يعترف «فِرات جودر» بأنه غالباً ما يترك الزبادي في المكتب دون فتحه، في درجة حرارة معتدلة لأسابيع عدة قبل تناوله. لم يلاحظ جودر أي أعراض جانبية جراء فعله هذا، ويقول: «ما زال الزبادي صالحاً للأكل. لم أمرض بعد، لكنني لا أنصح أي شخص أن يقلدني».
يعلم جودر، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الحيوية في الكلية الملكية بلندن، أنه ربما كان محظوظاً، فمثل العديد من المستهلكين، فهو يفكر في سلامة الأغذية، لكن لديه وجهة نظر خاصة حول مخاطر استهلاكها. ويقول بهذا الصدد: «أرمي الطعام منتهي الصلاحية، لكني عادةً ما أعتبر تواريخ صلاحية الاستخدام مرجعاً فقط، إذ لا أعتمد عليها وحدها في حكمي».
هل أنت مستعد لإطلاق المخترع الذي بداخلك؟ العب مع ميكي ميكي
يشير جودر إلى التواريخ المحيرة التي غالباً ما تكون على ملصقات الطعام. في الواقع، هذه التواريخ لا علاقة لها بسلامة الأغذية، ولا تشكل خطورة تذكر إذا تم تجاهلها، إلا في حالة حليب الأطفال، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية. يشير تاريخ إصدار المنتج للبيع إلى مدة عرض وتخزين المنتجات في المحلات التجارية. أما تاريخ صلاحية المنتج؛ فيشير إلى آخر تاريخ قبل أن تبدأ جودة المنتج بالانخفاض، على غرار «أفضل تاريخ لاستهلاك المنتج»، أي آخر تاريخ تكون فيه نكهة المنتج مثالية وجودته عالية. لتفادي ارتباك المستهلكين، وضعت الحكومة قائمة مفصلة بالفترة الزمنية التي يمكن في أثنائها اعتبار الأطعمة طازجة. مع ذلك، تربك تلك التواريخ الناس وغالباً ما تدفع الكثير منهم إلى رمي الطعام السليم والصالح للأكل.
يعتقد جودر أنه توصل إلى فكرة من شأنها أن تساعد في حل هذه المعضلة، فقد ابتكر مستشعراً غير مكلف يمكن إضافته إلى الهواتف الذكية، وبمقدور هذا المستشعر تحديد ما إذا كان الطعام الموجود في المنزل أو في المتاجر طازجاً أم لا. يرصد المستشعر الذي يكلف إنتاجه سِنْتين تقريباً غازات التلف، مثل الأمونيا وثلاثي ميثيل أمين، التي ترتبط بملصقات «اتصالات المجال القريب»، وهي رقاقات يمكن للهواتف الذكية قراءتها بسهولة.
يعلق جودر على هذا بقوله: «تحتوي بطاقات الدفع -مثل بطاقات السحب الآلي- على ملصقات اتصالات المجال القريب. إذا ربطت هاتفك مع جوجل أو أبل باي، فسيكون قادراً على قراءة هذه الملصقات». نشرت دراسته التي تدور حول أجهزة الاستشعار في دورية «إيه سي إس سينسورز».
سيساعد المستشعر الناس على تجنب استهلاك الأطعمة الملوثة بالبكتيريا. هذه الأغذية يمكن أن تشكل خطراً على حياتهم إذا لم تطهى بشكل صحيح أو أسيء التعامل معها، إذ ليس ممكناً دائماً التعرّف على الطعام الفاسد من رائحته أو مظهره. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يمرض واحد من كل 6 أميركيين سنوياً بعد تناول طعام ملوث، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
علاوة على الحماية من الأمراض، يمكن أن تلعب أجهزة الاستشعار دوراً هاماً في مكافحة التغير المناخي. ووفقاً لوزارة الزراعة، يضيع ما يتراوح بين 30% و%40 من المواد الغذائية المنتجة في الولايات المتحدة، ويلقى بالطعام في مدافن النفايات، حيث ينبعث منه كميات كبيرة من الميثان (غاز الدفيئة الذي يفوق تأثيره تأثير ثاني أكسيد الكربون، وأحد أهم مسببات التغير المناخي) خلال تحلله. يعني ذلك أن المزارعين يخصصون أراض ومياه شحيحة لإنتاج مواد غذائية؛ سينتهي بها المطاف إلى تلويث البيئة.
بخصوص هذا يصرح جودر: «يمثل هدر الطعام مشكلة في جميع أنحاء العالم، فعندما لا نستهلك الأغذية التي ننتجها ونرميها فقط، فإننا نحتاج إلى إنتاج مزيد من الطعام. إنتاج الغذاء له أثر بيئي كبير، سواء من حيث انبعاثات الكربون أو التلوث البلاستيكي، إذ إن معظم المواد الغذائية تُعلّب بالبلاستيك. إذا استخدمنا مواردنا الغذائية بعناية أكبر، فيمكننا تقليل الأثر البيئي لإنتاج الغذاء».
صمم العلماء أجهزة الاستشعار، المسماة «مستشعرات كهربائية ورقية للكشف عن الغازات» (بي إي جي إس)؛ عن طريق طباعة أقطاب الكربون على ورق السليلوز. يعتقد العلماء أنه -في نهاية المطاف- سيمكن إنتاجها بكميات كبيرة من خلال عمليات طباعة أكثر تطوراً. الهدف هو تكييف التكنولوجيا للكشف عن المواد الكيميائية الضارة المستخدمة في الزراعة، وتلوث الهواء والأمراض التي يمكن تشخيصها من خلال المواد الكيميائية الموجودة في أنفاسنا. يقول جودر إن تلك المستشعرات «تقنية تستخدم لاستشعار الغاز، ولكن يمكن استغلالها في تطبيقات أخرى».
اختبر الباحثون أجهزة الاستشعار تلك على الدجاج والسمك المعبأ فقط، لكن جودر يتوقع أنها يمكن أن تستخدم لاختبار صلاحية مواد غذائية أخرى. ويشير إلى أنها قد تكون متاحة على نطاق واسع في غضون 3 سنوات، وبذلك سيكون المستهلكين قادرين على اختبار صلاحية وطزاجة الأغذية في المتاجر، وفي المنزل. ويضيف: «السبب وراء تركيزنا على اللحوم كونها ذات قيمة عالية، وبصمتها البيئية مرتفعة، وأتوقع أن تعمل المستشعرات بشكلٍ جيد على العناصر الأخرى الغنية بالبروتين. أما بالنسبة للخضر والفواكه، فإننا لم نختبرها بعد».
يقول جودر إن أجهزة استشعار الأغذية المطروحة في الأسواق حالياً غالية الثمن، وتستشعر غازات أخرى غير تلك التي تشير إلى حدوث تلف، لكن مستشعرات (بي إي جي إس) رخيصة ودقيقة. ويتطلع هو وزملاؤه إلى إنشاء مجموعة متنوعة من مستشعرات (بي إي جي إس) يمكنها رصد مواد كيميائية إضافية وتغيرات الرطوبة.
هل أنت مستعد لإطلاق المخترع الذي بداخلك؟ العب مع ميكي ميكي
يرى جودر أن المستهلك لن يكون الرابح الوحيد من هذه التقنية، فحتى المتاجر ستحصل على مكاسب هامة من خلال خفض التكاليف غير الضرورية لرمي الطعام المشكوك في صلاحيته، ويأمل أن تقوم المتاجر بتوضيح أهمية توفير الطعام وعدم رميه للمتسوقين. ويستطرد قائلا: «ثمة طرق عديدة يمكن أن تستفيد بها المتاجر من هذه التقنية. على سبيل المثال، قد يرغب بعض تجار التجزئة في تغيير أسعار المواد الغذائية لكي يتسنى لهم بيع جميع منتجاتهم وتقليل الهدر. قد تساعدهم هذه التكنولوجيا أيضاً على إطالة مدة بقاء بعض المنتجات على رفوف المحلات التجارية وعلى تفادي بيع منتجات منتهية الصلاحية».