لا علاقة لعنفات الرياح بمرض السرطان

3 دقائق
عنفات الرياح لا تسبب السرطان

على الرغم من بعض المشاكل الموجودة حالياً في مصادر إنتاج الطاقة، لا زالت عنفات الرياح أفضل بيئياً وصحياً من الوقود الأحفوري. المناخ والاحتباس الحراري من أكثر المواضيع التي تشغل العلماء في العقد الأخير، ومع تكرار انعقاد المؤتمرات البيئة، تتكرر التوصيات الداعية للاعتماد على مصادر نظيفة للطاقة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وبالرغم من أنها لم تصل بعد إلى كفاءة مصادر الطاقة التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفوري، إلا أنها أفضل بيئياً وصحياً. هكذا بتنا نسمع عن مشاريع عملاقة  لبناء محطات توليد طاقة كهربائية معتمدة على الطاقة المتجددة، ومحاولات لسن تشريعات تحد من استخدام الوقود الأحفوري.

وسط هذه الخطوات الإيجابية، جاء تصريح الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» خارجاً عن هذا المسار، فقد ادعى أن لعنفات الرياح أضراراً مختلفة، على الإنسان، كما على البيئة، وفي هذا المقال سنحاول مناقشة هذه النقاط وعرضها لكم.

ادعاء أن الضوضاء تسبب السرطان

في تصريحه، ادعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الضوضاء المنبعثة من عنفات الرياح تسبب السرطان، فهل ذلك صحيح؟

يمكن للضوضاء حقاً أن تسبب ضرراً صحياً يشمل الغثيان وإعاقة التنفس والرؤية، لكن ذلك لا يحدث سوى بدءاً من تردد 150 ديسبل، أما التردد الذي يسمعه مثلاً شخص جالس أسفل العنفة مباشرةً فيبلغ حوالي 105 ديسبل وسطياً.

ما الأضرار الصحية من ضجيج كهذا؟ اضطرابات في النوم كما أشارت أحد الدراسات، لكن ليس السرطان.

من ناحية ثانية، لا يجب تجاهل مصادر الطاقة الحالية الضارة فعلاً، فلطالما ربط استخدام الفحم الحجري مثلاً بالسرطان ومشاكل القلب والرئة، إذ يعاني العاملون المتعرضون للفحم الحجري من أخطار أعلى للإصابة بسرطانات الجلد والرئة والمثانة والكلية والسبيل الهضمي، وذلك وفقاً للمعهد الوطني للسرطان في الولايات المتحدة الأميركية.

ولا يقتصر الخطر على العاملين بل يصل إلى عموم السكان، إذ تطلق محطات توليد الطاقة الكهربائية المعتمدة على النفط والفحم الحجري إلى الهواء ملوثات تشمل الزئبق، ويصل هذا السم العصبي إلى مصادر المياه العامة، بينما يسبب تلوث الهواء مشاكل صحية كالربو والسرطان أيضاً.

الحديث عن كون العنفات مسبباً رئيسياً لموت الطيور

كانت النقطة الثانية التي ذكرها الرئيس الأميركي هي تسبب العنفات بموت الطيور.

ورغم موت بعض الطيور بسبب عنفات الرياح، تشير الدراسات إلى أن عدد الطيور الميتة بالنسبة للطاقة المتولدة قليل نسبياً. للمقارنة، تشير إحدى الدراسات إلى كون محطات التوليد المعتمد على الوقود الأحفوري تمثل تهديداً أكبر للطيور من عنفات الرياح، قاتلةً عدد طيور أكبر بـ 17 مرة لكل جيجا واط ساعي أكثر من عنفات الرياح.

أضف إلى ذلك الأعداد الهائلة من الطيور التي تموت عالقةً في الحفر والبرك الحاوية على مخلفات عمليات استخراج ومعالجة النفط، ومتسممةً بالكيماويات المتسربة من الناقلات في البحر، ولا ننسى دور خطوط الطاقة التي تقتل في الولايات المتحدة الأميركية وحدها سنوياً ما يصل إلى 64 مليون طائر.

مع ذلك، لا يجب تجاهل حقيقة أن عنفات الرياح تقتل في الولايات المتحدة الأميركية سنوياً ما بين 140,000 و 328,000 طائراً. وللتقليل من هذه الأعداد، يسعى العلماء للحد من اصطدام الطيور بعنفات الريح، والذي يحدث لأنها لا تنظر عادةً إلى الأمام أثناء طيرانها لذا لا ترى العوائق مثل ناطحات السحاب وأبراج الاتصالات وعنفات الرياح. لذا قام العلماء بابتكار نظام تنبيه متمثلاً ببرج يطلق أصواتاً مرتفعة التردد تدفع الطيور للإبطاء والنظر للأعلى مما يساعد الطيور على تغيير مسارها قبل فوات الأوان.

الرياح ساكنة، إذاً الكهرباء مقطوعة!

إضافة إلى الادعاءات الخاطئة السابقة، قال الرئيس الأميركي أن المنازل التي تستخدم طاقة الرياح لا تحصل على الطاقة عندما يكون الجو ساكناً.

تعليقاً على ذلك، يقول "جوناثان لامونتان" محلل الأنظمة في قسم الهندسة البيئية والمدنية بجامعة تفتس: "من غير الدقيق عادةً القول بأن منزلك لن يحصل على الطاقة المتجددة في حال كان الجو ساكناً أو غائماً"، إذ تقدم الطاقة المتجددة كبيرة النطاق عادةً الطاقة إلى شبكة تملك عدة مصادر للتزود، بحيث إذا فشل أحدها يحل محله الآخر.

أخيراً، لنتذكر أثر الوقود الأحفوري السلبي على البيئة

تلعب محطات التوليد المعتمدة على الوقود الأحفوري دوراً سلبياً في التغير المناخي، الذي بدوره يؤثر على صحة الإنسان. فاستخدام الوقود الأحفوري هو المصدر الرئيسي لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يمثل بدوره 65 بالمئة من كامل انبعاثات غازات الدفيئة ويسبب زيادة حرارة الكوكب وإشعال الحرائق ورفع مستوى البحر والأعاصير.

كمثال قريب من الذاكرة، عانت الولايات المتحدة الأمركية في العام الماضي من 14 حادثة طقس قاس سببت كل منها ما يقارب مليار دولار من الخسائر، وقتلت هذه الحوادث مجتمعة 247 شخصاً.

هنا يبرز دور مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والشمس التي تقلل انبعاثات غازات الدفيئة، وهو الأمر الذي يساهم في تقليل التغير المناخي السلبي.

أخيراً، قد لا تكون عنفات الرياح الحل الأمثل، لكنه أفضل بمراحل من غيره في كثيٍر من الجوانب التي لا تعنينا وحدنا، بل تعني الأجيال القادمة ومستقبل الكوكب كذلك.

المحتوى محمي