كشف الوباء عن أوجه قصور خطيرة في سلسلة التوريد العالمية تسببت في ازدحام سفن الشحن في الموانئ البحرية حول العالم. في حين عانى المستهلكون من ارتفاع الأسعار وتأخيرات طويلة الأمد في التسليم، أدت المشكلة أيضاً إلى زيادة مقلقة في انبعاثات سفن الشحن في الموانئ المكتظة.
في الولايات المتحدة، كانت المشكلة أكبر في موانئ لوس أنجلوس ولونج بيتش، أكبر ميناء شحن في نصف الكرة الغربي، حيث يصل عدد سفن الشحن التي تنتظر في البحر للدخول إلى الميناء وإفراغ حمولتها في وقت واحد إلى نحو 70 سفينةً غالباً. وفقاً لمجلس موارد الهواء في كاليفورنيا (CARB)، تقوم السفن على مدار العامين الماضيين بضخ 20 طناً إضافيّاً من أكاسيد النيتروجين التي تشكل الضباب الدخاني في الهواء يومياً. ويخلص التقرير إلى أن هذه الانبعاثات تعادل انبعاثات 5.8 مليون سيارة إضافية في المنطقة.
في محاولة للسيطرة على المشكلة والحد من تلوث الهواء بعد الجائحة، أعلنت مجموعة الشحن الدنماركية «ميرسك» هذا الأسبوع عن مشروع جديد يهدف إلى الحد من تلوث الهواء الذي تتسبب به السفن المتوقفة قبالة الموانئ. ستستخدم الشركة عواماتٍ لتوصيل الطاقة إلى سفن الشحن، حيث تتصل هذه العوامات بمصادر الطاقة المتجددة على الأرض، مثل مزارع الرياح ومصادر الطاقة الخضراء الأخرى، عبر كابلات تمر تحت الماء. يتم تطوير المشروع الجديد من قبل شركة تابعة لشركة ميرسك تسمى «ستيلستروم»، (وتعني "الطاقة الهادئة" باللغة الدنماركية).
عوامة واحدة في الوقت الحالي
تقول المجموعة إنها ستبدأ العمل في موقعٍ تجريبي خارج النرويج في وقت لاحق من هذا العام، وذلك بالتعاون مع شركة دنماركية للطاقة المتجددة تُدعى «أورستيد». قد يبدأ تشغيل العوامة بحلول الربع الثالث من هذا العام، وفقاً لما ذكره سيباستيان كلاستر توفت، مدير برنامج المشاريع في شركة ستيلستروم. كانت شركة ميرسك قد طرحت الفكرة لأول مرة في خريف عام 2020، قائلة إن هدفها هو توسيع نطاق الاستفادة من الطاقة المتجددة المولدة على الأرض إلى البحر.
يقول توفت: «تتمثل رؤيتنا في أنه بعد أن نثبت فائدة فكرتنا، وفي غضون خمس سنوات من الترويج لها، ستكون متبعةً في نحو 50 إلى 100 ميناءٍ في العالم، بما فيها الموانئ القريبة من مصادر طاقة الرياح المتجددة. سيساعد ذلك في إزاحة 5.5 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون (تعادل هذه الكمية انبعاثات الكربون من 11 مليون برميل من النفط). وبالإضافة إلى ذلك، سيؤدي العمل بهذه الفكرة للتخلص من تلوث الجسيمات الذي تتسبب به السفن المتوقفة».
على الرغم من أن الشركة لم تذكر ما هي الموانئ التي تجري محادثات معها، إلا أنها أقرت بأن موانئ الولايات المتحدة في صلب أولوياتها، حيث يقول توفت في هذا الصدد: «نعتبر الساحل الشرقي والغربي للولايات المتحدة وكندا مناطق ذات أهمية كبيرة بالنسبة لنا».
«إذا نجح الأمر، فسيكون ذلك بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للسفن التي يمكنها الوصول إلى الطاقة الكهربائية بدلاً من تشغيل محركاتها المساعدة، لأنها ستنتقل بعد ذلك إلى صفر انبعاثات سواء كانت في الميناء أو عرض البحر». ديفيد بيتيت، كبير المحامين في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية
ويشدد توفت أيضاً على أن النظام لن يقتصر على شركة ميرسك، حيث يقول: «من المهم جداً بالنسبة لنا أن نؤكد أن الأمر لا يتعلق بسفننا فقط. سيكون مشروعنا مفيداً لأسطول الشحن العالمي كله».
تعد صناعة الشحن مصدراً مهماً لانبعاثات الكربون، وقد تعرضت لانتقادات المجموعات البيئية منذ فترة طويلة بسبب عدم اتخاذها إجراءات بشأن الحد من الكربون. بشكل عام، يُقال إن صناعة الشحن مسؤولة عن نحو 3% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، وعن 10% من انبعاثات النقل، ولا يزال هذا القطاع بعيداً عن تلبية أهداف اتفاقية باريس للمناخ.
لفتت الاختناقات في سلسلة التوريد المرتبطة بالجائحة الانتباه إلى انبعاثات السفن المتواجدة بالقرب من الموانئ، على الرغم من أن المشكلة موجودة منذ عقود، ولكن لم يحدث من قبل توقف هذا العدد الكبير من السفن خارج الموانئ حول العالم في الواقع. لقد استمرت مشكلة السفن المتوقفة في مجمع ميناء لوس أنجلوس / لونج بيتش لأكثر من عام. ووفقاً لبياناتٍ منظمة «أوشن إكستشينج»، والتي تُعنى بجمع المعلومات حول السفن المغادرة والواصلة إلى مجمع ميناء لوس أنجلوس/ لونغ بيتش، كانت 27 سفينة شحن ما تزال تنتظر دورها للدخول إلى الميناء يوم الثلاثاء في 25 يناير/كانون الثاني 2022.
كيف يعمل النظام
عندما ترسو السفن في الميناء، غالباً ما تكون متصلة بكابلات أرضية ومصادر طاقة ساحلية للحفاظ على العمليات أثناء تحميل وتفريغ البضائع. معظم سفن الحاويات الحديثة لديها هذه القدرة. ولكن عندما يكون المرفأ ممتلئاً، غالباً ما ترسو السفن في عرض البحر، معتمدةً خلال هذه الفترة على محركات مساعدة لتوفير الطاقة للوظائف الحيوية على السفن مثل التبريد والرادار والإضاءة وتدوير المياه العذبة والمالحة. على الرغم من أن هذه المحركات أقل تلويثاً من المحركات الرئيسية، إلا أن هذه المحركات لا تزال تنتج انبعاثات كبيرة، ويمكن للسفن الانتظار لأيام أو حتى لأسابيع قبل أن تتمكن من دخول الميناء.
على الرغم من أن العديد من الموانئ، كالموانئ الموجودة في جنوب كاليفورنيا، تطلب من السفن التي ترسو في عرض البحر استخدام وقود أنظف، إلا أن كمية التلوث التي تتسبب بها لا تزال كبيرة ويمكن أن تشكل خطراً على صحة الإنسان. في لوس أنجلوس، بينت الدراسات أن المركبّات التي تطلقها عوادم السفن مرتبطة بارتفاع معدلات الإصابة بالربو والسرطان ومشاكل أخرى في المجتمعات الفقيرة القريبة من الموانئ. بالطبع، المشكلة عالمية، حيث تعاني العديد من مدن الموانئ من مستويات غير مسبوقة من حركة مرور السفن بسبب زيادة الطلب على السلع ونقاط الاختناق التي تسببت بها جائحة كوفيد-19 في آسيا، حيث يتم تصنيع معظم السلع المصنعة.
يقول بول بلوميروس، المدير التنفيذي لمنظمة «بحار نظيفة»، وهي مركز أبحاث غير ربحي في كندا يدعو لاتباع ممارسات الشحن الصديقة للبيئة: «ما تزال صناعة الشحن تؤثر على صحة ملايين الأشخاص حول العالم، مؤديةً إلى العديد من الوفيات غير الضرورية وأمراض الرئة الخطيرة».
أشادت بعض مجموعات الحفاظ على البيئة بإعلان شركة ميرسك، والذي ينطوي على أن السفن التي لديها إمكانية الوصول إلى عوامة الطاقة يمكنها أخذ احتياجاتها من الطاقة منها وإيقاف تشغيل محركاتها بالتالي، حتى عندما لا تكون متواجدةً على رصيف الميناء، ولكن هذه المجموعات عبرت عن بعض التحفظات.
يقول ديفيد بيتيت، كبير المحامين في مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية: «إذا نجح الأمر، فسيكون ذلك بمثابة خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للسفن التي يمكنها الوصول إلى الطاقة الكهربائية بدلاً من تشغيل محركاتها المساعدة، لأنها ستنتقل بعد ذلك إلى صفر انبعاثات سواء كانت في الميناء أو عرض البحر».
لكن بيتيت يشكك في أن هذا النظام سيكون كبيراً بما يكفي لمواجهة المشكلة بالفعل: «قد يكون ذا فائدة، ولكن هناك الكثير من القضايا التشغيلية التي يجب حلها، ليس أقلها كيفية تزويد عددٍ كبير من سفن الشحن بالطاقة من خلال عددٍ محدود من عوامات الطاقة في نفس الوقت».
يقول توفت، وهو كما ذكرنا من شركة ستيلستروم: «على الرغم من أن المرحلة التجريبية ستتكون من عوامة طاقة واحدة متصلة بكابل واحد، إلا أن النظام المخطط له سيتكون من عدة عواماتٍ متصلة بخط طاقة واحد يمتد من الشاطئ إليها».
بينما يشير آخرون إلى أن التقدم في مثل هذه المشاريع يبدأ بخطواتٍ صغيرة، ويقولون إن صناعة النقل البحري أصبحت مؤخراً أكثر استجابة لمسؤولياتها المتعلقة بالانبعاثات، وهذا المشروع ليس سوى مشروع واحد من عدة مشاريع تحاول صناعة الشحن البحري أن تُظهر من خلالها المزيد من المسؤولية.
يقول بلوميروس: «لقد تغير المسار بشكل كبير. هناك بالتأكيد استعداد أكبر بكثير لمواجهة تحدي إزالة الكربون مقارنةً بما كان عليه الحال عليه قبل ثلاث سنوات».