لا يوجد سوى إنجازين بشريين يمكن رؤيتهما من الفضاء الخارجي، الأول هو سور الصين العظيم، والآخر هو مكب نفايات نيويورك. لطالما ردد الأميركيون هذه المعلومة للدلالة على الحاجة الماسة لمعالجة النفايات، وقد تطورت هذه الثقافة التي تدعو لتحويل النفايات إلى طاقة وانتشرت على مستوى الأفراد والشركات التي تستثمر بهذا المجال في الدول المتقدمة. أما في عالمنا العربي فكان من الواضح أن هذه النوع من التفكير لا يحظى بالشعبية الكافية، فحتى صندوق إعادة التدوير Recycle bin الموجود بنظام ويندوز يترجم كـ "سلة المحذوفات" لأن إعادة التدوير مصطلح غير شائع بين أوساط المستخدمين. لكن الخبر السار هو أن مشروعاً لتحويل كامل النفايات الصلبة إلى طاقة قد أبصر النور في مدينة الشارقة. قبل الخوض بتفاصيل المشروع، من المفيد توضيح المبدأ العلمي.
الطاقة لا تفنى
لماذا يتناول الإنسان النباتات؟ هو سؤال بسيط، لكن في الإجابة تكمن الكثير من الحقائق. فالنبات يستفيد من طاقة الشمس لتركيب الغذاء داخل أنسجته، هذه الطاقة تظل مختزنة في الأوراق حتى يتم استهلاكها من قبل كائن آخر، فعندما يتناول الإنسان هذه الأوراق يفكك مركباتها داخل جهازه الهضمي ويحرر الطاقة التي كانت مختزنة فيها ليستفيد منها الجسم بأداء وظائفه اليومية.
لكن يبدو أن الإنسان قد بدأ يتعلم من الطبيعة، فقد أدرك أن الطاقة التي يتم صرفها للأغراض الصناعية وتأتي على شكل منتجات متعددة، يمكن استعادتها عن طريق إعادة تفكيك هذه المنتجات بحرقها ضمن منشآت خاصة، والاستفادة من الطاقة الحرارية الناجمة عن هذه العملية. تتم هذه العملية على عدة مراحل، بالمرحلة الأولى يتم فرز النفايات، ثم يتم تحويلها إلى مراجل للحرق، وأخيراً يتم توجيه الحرارة الناجمة عن الحرق إلى عنفات توليد للطاقة الكهربائية، وما يتبقى بعد الاحتراق يتم إعادة تصنيعه.
شركة الإمارات لتحويل النفايات إلى طاقة
هذه الشركة التي انطلقت في 28 مايو الجاري هي مشروع مشترك بين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" وشركة الشارقة للبيئة "بيئة"، ويكشف اسم الشركة عن هدفها الأساسي والذي يتمثل بإقامة منشآت لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها لطاقة كهربائية.
المنشأة التي سيتم بناؤها ستجعل من مدينة الشارقة أول مدينة بالشرق الأوسط تحول 100% من نفاياتها إلى طاقة، وترمي الخطة الموضوعة لتحويل 300 ألف طن من النفايات سنوياً إلى طاقة وذلك بطاقة إنتاجية تبلغ 30 ميجاواط من الطاقة الكهربائية، وستعمل المنشأة بمعدل حرق يبلغ 37.5 طن بالساعة.
وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة حكومية أكبر تسعى لمعالجة 75% من النفايات في دولة الإمارات والاستفادة منها بالشكل الأمثل وذلك مع حلول سنة 2021، بالإضافة إلى التوجه الحكومي نحو تطوير مزيج الطاقة الوطني لتصبح مساهمة الطاقة النظيفة بهذا المزيج 27%.
العلم هو الشيء الوحيد الذي لا يمتلكه أحد دون الآخر، فهو متاح لكل من يود قطف ثماره، وبينما اعتاد الناس على الاتجاه صوب الغرب لرؤية المشاريع الكبيرة، فقد أصبح للشرق الأوسط حضوره متمثلاً بالدول التي آمنت بالعلم كمنطلق للتطور والازدهار، وما يجري في دولة الإمارات العربية المتحدة ليس سوى مثال لما يمكن للتفكير الاستراتيجي تحقيقه على المدى البعيد.