في عام 1908، وبعد مرور 5 أعوام على نجاح الأخوين رايت بتنفيذ أول رحلة طيران في بلدة كيتي هوك، حقق الملازم في الجيش الأمريكي توماس إيثولين تميزاً مريباً كأول شخص يلقى حتفه في حادث تحطم طائرة. في الواقع، كانت السنوات الأولى في تاريخ الطيران زاخرة بجثث الضحايا.
خلال الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر الماضي، قام أخوان في ولاية واشنطن لأول مرة بعرض طائرة تعد بتحقيق حلم طال انتظاره، وهو إقامة رحلات جوية آمنة تماماً. تمتاز هذه الطائرة بجسم صلب ومجنح يقبع تحت مظلة ضخمة مغلقة بيضوية الشكل؛ وتحتوي على الهيليوم، وتبدو وكأنها نموذج يدمج بين كونها طائرة Plane ومنطاد Blimp، فأطلقوا عليها اسم "بليمب" Plimp.
عرضت شركة "إيجان إيرشيبس" والتي تأسست على يد الأخوين التوأمين جيمس وجويل إيجان، طائرتها الجديدة "بليمب" لأول مرة في معرض "إنتر درون" في وقت سابق من سبتمبر الماضي. حيث كان النموذج الأول عبارة عن طائرة بدون طيار، يجمع تصميمها بين كونها طائرة من جهة ومنطاد من جهة أخرى، وقد بنيت وفقاً للقيود التي تفرضها إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية FAA.
نظراً لأن مظلة الهيليوم (الكيس الكبير الذي يشبه المنطاد في الجزء العلوي من المركبة) تعادل نصف وزن هذه المركبة الجوية، فإنها أكبر حجماً من طائرة مسيرة نموذجية: طولها حوالي 8.5 متراً، وقطرها حوالي 2 متراً.
استكشف الشقيقان إيجان بشكل جاد ولأول مرة؛ إمكانية بناء طائرة مثل هذه في عام 1999، ولكن مواد البناء في ذلك الوقت كانت ثقيلة جداً لجعل كل شيء فيها يعمل بشكل صحيح. وفي عام 2012، أعادا النظر بالفكرة من جديد، مع هيكل طائرة مصنوع من مركبات الكربون، التي تتمتع بخفة الوزن، والقوة الكافية لبناء طائرات عملي من نوع "بليمب"، وقد تبلورت فكرتها في أذهانهما قبل ذلك التاريخ بوقت طويل.
يقول جيمس إيجان: "لقد توصلنا إلى الفكرة كما يفعل الأطفال، كنا نجرب بالونات الهيليوم مع طائرات شراعية مصنوعة من الخشب في مرآب والدنا".
كان والدهما مهندساً في شركة بوينج، ولكن كلاً من جيمس وجويل اتخذا مسارات مهنية بعيداً عن مجال الطيران. وعندما قررا تنفيذ فكرة "بليمب"، توجها إلى دان ريمر، والذي عمل سابقاً على تنفيذ نموذج المنطاد "دايناليفتر" Dyanlifter. وقد استخدم هذا المنطاد أجنحة صغيرة للارتفاع، ومراوح كهربائية للاندفاع، ما يمكنه من الإقلاع والهبوط بشكل عمودي وتنفيذ مناورات في السماء ببراعة تتجاوز ما يتوقعه المرء من نموذج مماثل أن يفعل.
في الوقت الحالي، يمكن لهذا المنطاد أن ينقل حمولة تصل إلى 6.5 كيلوجراماُ تقريباً، على الرغم من أن هناك مقايضة بين مقدار الحمولة وحجم البطارية. فمع حمولة تبلغ 2.3 كيلوجراماً تقريباً، والتي قد تكون كاميرا معلقة أسفل الطائرة، بإمكان "بليمب" أن تحلق لمدة تصل إلى ساعة كاملة بينما تنطلق بسرعة 48 كيلومتراً في الساعة تقريباً. لا تزال هذه الطائرة – باعتبارها طائرة تجارية بدون طيار تزن 25 كيلوجراماً – تخضع للقيود الأساسية التي تفرضها إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية، كالتحليق ضمن نطاق الرؤية الخاص بمشغّلها.
ولكن نظراً لضخامة حجمها، بالنسبة لطائرة بدون طيار، فإن نطاق الرؤية الخاص بها يصل حتى ارتفاع 4.8 كيلومتراً تقريباً. وإلى جانب نطاق الرؤية، تحاول "بليمب" تحقيق شيء لم يسبق لأحد أن سمع به من قبل في تاريخ الطائرات: ضمان عدم السقوط.
تزعم شركة "إيجان إيرشيبس" أن المظلة المغلقة قوية بما فيه الكفاية كي لا تتمزق، حتى وإن غرز أحد ما سكيناً فيها، أو أطلق النار عليها من بندقية.
وبوجود مظلة مغلقة في حالة سليمة، وأثناء الهبوط غير المعزز بمحركات، ستصل سرعة "بليمب" القصوى في سقوطها إلى 14.5 كيلومتراً في الساعة تقريباً، والتي تعد سرعة يمكن معها لكل ما يرافق الطائرة في السقوط أن يبقى على قيد الحياة في نهاية المطاف. إنها ميزة بيع في غاية الأهمية بالنسبة لتصاميم "بليمب" المستقبلية، التي ستكون أكبر حجماً، وتحمل على متنها مسافرين من البشر. كما أنها ميزة هامة أيضاً بالنسبة لنماذج الطائرة المسيرة، فهي تعني أن أياً من المعدات باهظة الثمن التي ترافق هذه الطائرة، من المرجح جداً أن تبقى سليمة عند وقوع أي حادث تحطم محتمل.
بالنسبة للنسخة الأولية من هذه الطائرة والتي لن تحمل بشراً وسيبلغ ثمنها رقماً يتكون من 6 منازل (مئات آلاف الدولارات) فإن شركة "إيجان إيرشيبس" تتطلع إلى التعامل مع مجموعة متنوعة من العملاء تبدأ مع المزارعين الراغبين بإجراء عمليات مسح أكثر كفاءة للحقول الكبيرة، إلى خفر السواحل، وإدارة الأمن الداخلي، لتسيير دوريات لمرافقة مساحات خالية شاسعة من البر والبحر، كما أنها قد تلائم أصحاب الإعلانات الحريصين على شد الأنظار باتباع طرق جديدة وغير مألوفة.
يقول جويل إيجان: "تستطيع بليمب تقديم عروض مثيرة وجريئة، عروض لا يمكن للوحات الإعلانات أن تقوم بها".
إن النموذج الحالي من "بليمب" ليس سوى البداية فقط من الحلم الطموح الخاص بشركة "إيجان إيرشيبس". فهم في الوقت الحاضر يتقدمون بطلب للحصول على استثناءات من إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية ليتمكنوا من بناء طائرات يتجاوز وزنها عتبة 25 كيلوجراماً، وتشغيلها فوق مناطق مأهولة بالسكان، وذلك بفضل مظلة بليمب المغلفة القادرة على الطفو في الهواء.
ويبقى الحلم النهائي، وهو الانتقال من مجرد طائرة بدون طيار مستقرة وآمنة، وصولاً إلى شكل جديد من وسائل النقل المأهولة. تحدث الأخوان إيجان كثيراً عن إمكانية بناء مكوك "بليمب" بطول يقارب 46 متراً، ليكون قادراً على نقل 12 شخصاً من مطار سياتل إلى حرم شركة مايكروسوفت خلال 6 دقائق (وهي رحلة تغطي مسافة تقارب 25 كيلومتراً عندما تحلق بليمب)، أو نقل حمولة ضمن مهمة نقل قد تتمكن من توصيل الأدوية إلى أرجاء منطقة الأمازون، حيث لا يمكن للسيارات والقوارب أن تذهب، حيث تحتاج فقط إلى مساحة صغيرة خالية لتتمكن من الهبوط.
منذ أن قرر الأخوان إيجان الانضمام لطريق طويل من الابتكارات الجوية، وهما يعتبران أن "بليمب" تمثل الخطوة الأولى في حقبة جديدة من الرحلات الجوية الآمنة. يقول جويل إيجان: "إن جميع هذه الاختراعات، من البالونات إلى المناطيد إلى الطائرات إلى المروحيات، كانت تشكل سباقاً يتعرض الناس فيه إلى الأذى، وأنا أعني هنا بكلمة الأذى؛ التعرض للموت".
إن كانت "بليمب" قادرة على أن تفي بوعودها، وإن كانت هذه المركبة الجوية الهجينة التي تجمع بين الطائرة والمنطاد؛ آمنة ومفيدة بقدر ما هي واعدة، فقد تتمكن عندئذ من تحقيق رؤية تخص مستقبل المناطيد جرى عرضها في مجلة "بوبيولار ساينس" في عام 1923، حيث تم الحديث عن مستقبل مشرق ينتظر وسائل النقل؛ سيكون تحقيقه ممكناً بفضل المناطيد.
ولكن قبل الحديث عن إمكانية تحقيق أحلام مثل هذه، لا شك أنه يتعين على "بليمب" أن تثبت نفسها أولاً كطائرة بدون طيار.