ملخص: إحدى أكبر المشكلات في هندسة مواد البناء هي أنها تفشل بطريقة مفاجئة وكارثية. والآن، تمكّن باحثون في جامعة برينستون من حل هذه المشكلة عبر تطوير مادة بناء جديدة مستلهمة من بنية عظم الفخذ لدى البشر، الذي يحتوي على العديد من الأجزاء الأنبوبية المجوفة التي تُسمَّى العظمونات. هذه المادة أكثر صلابة بنحو 5.6 مرات من الخرسانة التقليدية، وهي تعتمد على هياكل أنبوبية الشكل تُكسب المادة آلية تقوية تدريجية، فبدلا من أن يؤثر الشق في البنية الخرسانية، ينتشر عبر "شقوق مفضلة" ليتشتت وتتبدد طاقته. يمكن لهذه الآلية التحكم في اتساع الشقوق، فتقي الخرسانة من الانهيار والفشل المفاجئ. يمكن أن يسهم هذا التصميم في توفير حماية طويلة الأمد للهياكل العمرانية، وتجري الدراسات لاكتشاف المزيد من إمكانات المادة.
ألهمت عظام الفخذ لدى البشر تصميم مادة بناء جديدة إسمنتية أقوى بعدة مرات من الخرسانة التقليدية. لكن قدرة هذه المادة الشبيهة بالعظام على التحمل ليست ناتجة من أي إضافات جديدة، بل من شكلها المجوف.
الهياكل المجوفة أكثر مقاومة للتشقق
بيّن باحثون من جامعة برينستون في دراسة نشرتها مجلة أدفانسد ماتيريالز (Advanced Materials) بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2024، كيف يمكن استخدام معجون الإسمنت المصبوب في هياكل مجوفة على شكل أنابيب لصنع كتل بناء أكثر مقاومة للتشقق أو "الفشل المفاجئ" (وهو مصدر قلق كبير في مجال البناء) بنحو 5.6 مرات مقارنة بالخرسانة القياسية.
اقرأ أيضاً: ما هي التفجيرات الهندسية للمباني بغرض هدمها؟ وكيف تضمن أمانها؟
قال المؤلف المشارك للدراسة والمرشّح لنيل درجة الدكتوراة في الهندسة، شاشانك غوبتا، في بيان صحفي مصاحب للدراسة صدر بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2024: "إحدى المشكلات في مجال هندسة مواد البناء المتقصّفة هي أن هذه المواد تفشل بطريقة مفاجئة وكارثية".
استمد الباحثون حل هذه المشكلة من بنية الغلاف الخارجي الكثيف لعظم الفخذ لدى البشر، الذي ينتمي إلى نوع من النسيج العظمي يحمل اسم "العظم القشري". تحتوي هذه الطبقة البالغة الأهمية من العظم على العديد من الأجزاء الإهليلجية الأنبوبية التي تحمل اسم "العظمونات" وتنتظم في شبكة عضوية، وتحيط بها أسطح ضعيفة نسبياً تحمل اسم "الخطوط الإسمنتية".
طريقة توفّر مسارَ شق مفضّلاً
وفقاً لما كتبه الباحثون في الدراسة، عندما تتعرض العظام إلى الإجهاد، توفّر الخطوط الإسمنتية هذه "مسار شق مفضّلاً من الناحية البنيوية الدقيقة، ما يؤدي إلى انحراف الشق في مسار أفقي حول العظمونات بسبب تفاعل الخط الإسمنتي مع الشق".
وقال الأستاذ المساعد في الهندسة المدنية والهندسة البيئية وقائد الدراسة، رضا معيني، في البيان السابق الذكر: "قد تتوقع أن تصبح المادة أقل مقاومة للتشقق عند إضافة الأنابيب المجوفة إليها، ولكننا لاحظنا أنه من خلال الاستفادة من الخصائص الهندسية للأنابيب وحجمها وشكلها وتوجيهها، يمكننا تحفيز تفاعلها مع الشقوق لتعزيز خاصية واحدة دون التضحية بأخرى".
اقرأ أيضاً: العلماء يطوّرون نوعاً جديداً من الخرسانة يحتوي على بقايا القهوة المطحونة
استفاد المهندسون من هذه الخصائص لتكييف نماذج إنتاج الخرسانة واختبار إن كانت الأشكال المجوفة المستوحاة من العظام تعزز قوة هذه المادة. على عكس الأنواع الأخرى من الخرسانة، لا تتطلب المادة الجديدة استخدام المواد المضافة مثل الألياف أو البلاستيك. بدلاً من ذلك، اعتمد الباحثون ببساطة على التصميمات الهندسية الدقيقة.
اكتشف فريق معيني في الاختبارات المخبرية أن التفاعلات المحسّنة بين الشقوق الإجهادية والأنابيب المجوفة أكسبت المادة "آلية تقوية تدريجية". خلال عملية التفاعل، يبقى الشق داخل الأنبوب ولا يتمكن من الانتشار في مساحة كبيرة. ولكن إذا انتشرت الشقوق، تتبدد طاقتها في كل خطوة لخفض درجة الضرر.
قال غوبتا: "ما يجعل هذه الآلية التدريجية فريدة هو أنها تتيح التحكّم باتساعات الشقوق، ما يقي من الفشل المفاجئ الكارثي. تتحمل المادة الجديدة الضرر التدريجي بدلاً من أن تنكسر دفعة واحدة، ما يجعلها أكثر صلابة بكثير".
يعتقد غوبتا أن الفريق "لم يكتشف سوى القليل من إمكانات" مادة البناء الجديدة المستوحاة من العظام. ويشير إلى أن هناك العديد من المتغيرات الأخرى التي يجب النظر فيها في الأبحاث، مثل تغيير حجم الأنابيب وشكلها وتوجهها. يمكن تطبيق النتائج الجديدة في المستقبل على المواد الهندسية المتقصّفة الأخرى للإسهام في تقوية المباني أكثر.