الميزة الأساسية التي تتمتع بها الطاقة المتجددة هي أنها تأتي من مصدرٍ لا يمكننا استهلاكه. لنأخذ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على سبيل المثال؛ فالشمس لن تتوقف عن السطوع، ولن تتوقف الرياح عن الهبوب (إذا حدث ذلك، سنواجه مشكلات أكبر بكثير من معرفة كيفية تشغيل أجهزتنا). طالما أننا نضع تكنولوجيات الطاقة هذه في الأماكن التي يمكننا الاستفادة فيها من مصادر الطاقة هذه إلى أقصى قدر ممكن، فيمكننا توليد كهرباء غير محدودة وظيفياً من الشمس والرياح مثلاً دون الاعتماد على الوقود الأحفوري وإنتاج غازات الاحتباس الحراري التي ترفع درجة حرارة الغلاف الجوي.
لكن الاستفادة من بعض مصادر الطاقة المتجددة أكثر تعقيداً بقليل، ويمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى جعل تسخير مواردنا المتجددة المفضلة أكثر صعوبة. وفي هذا الصدد، تُظهر لنا الزيادة الأخيرة في حالات الجفاف إلى أي مدى يمكن أن يكون ذلك مدمراً لمورد الطاقة الكهرومائية.
اقرأ أيضاً: ما هي كمية الطاقة التي يمكن توليدها دون أن نفقد السيطرة؟
يمكنك نظرياً تسخير الطاقة الحركية الناتجة عن جريان المياه أو تساقطها دون استخدام المياه نفسها، لذلك فهي ليست مصدر طاقة محدود مثل الوقود الأحفوري. في عام 2021، تم توليد نحو 260 مليار كيلو واط ساعي من الكهرباء من الطاقة الكهرومائية في الولايات المتحدة، وقد مثّلت هذه الكمية نحو 6.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء من المرافق على مستوى البلاد. تُعتبر الطاقة الكهرومائية ثاني مصادر الطاقة المتجددة استخداماً على مستوى البلاد، حيث تنتج أكثر من ضعف كمية الكهرباء التي تنتجها الطاقة الشمسية.
يقول ديف وايت، مدير المعهد العالمي للاستدامة والابتكار التابع لجامعة ولاية أريزونا: «تعد الطاقة الكهرومائية جزءاً أساسياً حقاً من محفظة الطاقة المتجددة لهذه المنطقة وللعديد من المناطق حول العالم».
لكن السدود التي يجب إنشاؤها للاستفادة من هذه الطاقة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على البيئة. إذ قد يؤدي إغلاق البحيرات والخزانات إلى الإضرار بالحياة المائية، وحتى إلى زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن طريق احتجاز النباتات والمواد العضوية الأخرى أثناء تحللها.
كما يتطلب إنشاء السدود وجود كمية كبيرة من الماء في مكان واحد، الأمر الذي بات مشكلةً في عصر التغير المناخي. نحن نشهد حدوث هذا الأمر بالفعل على الساحل الغربي، ولكن مع ازدياد حدة الجفاف في أنحاء مختلفة من العالم، يجب علينا إعادة النظر في طريقة إدارتنا لمياه الشرب والزراعة والطاقة الكهرومائية في المستقبل.
يقول ريتش سوركين، الرئيس التنفيذي لشركة "جوبيتر" لتحليلات مخاطر المناخ: «بدون تخطيط واستثمار، فإن المشهد سيكون كارثياً».
معضلة الطاقة الكهرومائية في بحيرة باول
يعاني غرب الولايات المتحدة حالياً من أسوأ موجة جفاف منذ 1200 عام، حيث تسببت في العديد من الكوارث من حرائق الغابات إلى ذوبان الثلوج الشديد وحتى ظهور بقايا جثثٍ قديمة من المسطحات المائية التي بات ينخفض فيها مستوى المياه بشكل مستمر. أصبحت بحيرة باول، ثاني أكبر خزان مائي في الولايات المتحدة، على وشك الجفاف.
تعمل مياه هذا الخزان العملاق على تشغيل سد جلين كانيون الذي يوفر الكهرباء لنحو خمسة ملايين شخص في العديد من الولايات، ولكن مستوى الماء فيه انخفض إلى نحو ربع المستوى اللازم لدعم هذا القدر من إنتاج الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بحيرة باول وسد جلين كانيون هما جزء من نظام نهر كولورادو الذي يوفر المياه لـ 40 مليون شخص (ما يعادل أكثر من 10% من سكان الولايات المتحدة) ويدعم الزراعة بمليارات الدولارات. يعاني أكثر من ربع امتداد النهر حالياً من "ظروف جفاف شديد"، الأمر الذي سيؤدي إلى خسائر كبيرة في المحاصيل والمراعي، فضلاً عن ندرة المياه وفرض المزيد من القيود على استهلاك المياه.
تقول مونا تيرني لويد، رئيسة السياسة العامة الأمريكية في مجموعة الطاقة النظيفة "إنيل نورث أميركا": «يكاد يكون من الصعب تخيل مدى أهمية وجود خزان مياه ضخم في ولاية أريزونا، والتي تعتبر أحد أكثر الأماكن جفافاً في العالم. لكنها أحد الأماكن الأساسية التي توفر الكهرباء لنحو 7 ولايات».
في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن المسؤولون عن خطة لوقف ضخ نحو 600 مليون متر مكعب من المياه في بحيرة باول، والتي تذهب عادةً إلى أريزونا ونيفادا وكاليفورنيا، وهو الأمر الذي تقول تانيا تروجيلو، مساعدة وزير الداخلية لشؤون المياه والعلوم في مكتب الاستصلاح بالولايات المتحدة، إن من شأنه الحفاظ على توليد الطاقة الكهرومائية لعام آخر أو أكثر بقليل. تقول تروجيلو لوكالة أسوشيتد برس في هذا الصدد: «لم نتخذ مثل هذه الخطوة من قبل في حوض نهر كولورادو، لكن الظروف التي نشهدها اليوم والمخاطر المحتملة التي نراها في الأفق تتطلب منا اتخاذ إجراءات فورية».
ووفقاً لوايت، فإن هذه المشكلة ليست بسبب أن الماء بات يجف بوتيرة أسرع فقط، بل لأن الطلب على المياه يتزايد مع استمرار الجفاف أيضاً.
ويضيف وايت: «تتداخل هنا الظروف البيئية، الجفاف الهائل من جهة وآثار تغير المناخ من جهة ثانية، ولدينا طلب متزايد على الماء. نحن ببساطة نستخدم مياهاً في المنطقة أكثر مما يستطيع النهر توفيره. واستراتيجياتنا التي عادة ما نلجأ إليها لإدارة هذه المشكلة، بشكل أساسي من خلال البنية التحتية مثل السدود والخزانات وأنظمة الإمداد، أصبحت الآن غير كافية إلى حد ما لمعالجة التحديات التي نواجهها».
كيف تعمل الطاقة الكهرومائية؟
تم استخدام الطاقة الكهرومائية منذ القرن التاسع عشر، حيث استُخدمت لتشغيل مصباح واحد لأول مرة في إنجلترا قبل أن يتم إنشاء أول محطة للطاقة الكهرومائية بعد 4 سنوات في ويسكونسن. بحلول القرن العشرين، كانت الطاقة الكهرومائية مُستخدمة في كل مكان.
التكنولوجيا نفسها بسيطة للغاية. تندفع المياه الموجودة في الخزان بفعل الضغط عبر صمام سحب لتصفيتها من الشوائب. بعد ذلك، يمر الماء عبر أنبوب كبير، حيث تقوم طاقته بتدوير التوربينات (بسرعة ملائمة لعدم إيذاء الأسماك التي يمكن أن تمر عبرها)، والتي بدورها تقوم بتدوير محور المولد الذي يحمل لفائف الأسلاك النحاسية ضمن حقلٍ مغناطيسي، ما يولد مجالاً كهربائياً، وبالتالي نحصل على الكهرباء. ثم يتم رفع جهد الكهرباء المولدة وتغذيتها عبر شبكة الكهرباء. ينتهي الماء في مجرى النهر، حيث يمكن نظرياً إعادة استخدامه لأغراضٍ أخرى.
تقول تيرني لويد: «ولكن لكي يعمل مثل هذا النظام، يجب أن تكون هناك كمية كافية من الماء لدفع السائل إلى صمامات السحب هذه. ما أدركه الآن، لا تولد التوربينات قدراً من الكهرباء بقدر ما تستطيع بسبب انخفاض مستويات المياه. إنها الطبيعة الفيزيائية فقط لعدم وجود ما يكفي من الماء لدفع الماء من حوله».
عندما يحدث هذا، نواجه معضلة حقيقية. هل نقوم بمنع تصريف المياه من الخزان إلى مجرى النهر للحفاظ على استمرار الطاقة، أم نترك المياه تجري لاستخدامها لأغراض أخرى حيوية مثل الشرب والزراعة وترك الخزان يجف؟
يقول جان بولشر، عالم الهيدرولوجيا في مختبر "إل إم دي" (LMD) في مدرسة البوليتكنيك في فرنسا: «سيكون نهر كولورادو المُدار بصرامة اختباراً لمعرفة ما إذا كان المجتمع قادراً على إعادة تقييم أولوياته وتكييف قواعد الإدارة للحوض بأكمله. يجب التضحية ببعض حقوق المياه لصالح الاستخدامات الأكثر أهمية».
الجفاف والطاقة الكهرومائية في المستقبل
على الرغم من أن الجفاف في الساحل الغربي هو مثال رئيسي على مدى تعقيد مشكلة الطاقة الكهرومائية، إلا أنه ليس المكان الوحيد في العالم الذي سيواجه هذه المشكلة في المستقبل، كما أنه ليس المكان الوحيد الذي ستتعرض فيه الطاقة الكهرومائية لمثل هذه المشكلات. على سبيل المثال، تعاني زامبيا من نقص الكهرباء لأسباب مشابهة، وكذلك الصين والبرازيل.
يقول براين تاروجا، باحث الطاقة في جامعة كاليفورنيا-إيرفين: «عندما لا يمكن الاعتماد على الطاقة الكهرومائية، يلجأ الناس عادةً إلى الوقود الأحفوري».
ويضيف قائلاً: «نحتاج إلى بناء أصول جديدة، واستثمار المزيد من موارد الطاقة المتجددة، والمزيد من سعة التخزين والمرونة وكل هذه الأشياء. لكن ذلك يستغرق وقتاً، فإذا كنا نعاني من عجز في الوقت الحالي، فإن المورد الهامشي عادة ما يكون الغاز الطبيعي».
ويشير تاروجا إلى أننا سنحتاج، مع تعزيز بنيتنا التحتية، إلى اكتشاف تقنيات هندسية جديدة يمكنها التعامل مع حالات الجفاف وآثار تغير المناخ الأخرى. قد يعني ذلك بنية تحتية تحتاج إلى كمية أقل من الماء لتعمل. والأهم من ذلك كما يقول هو ضمان توسيع مصادر الطاقة المتجددة الأخرى أيضاً، وإلا فإن أوجه القصور في الطاقة الكهرومائية ستجبرنا على العودة إلى الوقود الأحفوري.
ويضيف وايت من جانبه بأن على المناطق البدء في إعادة النظر في حقوق المياه وأولوياتها أيضاً. ربما كنا قادرين في السابق على تلبية مختلف أنواع الاحتياجات، إلا أن تغير المناخ قلل كمية المياه التي يمكن أن نتوقع الوصول إليها. إذا لم نعمل على تحديد أولويات عادلة لمواضع تقييد الاستخدام أولاً، فقد ينتهي الأمر بتحمل الفئات الضعيفة العبء الأكبر.
يقول وايت: «عندما نقرر استثمار مواردنا المالية والطبيعية في إنتاج نوع واحد من المنافع الاجتماعية، مثل رفع الإنتاجية الاقتصادية أو الحفاظ على البيئة أو بناء المرافق الترفيهية، نحتاج إلى موازنة هذه الأشياء معاً. وهذا الأمر يتطلب تحولاً، لأن ندرة المياه ستؤثر على هذه المنطقة ومناطق أخرى حول العالم. يجب أن نكون مستعدين لإجراء حوار حول كيفية إعطاء الأولوية لهذه المنافع المجتمعية، خصوصاً عندما لا نكون قادرين على توفيرها جميعاً في نفس الوقت».