منذ أن أدرك البشر مدى خطورة الوقود الأحفوري والأضرار الناجمة عنه من تلوث الهواء وتغير المناخ وتراجع في صحة الإنسان ونشر الأمراض، أصبح لا بد من تغيير الاتجاه نحو الطاقة النظيفة أو المتجددة، والتي هي أكثر أماناً وأقل سعراً.
تتعدد أنواع تلك الطاقة، فمنها: طاقة الرياح والطاقة الشمسية والكهرومائية وغيرها. ويعمل العلماء والباحثون على تطوير هذه الطاقات وتحقيق أقصى استفادة منها. وفي هذا الصدد، استطاعت مجموعة من الباحثين في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، تعزيز إنتاجية الخلايا الشمسية، بحيث يمكنها إنتاج كميات أكبر من الطاقة الكهربائية ليلاً، ونُشرت الدراسة في دورية "رسائل الفيزياء التطبيقية" (Applied Physics Letters) في 5 أبريل/نيسان 2022.
الألواح الشمسية
يتكون اللوح الشمسي من مجموعة خلايا صغيرة يُطلق عليها الخلايا الشمسية، تتعرض تلك الخلايا للشمس، وتعمل على تحويل الطاقة الضوئية إلى كهرباء. كلما ازدادت كمية الضوء المصطدمة بالخلية، تزداد إنتاجيتها من الكهرباء. وقد اتجهت أنظار العالم نحو تلك الألواح في السنوات الأخيرة، فهي موفرة من ناحية ومصدر نظيف للطاقة من ناحية أخرى، ما يجعلها فرصة مذهلة لنجدة العالم من مشكلات التغير المناخي التي يسببها الوقود الأحفوري، كما تستخدمها وكالات الفضاء في تصميم المركبات الفضائية وتوجيهها نحو الشمس، لتحصل على قدر من الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.
الاستفادة من الطاقة الشمسية ليلاً
تستطيع الخلايا الشمسية إنتاج بين 100 إلى 200 واط/متر مربع أثناء شروق الشمس، لكن تقل الإنتاجية ليلاً لتصل إلى 50 ميغا واط/متر مربع، وهذا يصنع فارقاً كبيراً، لذلك سعى الباحثون إلى تعظيم إنتاجية الطاقة الشمسية في الليل عن طريق ما يُعرف بـ "التبريد الإشعاعي"، وهي ظاهرة تحصل في المساء لخفض درجة الحرارة من خلال إطلاق الحرارة في السماء ليلاً. استغل الباحثون هذه الحرارة التي من المفترض أن تطلقها الألواح الشمسية ليلاً بعد امتصاص الطاقة الشمسية طوال ساعات النهار، وبدؤوا بتجميعها للاستفادة منها في توليد الكهرباء بمعدل أكبر من المعتاد ليلاً.
وللحصول على هذه الطاقة الحرارية، دمج الباحثون خلية شمسية مع وحدة توليد كهروحرارية (TEG)، بحيث تُوضع وحدة التوليد أسفل الخلية الشمسية، وتم توصيلهما ببعضهما عن طريق لوح من الألومنيوم ينقل الحرارة من الخلية الشمسية إلى وحدة التوليد الكهروحرارية التي تتصل من الجانب الآخر بالهواء المحيط من خلال مشتت حراري، وبذلك يستطيع الباحثون الاستفادة من الحرارة بدلاً من إطلاقها في السماء، ليتم تحويلها فيما بعد إلى طاقة كهربائية.
تجربة الابتكار لأول مرة
كانت أول محاولة من الباحثين لتجربة النموذج الأولي للخلية الشمسية المدمجة بوحدة التوليد الكهروحرارية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 فوق أسطح أحد المباني في مدينة ستانفورد لمدة 3 أيام، وقد توّصلوا إلى أنهم يستطيعون إنتاج طاقة كهربائية تصل إلى 100 ميغاواط/متر مربع. ويرى مؤلفو الدراسة أنهم يستطيعون تطوير النموذج أكثر من ذلك، فقد استخدموا في هذه المرة خلية شمسية عادية، فإذا استطاعوا تصميم أخرى للتبريد الإشعاعي، هذا سيُوفر فرقاً أكبر من درجات الحرارة، ما يزيد الطاقة التي يمكن إنتاجها.
يواجه الباحثون في جامعة ستانفورد مجموعة من التحديات الصعبة، أبرزها تصميم نموذج جديد من الخلايا الشمسية التي يمكنها التعامل مع عملية التبريد الإشعاعي، ما يعزز إنتاجية الطاقة الكهربائية في النهاية. ومن جانب آخر، يخطط الفريق لتوسيع نطاق النموذج الأولى، بحيث تكبر مساحة الخلايا الشمسية. لكن يرى الباحثون أنّ التكلفة قد تكون باهظة بعض الشيء، نظراً لارتفاع أسعار وحدات التوليد الكهروحرارية. لكنهم على أي حال متفائلين بمستقبل هذا الابتكار.