بالنسبة للمبتدئين، قد تبدو الكهرباء أشبه بالسحر الخفي والغامض. تعمل الكهرباء وفقاً لقوانين الفيزياء التي لا يمكننا تصورها بالعين المجردة.
ولكننا نعتمد على الكهرباء في غالبية جوانب حياتنا. بالتأكيد، يدرك كل شخص أهمية الكهرباء ومدى الانزعاج الذي يتسبب به انقطاع التيار الكهربائي. عموماً، لا يمكن لأحد أن يستهين بأهمية الكهرباء لتنفيذ الأنشطة والعمليات في المجتمعات الحديثة.
يقول الباحث في الشبكات الكهربائية في مختبر أرغون الوطني (Argonne National Laboratory) في ولاية إلينوي، مارك بيتري (Mark Petri): "إذا انقطع التيار الكهربائي، نفقد الاتصالات وخدمات القطاع المالي التي تعتمد على التقنيات الحديثة مثل الصرافات الآلية والتحويلات المصرفية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى خدمات معالجة المياه التي تتطلب استخدام الكهرباء، كما أنه لا يمكننا حلب الأبقار والعناية بها ولا نستطيع حتى تبريد الطعام".
اقرأ أيضاً: لماذا تحتاج محطات الطاقة النووية إلى الكهرباء لتبقى آمنة؟
لذلك، من الضروري معرفة طريقة عمل الكهرباء ومصدرها وطريقة إنتاجها وكيفية توصيلها إلى منازلنا.
كيف تعمل الكهرباء؟
يخضع الكون إلى 4 قوى أساسية: القوة النووية الشديدة (التي تربط الجزيئات دون الذرية معاً داخل الذرات) والقوة النووية الضعيفة (التي تتحكم في بعض أنواع النشاط الإشعاعي) والجاذبية والكهرومغناطيسية (التي تتحكم في مفاهيم الكهرباء والمغناطيسية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً).
أحد المبادئ الأساسية للكهرومغناطيسية هو أن الجزيئات دون الذرية، التي يتشكل منها الكون، يمكن أن تحمل شحنة كهربائية موجبة أو سالبة؛ يجب أن تتدفق هذه الشحنات على شكل تيار كهربائي كي تتحول إلى طاقة. تعتمد مصادر الكهرباء التي نستخدمها على حركة الإلكترونات ذات الشحنات السالبة.
لكن لا يكفي مجرد وجود شحنات كهربائية لاستمرار تحريك الإلكترونات وتدفقها على شكل تيار كهربائي. عندما تتحرك الجسيمات الصغيرة مثل الإلكترونات في الوسط الذي يمر به التيار الكهربائي، تصطدم بعوائق مثل الذرات المجاورة، وهذا يعني أن استمرار تدفق التيار الكهربائي يحتاج إلى مواد تحتوي ذراتها على إلكترونات حرة يمكن إبعادها بسهولة كي تسمح للتيار بالمرور. يسمى هذا النوع من المواد بالموصِّل. يتميز معظم المعادن بخصائص موصِّلة، مثل النحاس الذي يُستخدم في صناعة الكثير من الأسلاك الكهربائية.
أما المواد الأخرى، التي تسمى العوازل، فتتميز بوجود إلكترونات شديدة الارتباط بالنواة فلا يمكن إبعادها للسماح بتدفق الكهرباء عبرها. فالبلاستيك الذي يغلف معظم الأسلاك الكهربائية هو مادة عازلة، وهذا يفسر عدم تعرضك لصدمة كهربائية خطيرة عند لمس السلك أو القابس.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يكون صدأ المعادن وسيلة لتخزين الطاقة الكهربائية؟
يعتقد بعض العلماء والمهندسين أن الكهرباء تشبه إلى حد ما تدفق الماء في الأنابيب؛ إذ يمكن مقارنة حجم الماء الذي يمر عبر جزء من الأنبوب في فترة زمنية محددة بعدد الإلكترونات التي تتدفق عبر سلك معين، وذلك للإشارة إلى كمية التيار الكهربائي التي تمر عبر الأسلاك ويقيسها العلماء بواحدة الأمبير. كما يمكن مقارنة ضغط الماء الذي يساعد في دفع الماء عبر الأنابيب بالجهد الكهربائي الذي يدفع التيار الكهربائي عبر الأسلاك.
عند ضرب شدة التيار (الأمبير) بالجهد الكهربائي (الفولت)، نحصل على القدرة الكهربائية أو كمية الطاقة التي تمر عبر السلك في الثانية الواحدة، والتي يقيسها الكهربائيون بواحدة الواط، وبالتالي تكون القوة الكهربائية لفرن المايكرويف هي تقريباً كمية الطاقة الكهربائية التي يستخدمها في الثانية الواحدة.
كيف تنقل الإلكترونات الجهد الكهربائي عبر الأسلاك؟
وفقاً لقانون الكهرومغناطيسية، إذا تعرَّض سلك ما لحقل مغناطيسي وتحرك هذا الحقل، فسيولّد تياراً كهربائياً في السلك. لهذا السبب، يُنتج معظم الكهرباء في العالم من المولدات التي تكون عادةً أجهزة مغناطيسية دوّارة. عندما يدور المولد، يرسل تياراً كهربائياً عبر سلك ملفوف حوله.
يتطلب تزويد مدينة بأكملها بالطاقة الكهربائية مولداً ضخماً، ربما يصل إلى حجم مبنى، لكنّ توليد الطاقة من المولّد يتطلب استخدام مصادر أخرى للطاقة. في معظم محطات إنتاج الطاقة الحرارية التي تستخدم الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية، يسخّن مصدر الوقود الماء ويحوّله إلى بخار، ما يؤدي إلى دوران العنفات المتصلة بالمولدات، وبالتالي، تتولد الطاقة الكهربائية.
تعتمد مولدات الطاقة الكهرومائية ومولدات طاقة الرياح على الحركة الطبيعية للماء والرياح؛ إذ يُعاد توجيه تدفق المياه أو حركة الهواء لتحريك العنفات وتوليد الطاقة الكهربائية. بينما تعمل الألواح الشمسية بصورة مختلفة لأنها لا تحتاج إلى مغناطيسات متحركة على الإطلاق. عندما يصل الضوء إلى خلية شمسية، تنشط الإلكترونات الموجودة داخل ذرات المادة الموجودة في الخلية، ما يسبب تدفقها خارج الخلية على شكل تيار كهربائي.
من السهل نقل الطاقة باستخدام جهد عالٍ وتيار منخفض. وبالتالي، تستخدم خطوط نقل الطاقة لمسافات طويلة جهداً عالياً يصل إلى آلاف الفولتات لنقل الكهرباء بعيداً عن محطات الطاقة، وذلك لتقليل خسائر الطاقة وزيادة كفاءة النقل. يُعد هذا الجهد مرتفعاً جداً بالنسبة لمعظم المباني، لذلك، تعتمد الشبكات الكهربائية على محطات تحويل الجهد الفرعية (المحولات) لتخفيض الجهد وجعله مناسباً للاستخدام في المقابس العادية والأجهزة الإلكترونية في المنازل. تعتمد المباني في أميركا الشمالية عادةً على جهد 120 فولتاً، بينما يستخدم معظم دول العالم جهداً يتراوح بين 220 و240 فولتاً.
لا يتدفق التيار الكهربائي في اتجاه واحد فقط، بل يغير اتجاهه باستمرار ذهاباً وإياباً، وهو ما يسميه المهندسون التيار المتناوب. إذ يسمح بانتقال الكهرباء لمسافات تصل إلى آلاف الكيلومترات. يتغير اتجاه التيار الكهربائي في الأسلاك الكهربائية في أميركا الشمالية 60 مرة في الثانية الواحدة. أما في أجزاء أخرى من العالم، لا سيما في أوروبا وإفريقيا، فيتغير اتجاه التيار المتناوب ذهاباً وإياباً 50 مرة في الثانية الواحدة.
وبهذه الطريقة، يصل التيار الكهربائي إلى صندوق القواطع الرئيسية للمباني السكنية. لكن كيف تصل هذه الطاقة الكهربائية إلى أجهزتك الإلكترونية؟
يحتاج النظام الكهربائي إلى دائرة كهربائية كاملة ومغلقة لضمان التدفق المستمر للتيار الكهربائي. يمكن القول إن المباني جميعها موصولة بالكهرباء عبر دوائر كهربائية غير كاملة. يحتوي المقبس ذو الفتحتين على سلك موجب وآخر سالب. عندما توصل المصباح أو أحد أجهزة المطبخ أو شاحن الهاتف بالمقبس، فإنك تكمل تلك الدائرة، ما يسمح بتدفق الكهرباء من السلك الموجب إلى الجهاز المراد تشغيله، ثم عودة التيار الكهربائي عبر السلك السالب من الجهاز إلى مصدر الطاقة.
أي عندما تضع إصبعك في مأخذ يحمل تياراً كهربائياً، فإنك تكمل الدائرة الكهربائية بصورة مؤقتة باستخدام جسمك (وهذا مؤلم).
اقرأ أيضاً: ما تبعات أزمة الطاقة الأوروبية على تجارب مصادم الهادرونات الكبير؟
مستقبل الكهرباء
منذ وقت ليس ببعيد، كانت الكهرباء لا تزال تُعد رفاهية. في أواخر التسعينيات، كان نحو ثلث سكان العالم يعيشون في منازل دون كهرباء. منذ ذلك الحين، انخفضت هذه النسبة إلى أكثر من النصف، لكن نحو مليار شخص، ممن يعيشون بصورة رئيسية في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، لا يزالون يعانون عدم توفر الكهرباء.
في الماضي، كانت محطات توليد الطاقة تنتج الكهرباء وتنقلها عبر شبكات الطاقة الكهربائية إلى المنازل والمنشآت التجارية وغيرها. لكنّ هذه العملية تتغير بسبب الانتقال إلى استخدام الطاقة المتجددة. عموماً، تكون محطات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح أصغر حجماً من محطات توليد الكهرباء التقليدية، مثل السدود والمحطات التي تستخدم الفحم لتوليد الكهرباء. ويمكن استخدام بطاريات ضخمة لتخزين الطاقة الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، واستخدامها في الأيام التي لا تتوافر فيها هذه المصادر.
يقول بيتري: "ما شهدناه حتى الآن، وما يمكن أن نتوقع رؤيته في المستقبل، هو تطور كبير للشبكة الكهربائية".
اقرأ أيضاً: 6 طرق يمكننا من خلالها تخزين الطاقة التي نحصل عليها من مصادر الطاقة المتجددة
تؤثر البنية التحتية للكهرباء على العديد من جوانب الحياة، بالنسبة لصحة الكوكب والإنسان. في عام 2020، أُنتج %39 فقط من إجمالي إنتاج الكهرباء في العالم من مصادر نظيفة مثل الطاقة النووية والطاقة المائية، مقارنةً بالوقود الأحفوري الذي ينبعث منه غاز ثاني أوكسيد الكربون.
لحسن الحظ، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل. وفقاً لبعض التقارير، أصبحت الطاقة الشمسية الآن أقل مصادر الطاقة تكلفةً في تاريخ البشرية، وتتبعها طاقة الرياح. بالإضافة إلى ذلك، يزداد عدد المستخدمين الذين يركّبون الألواح الشمسية على أسطح المباني، بالإضافة إلى مولدات الطاقة الشمسية والمضخات الحرارية وغيرها. يقول بيتري: "لا يعتمد الناس على الحصول على الطاقة من الشبكة الكهربائية العامة، كما أن الكهرباء الزائدة التي تنتجها أنظمة الطاقة المتجددة في المنازل (مثل الألواح الشمسية) يمكن أن تعود إلى الشبكة الكهربائية، ما يفسر تعقيد هذا النظام؛ إذ تتدفق الكهرباء في اتجاهين، إلى داخل المنازل وخارجها".
لا تتغير قوانين الكهرباء اعتماداً على مصدر الطاقة الذي نستمد منه التيار الكهربائي، لكن العواقب المترتبة على قراراتنا بشأن كيفية استخدام هذه الطاقة لها أهمية واضحة.