هل نستطيع إرجاع الصحراء إلى اللون الأخضر؟

6 دقائق
منظر لجزء من الصحراء الكبرى قرب التشاد

تخيل الصحراء الكبرى بكثبانها الرملية التي تمسحها الرياح وتلمع تحت ضوء الشمس؛ لا يرى فيها البعض إلا أرضاً جرداء لا تحوي سوى القليل من المياه والكثير من الحرارة اللاهبة، أما البعض الآخر فيرى فيها حلاً ممكناً لأزمة الطاقة التي بدأت تخيِّم على العالم، وهو حل قد يجلب المطر إلى إحدى أكبر الصحاري في العالم.

فقد نُشر بحث مؤخراً في مجلة Science حول هذا الموضوع، ووجد الباحثون أن من الممكن -ببناء مزارع ضخمة للطاقة الشمسية والريحية في الصحراء- تأمين مقادير مذهلة من الطاقة لأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وتغييرَ المناخ هناك في نفس الوقت؛ حيث ستزيد الحرارة بعض الشيء، ولكن سترافقها زيادة في هطول الأمطار ونمو النباتات في مناطق تحتاج بشدة إلى شيء من اللون الأخضر. ويقدر الباحثون أن هذا العمل قد يؤدي إلى مضاعفة هطول المطر في المنطقة، وزيادة الغطاء الأخضر بنسبة 20% تقريباً.

ولكن ما مقدار هذا الاخضرار بالضبط؟ حيث تمتد الصحراء الكبرى على مساحة 9.2 مليون كيلومتر مربع، وقد نفَّذ الباحثون في الدراسة عمليات محاكاة على نماذج حاسوبية تتضمن توزيع توربينات الرياح عبر الصحراء بفاصل 1.6 كيلومتر تقريباً بين كل اثنين، وتغطية 20% من الصحراء بالألواح الشمسية بتوزيعات مختلفة (مثل نمط لوح الشطرنج أو على شكل أرباع دائرة)؛ فأدَّت نسب التغطية الصغيرة إلى تأثيرات مناخية ضعيفة (أي ضَعُف تزايد هطول المطر)، غير أن مواقع التوربينات والألواح الشمسية كانت ذات تأثير واضح أيضاً، فمثلاً كان تركيب الألواح الشمسية في المنطقة الشمالية الغربية أكثر تأثيراً من المناطق الثلاثة الباقية.

كما أن تغطية أجزاء من الصحراء بالألواح الشمسية داكنة اللون تؤدي إلى ارتداد الشمس عن الرمال، والتي تتميز بلون فاتح للغاية؛ وبالتالي تتمتع بمعامل وضاءة (القدرة على عكس كافة الأطوال الموجية الكهرطيسية) أكثر من جميع الصحاري اللاقطبية الأخرى، وهذا يعني أن الصحراء الكبرى عادة ما تعكس كمية أكبر من الضوء والحرارة إلى الهواء، وبالتالي فإن تقليل معامل الوضاءة بتركيب الألواح الشمسية الداكنة قد يؤدي في الواقع إلى زيادة هطول الأمطار في المنطقة، حتى لو أدى إلى ارتفاع الحرارة قرب الألواح الشمسية؛ حيث سيصعد الهواء الأعلى حرارة إلى مناطق أكثر برودة في الغلاف الجوي، فيتكاثف البخار هناك ويهطل على شكل مطر.

تقول يوجينيا كالناي (المؤلفة الأساسية للبحث) في تصريح صحفي: "في عام 1975 اقترح جول تشارني -وهو مشرفي لرسالة الدكتوراه في إم آي تي- نموذج للتغذية الراجعة من أجل المساعدة على تفسير الجفاف في الساحل؛ وهو الاسم الذي يطلق على المنطقة الانتقالية شبه القاحلة في جنوب الصحراء الكبرى، ويُلخَّص النموذج كما يلي: يزيد الرعي الجائر من معامل الوضاءة للسطح، مما يؤدي إلى إنقاص هطول الأمطار، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة انحسار الغطاء الأخضر، وقد خطرت لي فكرة -منذ حوالي عقد- تقول إن هذه التغذية الراجعة قد تعمل في الاتجاه المعاكس في حال وجود مزارع شمسية كبيرة، وذلك لأنها ستنقص من معامل وضاءة السطح، كما أن المزارع الريحية ستزيد بشكل مشابه من احتكاك الهواء مع سطح الأرض وتقاربه، مما سيؤدي إلى حركة صاعدة للهواء، وهطول للأمطار".

ومع زيادة المطر ستعاود الأعشاب والأشجار نموها ببطء في هذه المنطقة التي كانت وارفة الظلال فيما مضى، وستنتشر بين التوربينات والألواح الشمسية كما يحدث في المزارع الموجودة حالياً.

وستنتج المزرعة الشمسية ما يقدر بقيمة 79 تيرا واط من الكهرباء في المتوسط، أما المزرعة الريحية فسوف تنتج حوالي 3 تيرا واط، وبدون أي انبعاثات للغازات الدفيئة. وحتى نتخيل هذا المقدار بشكل أفضل فإن المؤلفين يقولون إن استهلاك الطاقة على مستوى العالم بأسره وصل العام الماضي إلى حوالي 18 تيرا واط.

غير أن بناء مزرعة شمسية هائلة ليس أمر سهلاً يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها؛ ولهذا قام الباحثون ببرمجة النموذج الحاسوبي لمعرفة ما سيحدث خلال فترة بناء تدوم مائة عام، وخلال الأعوام المائة التالية لانتهاء أعمال البناء. ويقول اثنان من المؤلفين -هما: يان لي، وسافا موتيشاري- في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إذا استطعنا بطريقة ما أن ننهي بناء جميع المزارع الريحية والشمسية بشكل فوري، فسوف نشهد بعض التأثيرات الفورية على الغلاف الجوي، ولكن التأثيرات العائدة إلى حلقة التغذية الراجعة إلى الغطاء الأخضر ومعامل الوضاءة وهطول المطر ستتطلب بعض الوقت قبل أن تظهر؛ وذلك لأن الغطاء الأخضر يحتاج إلى بضع سنوات للنمو، أما واقعياً فسوف يتزايد التأثير مع تزايد حجم المزارع الشمسية والريحية التي انتهى تركيبها".

 

خريطة توضح التغيرات المحتملة في معدلات هطول الأمطار في الصحراء الكبرى في حال بناء مزارع شمسية وريحية على نطاق واسع.
مصدر الصورة: لي وزملاؤه

سابقة خضراء

لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها البشر بتغيير الصحراء الكبرى، فقد كانت منطقة أكثر غِنى بالماء والاخضرار مما هي عليه الآن.

يقول ديفيد رايت (عالم آثار في جامعة سيئول الوطنية الكورية) في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن الصحراء الكبرى كانت من أهم الوحدات الأحيائية للبشرية من حيث كونها مستوعبةً للتنوع الثقافي والبيئي"، ويشير إلى أن المنطقة ليست مجرد مساحة هائلة من الرمل، بل تتضمن الكثير من الجبال والتلال والأنهار والبحيرات الصغيرة، والتي تعد موطناً للآلاف من أنواع الكائنات الحية، ويتابع قائلاً: "بعد أن انفصل النوع البشري عن القردة، ظهر أول أجدادنا المعروفين، والذي أُطلق عليه اسم إنسان الساحل التشادي، وقد اكتُشف في الصحراء الكبرى. وخلال الفترة الأفريقية الرطبة -أي منذ 11,000-5,000 سنة تقريباً- كانت الصحراء الكبرى نظاماً بيئياً متنوعاً شاسعاً، تنتشر فيه البحيرات والتجمعات البشرية التي تعيش على صيد الأسماك، ثم تحولت إلى موقع شهد بدايات تدجين الماشية والجمال والحمير، كما أنها كانت مكان تجمع شبكات تجارية تمتد على قارات كاملة وتُشرف عليها إمبراطوريات ذلك العصر، ويمكننا أن نتعلم الكثير من الصحراء الكبرى حول تكيف البشر مع التغير المناخي في الماضي".

كما نشر رايت بحثاً في العام الماضي يقترح فيه أن مربِّي المواشي انتقلوا إلى المنطقة منذ 4,000 إلى 8,000 سنة، وبطبيعة الحال قامت الماشية بما تقوم به على الدوام وأكلت الغطاء الأخضر؛ مما أدى إلى ارتفاع قيمة معامل الوضاءة، وسرَّع انتقال الصحراء الكبرى من منطقة رطبة إلى وضعها الحالي القاحل.

يقول رايت (والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة Science): "إن التأثير البشري قد دفع بالنظام الطبيعي إلى ما بعد عتبة التصحر؛ حيث تسارع الانتقال من الرطوبة إلى الجفاف في الأماكن التي دخل إليها البشر مع حيواناتهم بشكل يفوق ما كان سيحدث عند غياب هذه العوامل بكثير، وقد ظهرت هذه التغيرات مراراً وتكراراً في عدة صحاري؛ بدءاً من صحراء أتاكاما ووصولاً إلى منغوليا والصحراء الكبرى".

وقد ربط الخبراء ما بين التغير المناخي وتزايد اتساع الصحراء الكبرى، فقد زادت مساحتها بمقدار 10% منذ 1920.

ولم يدرس مؤلفو البحث الجديد أية تأثيرات بيئية أخرى قد يؤدي إليها بناء مزارع شمسية وريحية ضخمة في الصحراء الكبرى، ولكنهم يعتقدون أن تزايد هطول الأمطار سيكون إيجابي التأثير بشكل عام على الناس الذين يعيشون في المنطقة وحولها؛ حيث يقول لي وموتيشاري في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن أغنى 10% من سكان العالم ينتجون نسبة 50% من الانبعاثات الكربونية، ولهذا فإذا كانت الشريحة الأفقر -والبالغة 90% من سكان العالم- ترغب في رفع مستوى معيشتها إلى مستوى الشريحة الثرية باستخدام الطاقة الأحفورية، فسيؤدي هذا إلى زيادة استهلاك الطاقة وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار خمسة أضعاف"؛ أي أن نشر التنمية في جميع أنحاء العالم دون مفاقمة التغير المناخي سيتطلب -وفقاً للباحثين- كل ما يمكن أن ننتجه من الطاقة النظيفة من المصادر المتجددة.

ومن الواضح أن فكرة تغيير المناخ عمداً تُثير الكثير من التساؤلات الأخلاقية، ولكن رايت يشير إلى أننا فعلنا هذا من قبل، حيث يقول: "يميل البشر بطبيعتهم إلى تغيير بيئاتهم حتى تتناسب معهم، لقد تطوَّرنا بهذه الطريقة، وستؤدي نشاطاتنا إلى تغيير البيئة إلى إحدى نتيجتين: إما إنقاذ نوعنا من الانقراض، أو القضاء عليه تماماً، وقد أثرت المجتمعات البشرية بشكل كبير على الأنظمة البيئية في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية. أما فيما يتعلق بالرغبة، فلا شك في رغبة البشر وقدرتهم على بناء العديد من محطات توليد الطاقة في مناطق أفريقيا الصحراوية وشبه الصحراوية، أما الحكمة في هذا العمل فهي مسألة مفتوحة على جميع الاحتمالات؛ حيث يقترح هذا البحث أن هذا الإجراء صحيح ورشيد، ولكن الباحثين يشيرون إلى أن التكاليف والآثار الناتجة عن مشاريع كهذه ليست بيئية فقط".

فتحليل تكاليف مشروع كهذا وفوائده قد يؤدي إلى تغيير العالم لهذه المهمة المرعبة في أحسن الأحوال، ولكن توجد الكثير من المخاطر التي توشك أن تقع، خصوصاً بالنسبة لمن يعيشون في تلك المنطقة حالياً.

يقول رايت: "يجب على السكان المحليين أن يقرروا مدى استعدادهم للمراهنة على نتائج تطوير البِنى التحتية للطاقة، والتي قد ينتشر تأثيرها على نطاق واسع في بيئة المنطقة؛ حيث إن المشاريع التنموية المشابهة -في السياق الجيوسياسي للحقبة الصناعية- لا تفيد سوى عدد قليل من السكان في المنطقة التي تبنى فيها، على الرغم من أنها تصيبهم بأشد تأثيراتها البيئية، أما الفوائد فستتدفق إلى المناطق المتطورة من العالم، والتي لا تتحمل أية مخاطرة وتكتفي فقط بجني الإيجابيات".

وينصح مؤلفو البحث أيضاً بأخذ الحذر في أي مبادرة مستقبلية؛ يقول لي وموتيشاري: "إن بناء مزارع شمسية وريحية على هذا النطاق أصبح ممكناً بشكل أكثر من ذي قبل، ولكنه يتطلب عناية في التخطيط ورؤية واضحة عند اتخاذ القرارات، إضافة إلى تعاون صانعي السياسات، والشركات، وذوي النفوذ والاهتمام، والناس. ونأمل من كل هؤلاء المشاركين المحليين والعالميين أن يتعاونوا من أجل تحقيق هذا المشروع؛ لأنه قد يكون أفضل فرصة متاحة لنا للحفاظ على الحياة على كوكبنا في مستوى معيشة مرتفع للجميع".

المحتوى محمي