تخيل نفسك وأنت تبتلع حبة دواء تحتوي على مستشعر قابل للهضم، لتقوم هذه الحبة بقياس العلامات الحيوية في جسمك، ومن ثم إرسال المعلومات التي جمعتها بشكل لاسلكي إلى طبيبك! أو تخيل حبة دواء قادرة على استشعار التبدلات الحاصلة في الزمرة البكتيرية المعوية لديك، وتعديل جرعة الدواء الذي تحمله بناءً على ذلك!
ذلك ما تشي به التكنولوجيا الحديثة في مجال الأجهزة الطبية الدقيقة القابلة للبلع! وعلى الرغم من وجود الكثير من العوائق والتحديات أمامها، إلا أن التحدي الأبرز يكمن في جعل المصادر التي تزودها بالطاقة آمنة للجسم البشري.
يقول كريستوفر بيتينجر، اختصاصي علوم المادة: "بقي الناس لعقود طويلة يحلمون بيوم يتمكن الإنسان فيه من تطوير أجهزة قابلة للبلع وقادرة على تشخيص أو علاج حالات مرضية. ولكن إذا كان المريض بحاجة لابتلاع مثل تلك الأجهزة الدقيقة بشكل مستمر، فينبغي أخذ سُمّيّة الجهاز بعين الاعتبار. وهنا تأتي أهمية تطوير أجهزة مُصنّعة من مواد طبيعية يمكن أن تحل محل المواد الصناعية التي قد تسبب المشاكل عند تماسها مع نسج الجسم الداخلية".
وقد أنجز بيتينجر وفريق بحثه، الذي يتبع لجامعة ميلون كارنيجي الأمريكية، خطوة كبيرة وهامة على طريق الوصول إلى هذا الهدف. حيث تمكنوا من تطوير بطارية مُصنّعة من الميلانين بشكل رئيسي. والميلانين هو مادة صباغية توجد بشكل طبيعي في الجلد والأشعار وقزحية العين، وهي قادرة على حماية الجسم من المواد المشعة التي تأتي من الشمس، بالإضافة إلى قدرتها على ضم وتحرير الشوارد المعدنية، الجزء الأهم في آلية عمل البطاريات الكهربائية".
تتكون البطارية الجديدة من الميلانين وغيره من المواد المتوافقة حيوياً مع الجسم البشري، مثل أكسيد المنغنيز، والنحاس، والحديد. وقد وجد الباحثون بأن هذه البطارية قادرة على تشغيل جهاز يعمل باستطاعة 5 ميلي واط لمدة 18 ساعة.
يقول بيتينجر: "المشجع في الأمر أن الأجهزة القابلة للبلع وذاتية الانحلال لا تبقى في الجسم البشري لأكثر من 20 ساعة، ما يعني بأن هذه البطارية قادرة على تزويدها بالطاقة طيلة فترة وجودها في الجسم، وهو ما يفي بالغرض تماماً".
من الجدير ذكره بأن البطاريات القابلة للبلع ليست فكرة جديدة، فقد طور باحثون من قبل بطاريات قابلة للبلع، إلا أنها لم تكن قابلة للتحلل الحيوي، ولا بد من طرحها خارج الجسم. وفي حال استخدامها بشكل متكرر، فقد تُلحق الضرر بجسم الإنسان.
ويعكف فريق البحث حالياً على تطوير واختبار بطاريات مُصنّعة من مواد أخرى قابلة للتحلل الحيوي، مثل البكتين. وتتضمن الخطوة القادمة تطوير غطاء آمن وقابل للهضم لهذه البطاريات.
قام فريق البحث بعرض نتائج أبحاثه في أثناء الاجتماع والمعرض الوطني للجمعية الأمريكية لعلوم الكيمياء، والذي شهدت مدينة فيلادلفيا الأمريكية انعقاده في شهر أغسطس من عام 2016.