عندما حصل التسونامي الكبير بالمحيط الهندي أواخر سنة 2004، وتخطى عدد ضحاياه 250 ألف ضحية، بدأ سكان البحر الأبيض المتوسط يتلمسون رؤوسهم وبدأ القلق يتغلغل إلى نفوسهم، خاصة أنهم شعروا بأنهم يعيشون في كنف وحش قد يلتهمهم في أية لحظة. كان الحل يبدو بسيطاً، أجهزة إنذار مبكر تستبق الأمواج المرعبة، لكن جواب الخبراء كان مخيباً للآمال، فقد تبين أن سرعة أمواج التسونامي قد تصل لحوالي 800 كم/سا وطول البحر المتوسط من مضيق جبل طارق إلى سواحل لبنان حوالي 3500 كم، أي أن الموجة ستبلغ الشاطئ خلال بضع ساعات في أحسن الأحوال، فالحل المعتمد على الإنذار المبكر غير فعال. في هذه الحالات ياتي دور فرق الإنقاذ والاستجابة المبكرة التي ينبغي أن تتحرك بالسرعة القصوى لتدارك الكوارث الطبيعية أو الاصطناعية التي يقع فريستها مئات أو آلاف الأشخاص.
حالياً، يقدر عدد الكوارث التي يبتلي بها سكان الكوكب حوالي 400 كارثة سنوياً وتخلف أضراراً تتجاوز قيمتها 150 مليار دولار، والذي قد يعتبر رقماً كبيراً. لكن باحثين من كلية مارون سمعان للهندسة والعمارة في الجامعة الأميركية في بيروت، بإشراف البروفيسورة مارييت عوض، وجدوا حلاً بالاستعانة بنطاق يعج أيضاً بالأرقام الكبيرة ألا هو نطاق الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
فمع وجود 3 مليارات مستخدم للإنترنت، وجد الفريق البحثي أن جمع الصور التي يضعها المستخدمون والتي تتعلق بكارثة ما يمكن جمعها مع الكلمات المرفقة بها وتحليلها للإنذار بوجود كارثة ما، وقد تم تصميم نظام خاص لتنفيذ هذه المهمة، أظهر في مراحله الأولية دقة فاقت 95%. وقد تم إنشاء هذا النظام بعد أن قام الفريق البحثي بتجميع الصور الموجودة على الإنترنت وتصنيفها إلى فئتين: أضرار البنية التحتية وأضرار البنية الطبيعية، ويتم تحديد الصورة من خلال عدة عوامل منها اللون، الشكل والحبكة الظاهرة وغيرها. كذلك تم تحديد "مجموعة الكلمات" المستخدمة في وصف الصور في كل فئة مما يساعد على تحديد الكلمات المتكررة التي ترتبط بالكوارث، مع العلم أن هذا النظام قابل للنمو والتعلم.
وفي تصريح لبوبيولار ساينس العربية- العلوم للعموم، قالت البروفيسورة مارييت عوض، رئيسة الفريق البحثي، أن هذا النظام يعتمد على 1600 صورة ليتعلم، وقد تمت مقارنته بنظام آخر مدرب مسبقاً على مليون صورة وكانت النتائج متقاربة. وأضافت أن النظام صمم ليعمل بسرعة كبيرة، حيث تمت تجربته على كومبيوتر محمول بمعالج i7-4700 MQ وسرعة 2.44 ميجاهرتز وقد استغرقت العملية بمجملها 3.5 ثانية: 1.5 ثانية لمعالجة الصور، وثانيتين لتحديد الكارثة. وترى البروفيسورة عوض أنه من الممكن تصميم نموذج يسمح بربط هذا النظام مع واجهة تستخدمها فرق الاستجابة لتحقيق الاستفادة الأمثل من هذا النظام.
تم عرض هذا المشروع من قبل عوض والطالبين هادي جمعة ويارا رزق خلال المؤتمر الثاني عشر لتكنولوجيا الإشارات والصور والأنظمة المستندة إلى الإنترنت والذي عقد أواخر العام الماضي في مدينة نابولي بإيطاليا. وقد برزت الفكرة كمقاربة تسمح باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لغايات إنسانية نبيلة. تظهر أهمية هذا البحث من كونه ينقب في منجم غني بالمعلومات البصرية والكتابية هو شبكة الإنترنت، ويحول هذه الشبكة إلى مركز للإنذار يتمتع بسرعة استجابة عالية وبدقة شديدة تزداد مع الممارسة والتعلم الآلي. هذا ما عودنا عليه العلم، النظر إلى الأمور اليومية المعتادة لكن من زاوية أخرى.