كيف سيصبح توزع الترسانة النووية عالمياً في السنوات القادمة؟

4 دقائق
وفقاً للبنتاغون: الصين قادمة بقوة إلى حلبة الأسلحة النووية المهيمنة عالميّاً
غواصة نووية أميركية تحمل رؤوساً باليستية تتلقى الإمدادات من طائرة "إم في 22" في أغسطس/ آب عام 2018. البحرية الأميركية

أصدرت وزارة الدفاع الأميركية تقريرها السنوي حول القوة العسكرية للصين في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، وتعرض فيه نظرة عامة حول كيفية تقييم جيش الولايات المتحدة للدولة الوحيدة التي يعتبرها منافساً حقيقياً محتملاً. كان من اللافت للنظر أن التقرير ذكر أن الصين لا توسع ترسانتها النووية فحسب، بل من المرجح أن تكون في طريقها لامتلاك 1500 رأس حربي نووي بحلول عام 2035.

الصين: ثالث أكبر ترسانة للأسلحة النووية

لا تُعد الرؤوس الحربية النووية المقياس الوحيد للقوة التدميرية لأي دولة، لكن هذه الأسلحة تلفت الانتباه أكثر من بقية الأسلحة. تمتلك الصين حالياً ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة.

ويقدر البنتاغون في التقرير أن ترسانة الصين تضم حاليا أكثر من 400 رأس حربي، بينما يقدر اتحاد العلماء الأميركيين، والذي يصدر تقييماً مستقلاً للقوات النووية، ترسانة الصين بأكثر من 350 رأساً حربياً بدءاً من أوائل عام 2022. حتى تمتلك الصين 1500 رأس حربي بحلول عام 2035، يتعين عليها إنتاج 85 رأساً حربياً كل عام حتى ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: حرب جوجل والصين: تعرف إلى الكمبيوتر الكمومي وكيف سيخدم البشر

الترسانات النووية

تتماشى ترسانة الصين النووية، على الرغم من ضخامتها وتناميها، نسبياً مع ترسانات الهند وباكستان والمملكة المتحدة وفرنسا. بشكل أكثر تحديداً، يقدّر الاتحاد أن الهند تمتلك 160 رأساً حربياً، بينما تمتلك فرنسا 290 رأساً. (وأقلها، كوريا وإسرائيل بـ 20 و90 رأساً حربياً على التوالي).

جميع هذه الترسانات معاً أقل بأشواط من ترسانة الولايات المتحدة البالغة 5428 رأساً حربياً ومن ترسانة روسيا البالغة 5977 رأساً حربياً، وبالتالي فإن أضخم ترسانة في العالم تعادل 300 مرة حجم أصغر ترسانة، وذلك فرق كبير. ولكن هذه الفجوة تعود إلى حد كبير إلى معطيات تاريخية أيضاً، حيث كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (الذي ورثت روسيا منه ترسانتها الحالية) أول دولتين تطوران وتختبران الأسلحة النووية، وقد تم ذلك في سياق الحرب الباردة بعد أن استخدمت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين في نهاية الحرب العالمية الثانية.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وروسيا لا تزالان ملتزمتين بمعاهدات الحد من التسلح، وأهمها معاهدة "نيو ستارت" (New START). في حين تحتفظ الولايات المتحدة وروسيا بآلاف الرؤوس الحربية في المستودعات أو المخازن، إلا أن التقديرات تشير إلى أن كلاً منهما ينشر نحو 1600 رأس حربي، وهذه الأرقام مقاربة لتقديرات البنتاغون حول عدد الرؤوس النووية التي تعمل الصين لنشرها.

اقرأ أيضاً: تعرف على هذه الطائرات الصينية الجديدة المسيرة تحت الماء

كانت زيادة أعداد الرؤوس الحربية خلال الحرب الباردة مدفوعة بالتقدم التكنولوجي والتغيرات الاستراتيجية. تم تطوير صواريخ قادرة على حمل عدة رؤوس نووية وإطلاقها في نفس الوقت كأحد الأساليب التي تضمن إحداث التدمير في مواجهة الدفاعات المتطورة، مثل الصواريخ الاعتراضية أو صوامع الصواريخ النووية المصممة لتحمل الهجوم النووي. يمكن للتكنولوجيا الجديدة، كالأسلحة الفرط صوتية التي تعمل روسيا والصين والولايات المتحدة على تطويرها باستمرار، إغناء ترسانة هذه الدول بالمزيد من الرؤوس الحربية، ما يضمن أن الصواريخ التي يتم إطلاقها في أي هجوم يمكن أن تحدث تدميراً كافياً عند وصولها.

منصات الإطلاق

الرؤوس الحربية هي أصغر وحدة من مكونات الترسانة النووية، ولكنها في النهاية الجزء الفعّال الذي يحدث الانفجارات. لكن الرأس النووي بحد ذاته لا يُعد أكثر من تهديد ما لم يتم إطلاقه نحو الهدف، إذ ما يحدد فعالية الرأس الحربي الفعلية هو الوسيلة المتاحة لإطلاقه.

يوجد في الولايات المتحدة ما يُعرف بالثالوث النووي: الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) التي تُطلق من الصوامع، والصواريخ التي تُطلق من الغواصات بالإضافة للأسلحة التي تطلق من الطائرات. ولكن حتى هذا الثالوث الذي يبدو بسيطاً لا يصف تماماً مدى تعقيد عمليات الإطلاق. يمكن للولايات المتحدة إطلاق صواريخ كروز المزودة برؤوس حربية من الجو بواسطة القاذفات، وهو سلاح يمكنه اتخاذ مسار مختلف عن القنابل غير الموجهة أو الصواريخ الباليستية.

يوضح تقرير البنتاغون تفاصيل منصات الإطلاق الصينية الجوية والبحرية والبرية التي تمتلكها. بالنسبة للجو، تمتلك الصين قاذفات القنابل من طراز "إتش- 6 إن" (H-6N) الحالية. وفي البحر، تمتلك الصين 6 غواصات نووية عاملة، ومن المتوقع أن تنتهي من تطوير غواصة نووية من الجيل التالي خلال العقد الحالي. وعلى اليابسة، تمتلك الصين عربات متنقلة لإطلاق الصواريخ يمكنها نقل وإطلاق صواريخ بعيدة المدى من جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى المزيد من صوامع الصواريخ القادرة على احتواء الصواريخ الباليستية العابرة للقارات تحت الأرض.

اقرأ أيضاً: الصين تصنّع أسراباً بالآلاف من الطائرات المسيّرة

يعد توزيع الرؤوس الحربية عبر الغواصات والطائرات والعربات المتنقلة على الطرق والصوامع مؤشراً مهماً لأنه يشير إلى نوع الحرب النووية التي تتوقعها الدولة أو تريد ردعها. وتبرز في هذا الصدد صوامع الصواريخ لأنها مصممة أصلاً لإطلاق الصواريخ رداً على الضربة الأولى مثل الغواصات النووية، ولكن على عكس الصواريخ التي تُطلق من الغواصات، تهدف صوامع الصواريخ تحديداً إلى جذب الهجوم النووي التالي لإبعاد قوة نيران العدو عن المدنيين أو القيادة العسكرية.

بالمقابل، تصبح الصواريخ المنقولة على الطرق عرضة للخطر عند اكتشافها، ولكن يمكن إعادة تموضعها لتجنب الضربات مثل الغواصات والقاذفات النووية، مع ميزة إضافية تتمثل في إمكانية اكتشاف مواقعها عبر الأقمار الصناعية. في الواقع، تنطوي عملية إرسال الإشارات النووية -عندما تستخدم دولة ما مواقع أسلحتها النووية وجاهزيتها لتوصيل الرسائل إلى دول أخرى بشكل غير مباشر- على الخداع، ولكن إحدى العلامات التي تبحث عنها الدول هي التعبئة الظاهرة التي يمكن اكتشافها عبر الأقمار الصناعية.

اقرأ أيضاً: الصين تبني أكبر منشأة لصناعة الغواصات النووية في العالم

في النهاية، وعلى الرغم من صعوبة معرفة حجم الترسانات النووية بشكل دقيق، فإن زيادة أعداد الرؤوس الحربية تشير إلى تنامي هذه الترسانات. في الواقع، إنتاج الأسلحة النووية عمل شاق وينطوي على الكثير من المخاطر، كما أن استخدامها، حتى للردع، أمر محفوف بالمخاطر أيضاً.

الشيء الوحيد المؤكد حتى الآن هو أن الحديث عن أن روسيا والولايات المتحدة هما القوتان النوويتان الوحيدتان المهيمنتان في العالم ربما سينتهي قريباً. لقد تم إبرام معاهدات الحد من التسلح خلال الحرب الباردة، والتي ساعدت في إيقاف التسلح وتخفيض حجم الترسانات النووية بشكل ملموس، في سياق اتفاقات ثنائية بين الدول. ولكن من المرجح أن يكون تخفيض الترسانات في القرن الحادي والعشرين جهداً متعدد الأطراف.

المحتوى محمي