تزداد انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري مع الاستمرار في استهلاك وحرق الوقود الأحفوري؛ ما يساهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، ورفع درجة حرارة كوكب الأرض. ولقد بذل الباحثون من مختلف أنحاء العالم جهوداً حثيثةً للمساهمة في الحد من هذا الارتفاع وإيجاد بديلٍ صديق للبيئة، واستطاعوا ابتكار وقودٍ مستدامٍ يمكن الحصول عليه من مصادر طبيعية، وأسموه «الوقود الأخضر».
ما هو الوقود الأخضر؟
الوقود الأخضر؛ المعروف أيضاً باسم الوقود الحيوي، هو وقود مستخلَص من الزيوت النباتية أو الدهون الحيوانية أو الطحالب، وهو صديقٌ للبيئة على عكس الوقود الأحفوري المستخدم على نطاقٍ واسع في معظم أنحاء العالم. اكتُشف الوقود الأخضر بعد البحث عن مصادر طاقة بديلة للوقود الأحفوري الذي يستنزف العالم موارده. وقد سميَّ بهذا الاسم نظراً لأن المواد الأولية المستخدمة في صنعه مستدامة ومتجددة بشكلٍ طبيعي، وصديق للبيئة.
يكتسب الوقود الحيوي اهتماماً متزايداً من المشرّعين والمجتمع العلمي على حد سواء، مدفوعاً بعوامل، مثل: ارتفاع أسعار النفط، والحاجة إلى زيادة أمن الطاقة، والقلق بشأن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الوقود الأحفوري. ويُعتبر الوقود الحيوي صديقاً للبيئة لأنه متعادل الكربون؛ أي تمتص الكتلة الحيوية كميةً من ثاني أكسيد الكربون أثناء النمو، تعادل الكمية التي تُطلقها عند الاحتراق تقريباً.
أنواع ومصادر الوقود الأخضر
يعتمد نوع الوقود الحيوي على المصادر المستخدَمة لإنتاجه، فهي إما النباتات المنتجة للسكر أو المنتجة للزيت أو الطحالب، التي تُعرّض لعملية كيميائية تسمى «الأسترة التبادلية» من أجل إنتاجه. والأسترة التبادلية هي تفاعل كيميائي بين مركب عضوي يسمى الإستر مع مركب آخر، قد يكون كحولياً أو حمضياً أو إسترياً لتكوين إستر مختلف عن الإستر البادئ.
النباتات الغنية بالسكريات
يتم إخضاع المحاصيل المنتجة للسكر والنشا، مثل: قصب السكر أو الذرة، لعملية تخمير لإنتاج الإيثانول، ويُعرف بـ«الوقود الحيوي السائل». في المقابل، قد يُعد إنتاج الوقود الحيوي من هذه المحاصيل تبذيراً لمحاصيل غذائية مهمة، لذلك اتجه منتجو هذا النوع من الوقود إلى التركيز على المصادر غير الغذائية، مثل: الأخشاب وأجزاء النباتات غير الصالحة للأكل ومخلفات المحاصيل، للحصول على ما يُعرف بـ«الإيثانول السليلوزي». الذي يُصنع عادةً من بقايا قصب السكر؛ وهي نفايات ناتجة عن معالجة السكر، أو من أعشاب مختلفة يمكن زراعتها في أرض منخفضة الجودة. بهذه الطريقة؛ يصبح بالإمكان إعادة تدوير كميات هائلة من النفايات بشكل فعال، بالإضافة إلى الحصول على الوقود الحيوي والحد من استخدام الوقود الأحفوري.
الزيوت النباتية
في النوع الثاني للوقود الحيوي، يمكن استخدام النباتات المنتجة للزيوت النباتية كمصادر لهذا الوقود؛ ، مثل: فول الصويا أو زيت النخيل، وبدرجة أقل من المصادر الزيتية الأخرى؛ مثل: زيوت القلي التي تتخلص منها المطاعم. من هذه المصادر يمكن إنتاج «وقود الديزل الأخضر» النقي الذي يزوّد السيارات بالوقود مباشرةً، أو معالجته لاحقاً ليصبح وقوداً حيوياً، وقد يُضاف لتقليل مستويات الجسيمات وأول أكسيد الكربون والهيدروكربونات الصادرة من المركبات التي تعمل بالديزل.
الطحالب
يمكن استخلاص الوقود الحيوي أيضاً من الطحالب الخضراء أو البكتيريا الزرقاء. تنمو هذه الكائنات في المسطحات المائية، وهي أحياء سريعة النمو، تحتوي بعض أنواعها على ما يصل إلى 40% من الدهون من وزنها، ويمكن معالجتها مثل المحاصيل الأخرى المنتجة للزيت، وتحويلها إلى وقود حيوي. حيث ينتج فدان واحد من الطحالب من 200-300 ضعف كمية الزيت التي ينتجها فدان واحد من المحاصيل الأخرى المنتجة للوقود الحيوي. ولقد تم استخدام الطحالب بشكل تجريبي كشكل جديد من وقود الطائرات الأخضر المصممة للسفر التجاري.
مميزات وعيوب الوقود الحيوي
لإنتاج الوقود الحيوي إيجابيات وسلبيات متعددة على كلا الصعيدين؛ البيئي والاقتصادي.
المميزات:
- يُنتج الوقود الحيوي من مصادر طبيعية تتجدد باستمرار، لذلك يُعتبر من مصادر الطاقة المتجددة.
- يُحافظ على البيئة، بسبب انخفاض مستوى انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
- يحسن من استغلال الأراضي، ويساعد على التخلص من النفايات بطريقة جيدة.
- تتوفر مصادر عديدة لإنتاج الوقود الحيوي.
- يعمل بنفس كفاءة البنزين.
- يمتزج بسهولة مع مصادر الوقود الأخرى.
- يقلل من استهلاك الوقود الأحفوري؛ وبالتالي تقليل التلوث الناتج عنه.
- إنتاجه المحلي يخلق فرص عمل جديدة.
- عند إنتاجه محليّاً، يمكن للبلدان أن تصبح مكتفية ذاتياً بالوقود؛ ما يُساهم في الأمن الاقتصادي.
- إنتاجه آمن نسبيّاً وسهل وسريع أيضاً؛ إذ يمكن إنتاجه في غضون أيام.
العيوب:
- عدم توفر مساحة كافية من الأراضي الزراعية لزراعة المحاصيل اللازمة لإنتاج الوقود الحيوي.
- تحويل الأراضي الخاصة بزراعة المحاصيل الغذائية إلى زراعة محاصيل الوقود الحيوي؛ ما يؤدي إلى الانخفاض في إنتاج الغذاء.
- يمكن أن يتسبب في زيادة أسعار المحاصيل الأساسية بسبب انخفاض توافر الأراضي.
- يمكن أن يشكل ضغطاً على الموارد المائية، بسبب زيادة الطلب على المياه لزراعة المحاصيل اللازمة لإنتاجه.
- معظم المَركبات غير مجهزة للتزوّد بالوقود الحيوي.
- يحتاج استثماراً ضخماً للبدء فيه، لأن تكلفة إنتاجه عالية، كما يتطلب إجراء الأبحاث اللازمة لتطبيقه وتطويره.
- قد يؤدي إلى إزالة الغابات لتوفير المساحات لزراعة المحاصيل اللازمة لإنتاجه؛ ما قد يتسبب في فقدان التنوع الحيوي.
- تُطلق عملية التخمير اللازمة لإنتاج الإيثانول قدراً كبيراً من الملوثات في الهواء.
- قد ينبعث من احتراقه «الفورمالدهيد» والأوزون والمواد الأخرى المسببة للسرطان.
اقرأ أيضاً: الوقود الأخضر بديلاً للهيدرازين في رحلات ناسا القادمة، فماذا تعرف عنه؟
الوقود الحيوي في المنطقة العربية
تكرّس الحكومات في جميع أنحاء العالم مواردَ هائلةً للبحث عن الوقود النظيف والمستدام لاستبدال الوقود الأحفوري، والدول العربية ليست بعيدةً عن هذه المساعي، وقد قطعت بالفعل شوطاً طويلاً في الاستثمارات والمشاريع اللازمة للاستفادة من الوقود الحيوي، بالإضافة إلى إجراء الدراسات التي تهتم باستخلاصه من مصادر محلية. ومن هذه أبرز المشاريع والدراسات التي أُجريت هذا العام في هذا المجال في المنطقة العربية:
المملكة العربية السعودية
تسعى المملكة العربية السعودية إلى أن تصبح رائدةً إقليمياً في المجالات الحيوية الخاصة بالوقود الصديق للبيئة؛ وذلك من أجل الحد من الأخطار البيئية الناتجة عن استهلاك الوقود التقليدي، لذلك اهتمت بدعم مراكز البحث العلمي والتطوير.
تعمل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية على مشروع يهدف إلى تطوير وقود دفع ملائم، وذلك بعد أن حظي الوقود الأخضر باهتمام كبير جداً في التطبيقات المتعلقة بالمركبات الفضائية وأجهزة الإشعال لأنظمة الدفع النبضية، وأنظمة الهروب في حالات الطوارئ لكبسولات الفضاء.
يهدف هذا المشروع إلى تطوير وقود دفع ملائم؛ حيث تم استخدام حمض النيتريك مع مركب هيدريد الليثيوم كمضافات لمركبات الشمع، واستخدامها كوقود أخضر دافع للتطبيقات الحديثة في أنظمة الدفع الفضائي. وقد تمت دراسة معدل الاشتعال وتأخر الاشتعال الذاتي لهذه المواد تحت ظروف مختلفة، ونسب وزنية مختلفة، وضغوط مختلفة لوسط المحاكاة التجريبي.
وقد لاحظ الباحثون أن استخدام مركبات الليثيوم النقية تعطي أفضل معدل اشتعال ذاتي، وذلك في ظل ظروف تفاعل خالٍ من الأكسجين مقارنةً مع استخدام نصف الكمية من مركبات هيدريد الليثيوم وتحت ضغط جوي، وتحت ظروف نيتروجينية مماثلة لبيئة الفضاء. ومن جانب آخر تساهم الشراكات الاستراتيجية مع الجامعات ومراكز البحوث الرائدة المتخصصة في هذا القطاع في نقل المعرفة والتقنية، وتوطين الخبرات في مجال البحث. تحقيقًا لرؤية المملكة 2030.
ومع بداية العام الجاري، وقّعت شركة «أكوا باور» مذكرة تفاهم مع شركة «نيوترال فيولز» للتعاون المستقبلي في مجال توريد الوقود الحيوي الخالي من الكربون للمشروع السياحي المتجدد الأكبر من نوعه في السعودية على ساحل البحر الأحمر؛ الذي من المتوقع أن يُساهم في تجنب نحو 500 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنوياً عن طريق اعتماد الطاقة المتجددة. كما تعمل المملكة على إنشاء خطوط لإنتاج الوقود الحيوي من الطحالب البحرية وتكاملها في إنتاج الوقود في مصافي التكرير البترولية، وتشير البيانات الأولية إلى إنتاج 40 ألف طن سنوياً من الوقود الحيوي من مصافي المملكة.
الإمارات العربية المتحدة
وضعت الإمارات استراتيجيةً متخصصةً في الطاقة لعام 2050، مستهدفةً مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية، وخفض الاعتماد على مصادر الوقود الأخرى على مدار العقود الثلاثة المقبلة. وفي يوليو 2014، تصدّرت دولة الإمارات كأول دولة في الشرق الأوسط تُلزم جميع المركبات التجارية التي تعمل بالديزل على استخدام الوقود الأخضر.
أجرت الإمارات أيضاً عدة أبحاث علمية في مجال الوقود الحيوي، فقد استطاع باحثون من جامعة الإمارات العربية المتحدة، استخراج كمية كبيرة من الزيوت لصناعة الوقود الحيوي من مخلفات نوى التمر. وأكدت نتائج البحث أنه يمكن الاستفادة من هذه المخلفات بنسبة 100%، كما نجح باحثون من جامعة الإمارات أيضاً في إنتاج الوقود الحيوي عبر إعادة تدوير مخلفات القهوة؛ التي تصل إلى حوالي 6 ملايين طن سنوياً، خاصةً أن القهوة هي ثاني أكبر منتَج يُستهلَك بعد البترول، وإحدى أكثر المشروبات شعبيةً.
واكتشف باحثون من الجامعة الأميركية في الشارقة أن بذور نبات «الساليكورنيا بيغيلوفي» الملحي المحلّي يمكن أن يولّد وقوداً حيوياً عالي الجودة، يحتوي على نسبة عالية من الطاقة، وهو مستقر كيميائياً، وأقل تآكلاً مقارنةً بالزيوت الحيوية المنتَجة من موارد أخرى.
سلطنة عمان
أعلنت شركة سينرجي للوقود الحيوي عن بدء تشغيل أول مصنع للديزل الحيوي في سلطنة عُمان في منطقة سمائل الصناعية، وقد نجح المصنع في إنتاج الوقود الحيوي المتوافق مع المعايير الدولية، من زيت الطهي المستعمل.
مصر
في مصر، اكتشف باحث من جامعة طنطا بكتيريا في أمعاء النمل الأبيض آكل الخشب، يمكن استخدامها في إنتاج الوقود الحيوي، كما وقّعت جامعة أسيوط بروتوكولاً لإنتاج أول وقود حيوي من الزيت المستخرج من نبات الجوجوبا.
تونس
طوّر فريق علمي تونسي من مركز بحوث وتكنولوجيات الطاقة ببرج السدرية، عمليةً غير تقليدية تعتمد على تقنية الانحلال الحراري، من أجل تحويل كامل نفايات دباغة الجلود إلى وقود حيوي عالي الجودة ومواد حيوية ذات قيمة مضافة.
وفي الختام؛ لا تزال منطقتنا العربية بحاجة إلى المزيد من الدراسات والاستثمار في مشاريع أخرى داعمة للوقود الأخضر للحاق بالركب العالمي الساعي للتخلص من أزمة الاحتباس الحراري وانبعاثات غاز الكربون، حيث ستساهم المشاريع الطامحة في هذا المجال في وتأمين بيئة نظيفة ومناسبة للأجيال القادمة.