بخلاف اللسعات المؤلمة لنمل الجيش، تُعرف هذه الحشرات غالباً بأنها تبني هياكل معقدّة ومذهلة باستخدام أجسادها. عندما تواجه مجموعات النمل العامل الصيادة عقبات مثل أغصان الأشجار المتساقطة أو الفجوات في الغطاء الورقي أو الجداول الصغيرة، توحّد هذه الحشرات الصغيرة قواها لبناء جسور تستطيع النملات الأخرى اجتيازها. هذه قدرة مثيرة للإعجاب بقدر ما هي محيّرة إلى حد ما؛ إذ إن هذه الجسور هي مباني حية زاحفة في النهاية.
لكن أحد الفرق البحثية لا يدرس قدرة هذه الحشرات الصغيرة على التنسيق للاستفادة منها في المشروعات الإنشائية المستقبلية؛ بل إنه ينظر في كيفية استخدام الروبوتات في محاكاة العمل الجماعي لنمل الجيش.
اقرأ أيضاً: محرك الجينات: تقنية يمكن من خلالها السيطرة على الحشرات الضارة
محاكاة العمل الجماعي لنمل اليش في تصنيع الروبوتات
قالت الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في معهد نيو جيرسي للتكنولوجيا، إيزابيلا موراتور، المتخصصة في تقنيات البناء التي يتبعها نمل الجيش، لبوبساي في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "يبني نمل الجيش الهياكل باستخدام عمليات الذكاء الجماعي اللامركزية. يعني ذلك أن كل نملة تتبع مجموعة من القواعد حول كيفية التصرف بناءً على المدخلات الحسية؛ ما يؤدي إلى بناء أشكال معمارية دون الحاجة إلى أي تخطيط مسبق أو أوامر من أي قائد".
طورت موراتور وزملاؤها علماء الحشرات بالتعاون مع مهندسين من معهد نيو جيرسي للتكنولوجيا وجامعة نورث ويسترن سلسلة من الاختبارات التي هدفت إلى قياس ردود فعل نملات الجيش العاملات واستجاباتها اللوجستية للعوائق البيئية.
وضع الباحثون مجموعة من العوائق في المسارات التي يتبعها النمل في الغابة، وصوّرت موراتور النمل وحللت التكيّفات التي ساعدته على الاستمرار في اتباع هذه المسارات. اختبر الفريق أيضاً باستخدام نتائج أبحاث النمذجة السابقة إن كانت جسور النمل قادرة على تحمل التغيرات الصغيرة المفاجئة في طول العوائق باستخدام جهاز تباعد قابل للتعديل.
اقرأ أيضاً: باحثون يتوصلون إلى طريقة لجعل الروبوتات تعمل معاً
ما الذي يمكن تعلمه من النمل؟
قدّمت موراتور وزملاؤها النتائج التي توصلوا إليها مؤخراً في المؤتمر السنوي لجمعية الحشرات الأميركية لعام 2023. وفقاً لما لاحظه الباحثون؛ يختار نمل الجيش عموماً بناء الجسور في المواقع الأكثر كفاءة، وهي أماكن واسعة بما يكفي لدرجة أن عبورها يستوجب بناء الجسور ولكنه يتطلب استخدام أقل عدد ممكن من النمل في الوقت نفسه. يؤثر عدد الجسور التي يجب بناؤها خلال فترة زمنية محددة أيضاً في القرارات الجماعية للنمل المتعلقة بتخصيص الموارد.
شبّه أستاذ الهندسة في معهد جورجيا للتكنولوجيا، ديفيد هو، الذي يركّز على دراسة الطوافات التي يبنيها النمل الناري في أثناء الفيضانات، النمل بالخلايا العصبية في دماغ كبير في حديث أجراه مؤخراً مع شبكة الراديو الوطنية الأميركية العامة حول هذا الموضوع. تسهم كل نملة في اتخاذ القرارات بطريقتها الخاصة بدلاً من أن تحدد نملات إفرادية أبعاد الجسر والمواقع التي يجب أن يُبنى فيها.
تعتقد موراتور وزملاؤها أن قدرة نمل الجيش على التعاون يمكن أن تساعد المهندسين قريباً على برمجة أسراب من الروبوتات استناداً إلى أدمغة هذه الحشرات والمبادئ السلوكية التي تتبعها. تختلف سمات النمل باختلاف نوعه؛ لكن أدمغة هذه الحشرات التي يبلغ حجم كل منها نحو 1.1 ميكرولتر تخزّن كمية مفاجئة من المعلومات.
اقرأ أيضاً: للحصول على روبوتات رائعة، عليك أن تتغلب على هذه التحديات أولاً
روبوتات متكيفة
لا تتطلب محاكاة هذه القدرة العقلية استهلاك كمية كبيرة من الطاقة. وقد يبقى توسيع نطاقها عبر عدد كبير من الروبوتات منخفض التكلفة نسبياً، مع تعزيز القدرة الوظيفية لهذه الروبوتات بمقدار كبير. قالت موراتور في الرسالة السابقة الذكر إن هذا قد يتيح لهذه الروبوتات "التكيف بمرونة مع مجموعة متنوعة من التحديات؛ مثل الاتصال ببعضها لبناء الجسور فوق الفجوات ذات الأطوال المختلفة بأكثر الطرائق كفاءة".
تصميم روبوتات قادرة على العمل الجماعي هو إنجاز بالغ الأهمية سيساعد على استخدام هذه الآلات في العديد من القطاعات وضمن العديد من السيناريوهات، بدءاً من استكشاف الفضاء الخارجي ومشروعات تنظيف المحيطات إلى جهود البحث والإنقاذ في المناطق التي تعد أخطر من أن يدخل إليها البشر. في هذه الحالات، لا يؤدي التنسيق بسرعة وكفاءة إلى توفير الوقت والطاقة فحسب؛ بل يمكن أن ينقذ الأرواح أيضاً.