غالباً ما يرافق الضوء الأزرق، وقد يكون خطيراً في بعض الأوضاع.
وتقدم آبل إمكانية تفعيل "نمط ليلي" على هواتفها، مما يسمح للمستخدمين بالتخلص من اللون الأزرق، وفلترة الشاشات بمسحة برتقالية بلون الغروب، كما توجد الكثير من الملحقات المخصصة للتحكم في تدفق اللون الأزرق إلى أعيننا، بما فيها واقيات الشاشات للحواسيب المكتبية، بل توجد حتى نظارات شمسية مخصصة لهواة ألعاب الفيديو من أجل فلترة الضوء الأزرق، ولكن -مع ازدياد وضوح الضرر، وتناقص وضوح الرؤية- قد يكون المستخدمون في حاجة إلى تغييرات أكبر.
ويخطط كاروناراثني للتركيز على جمع البيانات في المستقبل المنظور، ويقول: "هذا توجه جديد في طريقة النظر إلى أجهزتنا، وسنحتاج إلى بعض الوقت لتحديد مدى الضرر الذي تتسبب فيه الأجهزة على المدى الطويل، وسيصبح السؤال عندما يكبر الجيل الجديد: هل وقع الضرر ولم يعد هناك مجال لإصلاحه؟" ولكنه -بعد أن حدد العملية الكيميائية للضرر باللون الأزرق- بدأ أيضاً في البحث عن أساليب جديدة للتعامل معه، حيث يقول: "من يدري؟ فقد نتمكن يوماً ما من تطوير قطرة عينية يمكنك استخدامها قبل التعرض للضوء الشديد من أجل تخفيف الضرر".