في صباح يوم الثلاثاء، الثاني من يوليو/ تموز لعام 2013، كانت وكالة الفضاء الروسية على أهبة الاستعداد لإطلاق صاروخها «بروتون-م» من قاعدة «بايكونور» الروسية لإطلاق الأقمار الصناعية في كازاخستان، حاملاً 3 أقمار صناعية لتنضم إلى نظام الملاحة العالمي «جلوناس»، لكن سرعان ما تحول صباح هذا اليوم إلى كارثة، وحوّل الصاروخ مجراه، واتجه إلى الأرض في غضون ثوانٍ معدودات من إطلاقه.
بغض النظر عن سبب هذه الحادثة، فقد أعقبها كارثة أكبر، وهي تسرب الوقود، وتكوين سحابة شديدة السمّية من مركبات الهيدرازين، ورابع أكسيد النيتروجين (وقود الصواريخ المستخدم). رغم انعدام الإصابات، أصدرت الحكومة تعليمات للمنازل المجاورة بضرورة البقاء في الداخل، وعدم استخدام مكيفات الهواء؛ كي لا يستنشق السكان هذا الخليط القاتل، لكن عُثر بعد ذلك على أبقار وخيول ميتة في مسار عملية الإطلاق، يُعتقد أنها أكلت العشب الملوث بهذا المزيج السام، إثر تساقط الحُطام.
هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الأخرى، كانت سبباً في توجّه العلماء إلى مصادر وقود أخرى أقل سميّة، وهو ما أظهر لنا مصادر جديدة للطاقة والوقود، التي يُشير إليها العلماء بالوقود الأخضر.
ما قصة الوقود الأخضر الذي تستخدمه ناسا؟
استطاعت ناسا الوصول إلى وقود أخضر جديد للمحركات النفّاثة والصواريخ، من شأنه تقليل المخاطر البيئية، ومخاطر السلامة التي تنتج من استخدام وقود الصواريخ التقليدي الهيدرازين. تم استخدام الوقود الجديد في مهمة جديدة لناسا، هدفها دفع المركبات الفضائية إلى المدار.
طُوّر هذا الوقود في مختبرات الأبحاث الجوية الأميركية في قاعدة إدواردز، وهو مزيج من نترات هيدروكسيل الأمونيوم مع مادة مؤكسدة؛ كي يسمح له بالاحتراق. لا يعتبر الوقود الجديد أكثر أماناً فحسب، بل أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، إذ يوفر أداء أعلى بنسبة 50% تقريباً من نظام الهيدرازين، وهذا سيعطي الأقمار الصناعية قدرة على زيادة فترة المهمات، والمزيد من المناورات، وزيادة الحمولة، وتسهيل عملية الإطلاق. تم استخدام الوقود الجديد في رحلة تابعة لشركة سبيس إكس على متن صاروخ فالكون هيفي، خلال الشهر الجاري، مستغنية بذلك عن الهيدرازين.
ما هو الوقود الأخضر؟
الوقود الأخضر، أو الوقود الحيوي، هو نوع من الوقود المقطّر من نباتات أو مواد حيوانية، نتيجة بعض العمليات البيولوجية، وقد يُشتق من مواد غذائية أو غير غذائية، لهذا فهو أكثر صداقة للبيئة من أنواع الوقود الأحفوري المستخدم على نطاق واسع على الكرة الأرضية.
استنزف البشر كمّيات كبيرة للغاية من الوقود الأحفوري، لأن مصادره غير قابلة للتجديد، ما يعني أنه قد ينفد يوماً ما، وهو ما يسبب ارتفاع أسعار البترول وتقلباته العالمية. كما أن الوقود الأحفوري يستغرق ملايين السنين كي يتشكل من خلال عمليات جيولوجية مختلفة، وكذلك استخراجه من باطن الأرض مكلفاً للغاية، ولهذا بدأ البحث عن مصادر بديلة متجددة للطاقة.
يختلف الوقود الأخضر في شكله واستخدامه منقسماً إلى وقود صلب، مثل الخشب والسماد والمواد النباتية المجففة، ووقود سائل مثل الإيثانول والديزل الحيوي والوقود الذي اختبرته ناسا هذا الشهر، والغاز الحيوي.
لمَ الحاجة إلى وقود أخضر حيوي؟
لا يهدف وجود الوقود الأخضر الحيوي إلى استبدال الوقود الأحفوري، على الأقل في الوقت الحالي، وإنما يهدف إلى أن يكون خياراً متاحاً للاستخدام، لكن إليك أسباب حاجتنا إلى استخدام الوقود الأخضر:
- سهولة استخدامه: يُمكنك استخدامه في محركات اليوم، بنفس البنية التحتية والمركبات، دون الحاجة إلى تغييرات. فيمكن تخزين الوقود الحيوي وحرقه بنفس طريقة تخزين وقود الديزل النفطي، كما أنه متاح على مدار السنة.
- أمان الطاقة: أحد المخاطر التي تهدد أمان الطاقة الآن هو احتمالية تعطيل إمدادات الوقود الأحفوري، وارتفاع أسعار الطاقة مع قلة مصادره، لهذا تنجذب الدول إلى تطبيق فكرة استخدام الوقود الحيوي.
- إحداث نمو اقتصادي: زيادة الاستثمار في الوقود الحيوي، سيؤدي إلى تعزيز النمو في الاقتصاد، عبر إتاحة فرص ومصادر دخل جديدة للمزارعين من خلال هذه الصناعة، والمستفيد من هذا بشكل كبير ستكون البلدان النامية.
- خفض الانبعاثات والغازات الدفيئة: سيقلل الوقود الحيوي انبعاث الغازات المسرطنة التي تملأ شوارعنا الآن، لذا فتأثيره على البيئة أفضل بكثير.
- قابل لإعادة التدوير والتحلل: ثبت أن الوقود الحيوي أقل ضرراً للبيئة في خصائصه وتكلفته، وهو آمن لقدرته على التحلل، فهو مكون من دهون وزيوت مختلفة.
ما هو الهيدرازين؟
أحد سلاسل المركبات وعامل اختزال قوي، ويُستخدم في تخليق العديد من المبيدات الحشرية السامة. يكون في شكل سائل عديم اللون شبيه بالماء، ذي رائحه تشبه الأمونيا، وقابل للاشتعال، ينصهر عند 2 درجة مئوية ونقطة غليانه 113.5 درجة مئوية.
يمكن الحصول عليه من خلال أكسدة الأمونيا مع هيبوكلوريت الصوديوم الموجود في الجيلاتين والغراء. يدخل في تصنيع بعض المتفجرات والمبيدات السامة، وكذلك كوقود لمحركات الطائرات النفاثة والصواريخ كدافع قوي.
إلى جانب كونه شديد الاحتراق وسام وكاوٍ للجلد وربما مسبب للسرطان، إذا تعرض البشر لبخار الهيدرازين فإنهم سيعانون من حروق في العينين والأنف والفم والمريء والجهاز التنفسي. كما يُمكن امتصاص الهيدرازين السائل على الجلد بسرعة، فيصبح سماً عصبياً، وعند احتراقه لا ترى له لهباً مرئياً وإنما ينتشر بسرعة لقابليته على الاحتراق.
الفرق واضح تماماً، فأنت تقارن مركباً ساماً بآخر صديق للبيئة، يتصف الأخير بقابلية تدويره وأمانه واستدامته، فكيف نعتمد عليه إلى الآن في حياتنا مع تواجد آخر جيد؟ لقد حان الوقت لأن نفضّل كل ما هو أخضر.