يعشق الأميركان السباحة، ولا أدل على ذلك من فوزهم بثلث الميداليات الأولمبية للسباحة، وهو أكثر مما حققه أي بلد آخر في العالم. كما أن اختراع زعانف السباحة ينسب لبنجامين فرانكلين، أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأميركية. يوجد في أميركا حوالي 10.4 مليون حوض سباحة منزلي، كما يوجد مئات الآلاف من أحواض السباحة التي تمتلكها أو تشغلها السلطات المحلية للاستخدام العام، ناهيك عن الصالات الرياضية ونوادي التنس التي تخدم الأعضاء المشتركين فيها.
غير أن أحواض السباحة العصرية الكبيرة المعقمة، وذات الكلفة المنخفضة نسبياً، والتي نعرفها ونحبها حالياً، لم تظهر سوى منذ قرن، بفضل التقدم في التعقيم الكيميائي وتكنولوجيا الفلترة. بل إن بحثاً أكاديمياً (وقد تكون هذه الأبحاث مضحكة للغاية في بعض الأحيان) للكيميائي كيفن أولسن من جامعة مونكلير الحكومية وصل به الحد إلى تقسيم تاريخ أحواض السباحة إلى فترة ما قبل الكلور BC وفترة ما بعد الكلور، في تقليد طريف لتقسيم التاريخ إلى ما قبل وما بعد الميلاد.
غير أن الأحواض، والتجهيزات المستخدمة للحفاظ على نظافتها، ليست بالأنظمة المثالية. وقد حاول أخصائيو الأحواض في العقود الماضية ابتكار أساليب جديدة للحصول على تجربة سباحة أكثر نظافة وراحة. وتعتبر "أحواض المياه المالحة" التي بدأت تنتشر بشكل متزايد، والتي تعتمد على مولدات ملح الكلور بدلاً من المصادر التقليدية مثل محاليل التبييض المنزلية، أحد منتجات هذه المحاولات المستمرة. ولكن على الرغم من كل هذه الجهود، يبدو أننا عاجزون عن الاستغناء عن حمض تحت الكلور، وهو الاسم الكيميائي الدقيق للمادة المستخدمة في أحواض السباحة، والتي يشار إليها اختصاراً باسم العنصر الكيميائي الأولي الأهم فيها، وهو الكلور.
قد تكون السباحة الترفيهية في البحيرات والأنهار والبحار قديمة بقدم البشرية نفسها. وتعود الأحواض الاصطناعية، والمستخدمة في أغلب الأحيان للاستحمام، إلى الحضارات التي نشأت في وادي نهر إندوس في آسيا. ولكن في أواخر القرن التاسع عشر، بدأ الناس يقلقون من احتمال انتشار الأمراض في المسطحات المائية، سواء أكانت طبيعية أو اصطناعية. وعلى الرغم من أنهم كانوا محقين، فإن أساليبهم للتعامل مع هذه المشكلة لم تكن فعالة دائماً. لم يستخدموا محاليل كيميائية، وبنو الأحواض على المنحدرات لتفريغ المياه واستبدالها باستمرار في محاولة للتخلص من الملوثات.
تغير كل هذا في العام 1911، وفقاً لأولسن، عندما حاولت جامعة براون تعقيم حوض كولجيت هويت، وهو حوض مياه ساخنة مفروش بالرخام، ويمثل جوهرة الحرم الجامعي لجامعة براون في بروفيدنس في رود آيلاند. أضاف أحد الكيميائيين إلى مياه الحوض بودرة التبييض -والتي كانت أهميتها قد ازدادت كوسيلة لمعالجة مياه الشرب- وذلك على أمل القضاء على المسحة البنية في مياه الحوض. كتب أولسن: "كانت النتائج رائعة، وانخفض تعداد البكتيريا من 700 جزء في المليون إلى صفر خلال ربع ساعة تقريباً".
انتشرت هذه الأساليب بسرعة، وظهرت القوانين التي تنظم تعقيم أحواض السباحة بعد سنوات قليلة. ولكن المكون الآخر لحوض السباحة العصري، أي نظام الفلترة، لم يظهر إلا بعد مرور بضعة عقود. ويقول أولسن أن فلاتر تراب المشطورات، والتي تعتمد على بودرة من الصخور الرسوبية سهلة التفتت لالتقاط الدقائق الصغيرة في مياه الحوض، لم تنتشر على نطاق واسع إلا عند نهاية الحرب العالمية الثانية. أما الشفاطات، والتي تستخدم لتنظيف سطح الماء من النفايات الكبيرة نسبياً مثل أوراق الشجر أو الأغصان، والتي تشبه فتحة تصريف مياه الأمطار على أطراف الحوض قرب سطح الماء، فلم تظهر حتى العام 1952.
ازدادت شعبية السباحة في الأحواض الاصطناعية التي تخضع لعناية كبيرة. ولكن بحلول السبعينيات، بدأت دلالات التحذير بالظهور، ويسميها أولسن "أولى التصدعات في العلاقة الغرامية الصيفية بين الكلور والسباحة". فمن ناحية، قد يكون تعقيم الحوض بالكلور عملاً مضنياً ومعقداً، خصوصاً بدون وجود نظام آلي. وما زال مالكو الأحواض غير المزودة بأنظمة آلية يخلطون الكلور قرب الحوض، ومن ثم يفرغونه وهم يمشون قرب الحافة. وقد يضطرون لتكرار هذه العملية بشكل يومي، حسب الاستخدام والحرارة وغيرها من العوامل. كما يجب أن يقيسوا نسبة الطحالب ونسبة الحموضة وغيرها من المؤشرات على جودة المياه، ويعدلوها بمجموعة أخرى من المواد الكيميائية عند الحاجة. وفي الواقع، فقد خطرت فكرة البحث على بال أولسن في خضم هذه العملية الرتيبة، ويقول: "كان لدي حوض فوق مستوى الأرض في فناء منزلي، وفي إحدى الليالي، كنت أحرك الكلور فيه، وسألت نفسي: من اخترع هذا الشيء؟"
أما الأسوأ فهو امتزاج كلور الحوض مع البول –وهو ما يحدث كثيراً- والذي تنتج عنه مواد كيميائية تثير المتاعب. تتشكل الكلورامينات عند ارتباط مركبات الكلور الحرة مع البول أو غيره من المواد الكيميائية، وهي المصدر الحقيقي للرائحة المميزة لحوض السباحة، ويمكن أن تتسبب بتهيج البشرة، وحرقة في العينين، ومشاكل تنفسية. وفي الواقع، يبدو أن السباحة المتكررة في أحواض مشبعة بالكلورامين تزيد من خطر الإصابة بالربو وبعض أنواع الحساسية، وفقاً للكلية الأميركية للحساسية والربو وعلم المناعة. أما المكون السام الآخر، كلوريد السيانوجين، فهو يتشكل ضمن ظروف مماثلة ويمكن أن يثبط من قدرة الجسم على استخدام الأوكسجين.
قد تبدو هذه المخاطر مقبولة، نظراً لأن البديل في حالة عدم استخدام الكلور هو الأمراض المعدية. ولكن الكلور لا يؤدي العمل بشكل مطلوب دائماً، فبين العامين 2000 و 2014، ظهرت 493 حالة من انتشار الأمراض في الولايات المتحدة في أحواض السباحة، وأحواض المياه الحارة، والمنتجعات الصحية، والملاعب المائية، ومات بسببها ثمانية أشخاص. وقد نتجت أغلبية هذه الإصابات عن النوروفيروس والشيجيلا والكريبتوسبوريديوم، وجميعها تتواجد في البراز البشري.
على مدى السنوات، ظهرت الكثير من بدائل الكلور، أو على الأقل بدت كأنها بدائل للكلور. ففي 1919، وفقاً لأولسن، كان هناك على الأقل فندق فاخر واحد يعلن عن استخدامه لنظام تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية: "بدون كلور، بدون مواد كيميائية". وفي العشرينيات، حاول مالكو الأحواض استخدام الأوزون، ذلك الغاز الهام لغلافنا الجوي والذي يخضع للكثير من القوانين، ولكنه سام على مستوى الأرض. غير أن أنجح الأنظمة حتى الآن هو الذي يعتمد على مولدات ملح الكلور.
في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، قام بروفسور كيمياء متقاعد بتطوير طريقة جديدة لتشكيل وإطلاق الكلور. وبدلاً من إلقاء المادة المبيضة (تحت كلوريت الكالسيوم) أو غيرها من مركبات الكلور في المياه، يعتمد النظام الجديد على الملح. وحالياً، يشكل هذا النظام حوالي 35% من إجمالي أنظمة التعقيم في الأحواض المنزلية، وفقاً لبيانات داخلية من شركة هايوورد لمنتجات أحواض السباحة.
يقول جيسون دافيلا، مدير المنتجات في الأتمتة الكيميائية في هايوورد: "بدلاً من أن تضع الكلور في الحوض كل أسبوع أو كل بضعة أيام، يقوم النظام بهذا نيابة عنك. ولا يؤمن هذا النظام الراحة فقط، بل يؤمن أيضاً تجربة سباحة أكثر رفاهية، حيث يلاحظ الناس أن المياه أكثر رقة، مع اختفاء رائحة الكلور واحمرار العينين الذي نراه في حالة الأنظمة التقليدية".
قد يوحي الاسم "حوض المياه المالحة" بذكريات المحيط الهادئة والمالحة، ولكن دافيلا يقول أن الملوحة في هذه الأحواض لا تتجاوز ملوحة السائل المستخدم مع العدسات اللاصقة. تبلغ ملوحة البحر حوالي 35,000 جزء في المليون، وتبلغ ملوحة الدموع البشرية نسبة 6,000 جزء في المليون، أما حوض السباحة من هايوورد فلا تتجاوز ملوحته 2,500 إلى 3,500 جزء في المليون. ولتحقيق أقل قدر ممكن من الملوحة، يضيف مالكو المسبح مقداراً ضئيلاً من الملح إلى المياه بشكل يتوافق مع سعة المسبح. ولهذا يزعم بعض المؤيدين لهذا النوع من الاحواض، وبشكل خاطئ، أن هذه الأنظمة التي تعتمد على الملح تقوم بالفلترة بشكل خالٍ من المواد الكيميائية، غير أن دافيلا يقول أن أحواض المياه المالحة تحتاج أيضاً إلى الكلور حتى تبقى نظيفة.
يتكون الملح العادي، أو ملح الطعام، من الكلور والصوديوم، وصيغته الكيميائية هي NaCl. وعندما ينحل في الماء، ينفصل الملح إلى صوديوم وكلور. وإذا كان لديك نظام فلترة يعمل بالملح، وأضفت الملح إلى الحوض، يتم سحب كلور الصوديوم عبر خلية خاصة مصنوعة من صفائح التيتانيوم المغطاة بالروثينيوم، وهو حفاز قوي. تقوم الخلية بتحفيز تفاعل كيميائي، وتطلق أيونات الكلور. وعند أكسدة هذه الأيونات، يتشكل جزيء Cl2، أو غاز الكلور. وفي التفاعل النهائي، ينحل الغاز في مياه المسبح متحولاً إلى حمض تحت الكلور، والذي ينظف مياه الحوض. يقول دافيلا: "هكذا ننتقل من ملح الطعام التقليدي إلى ما نطلق عليه اسم الكلور في مجالنا".
يوجد الكثير من المزاعم حول تفوق هذه الأنظمة، ولكن لا يوجد الكثير من الأبحاث الأكاديمية التي تدعم هذه المزاعم، على الأقل حالياً. وفي الواقع، فإن معظم معلوماتنا تعتمد على خبرة المستخدمين. إن الانطباع بأن مياه المسابح المالحة أكثر "نعومة" أو "رقة" لا يأتي من ورقة بحثية، بل من إحساس من يسبحون في هذه المياه في منتجع ما أو منزل الجيران، وبالطبع، من المواد التسويقية لهذه الأنظمة. ووفقاً للخبراء، فإن الإحساس بنعومة المياه يعود على الأرجح إلى التدرج التناضحي، أي أن مياه المسبح لا (تجفف) جسمنا، لأن مستوى ملوحة المياه قريب من مستوى ملوحة الخلايا في الجسم، ما يجعل تجربة السباحة أكثر متعة.
بشكل مشابه، يقال أن فلاتر المياه المالحة أقل تسبباً باحمرار العينين وتهيج البشرة. وعلى الرغم من أن الكلور هو نفسه في كل مكان، فإن أساليب إطلاقه في المياه يمكن أن تؤثر على استجابة جسمنا للمواد الكيميائية، وفقاً لدافيلا وأولسن. ونظراً لأن إنتاج وتوزيع المحلول المنظف في أنظمة المياه المالحة يتم بشكل منتظم ومتناسق، فهو أقل أثراً من إلقاء كمية كبيرة من المعقم في المياه كل بضعة أيام بالطريقة التقليدية. ويضيف دافيلا أن تحريك الكلور بشكل مستمر يخفف من تشكل الكلورامينات المزعجة.
سواء أكانت أحواض السباحة أولمبية الحجم أو على شكل حبة الفاصولياء، من الواضح أنها تتقاطع مع السياسة والاقتصاد، وتلعب في بعض الأحيان دور مختبرات حقيقية. وعبر التاريخ، لطالما شعرنا بالخوف من انتشار الأمراض والآثار الجانبية للمواد الكيميائية المستخدمة لمواجهتها، ولم نكد حتى نبدأ بتخيل شكل احواض المستقبل. ولكن في المحصلة، سواء أكنت في حوض مياه مالحة أو حوض معقم تقليدياً، لن تجد إحساساً أفضل من الاسترخاء في هذه المياه.