إذا كنت تبحث عن الأخبار السيئة في العالم التقني، فسوف تجد الكثير منها، بدءاً من المخاوف حول موضوع القرصنة الإلكترونية لسرقة المعلومات الشخصية، وصولاً إلى استبيان بريطاني في عام 2017 اعتبر إنستغرام "الأسوأ للصحة النفسية للشباب" مقارنة بأربع منصات أخرى للتواصل الاجتماعي، وغيرها الكثير مما قد يكفي لتحويلك إلى عدو للتكنولوجيا.
ولكن الناحية الأخرى من الموضوع قد ترسم الابتسامة على وجهك، فقد بدأ الباحثون والشركات التقنية يعتمدون على الذكاء الاصطناعي وغيره من الأنظمة البرمجية في محاولة لحل أية مشكلة يمكن أن تخطر في ذهنك، بدءاً من كشف الأخبار المزيفة، إلى ملاحظة وقوع شخص ما على الأرض، وصولاً إلى البحث عن أساليب لتسريع عمل جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي.
كما بدأت بعض الشركات ببناء برمجيات لمساعدتك في تغيير أفكارك نحو الأفضل، وحتى تحليل الصوت بحثاً عن دلالات على الإصابة بالاكتئاب.
وهناك "ووبوت"على سبيل المثال، وهو تطبيق روبوت دردشة ظريف تم تصميمه حتى يلعب دور مساعد عاطفي جاهز للعمل على مدار الساعة، كما أنه مجاني، ويبدو كتطبيق رسائل نصية مثل آي مسنجر في آبل. ويطرح هذا الروبوت المرح أسئلة مثل: "ما رأيك في أن تأخذ لحظة لتفكر في الأمور التي تشعر بالامتنان لوجودها اليوم؟" كما يمكن أن يقدم لك أشكالاً بيانية لتغير مزاجك مع الوقت، أو يعطيك بعض المعلومات حول الأفكار اللاوسطية مثل: "لا أحد يحبني على الإطلاق".
وتم إطلاق هذا الروبوت في السنة الماضية، وهو ليس معالجاً بشرياً على الإطلاق، ويجيب بردود مُعدة مسبقاً، كما أنه لا يحاول أن يخدعنا حتى نظن أنه شخص حقيقي. غير أن هذا ليس الهدف من تصميمه على أي حال، بل يهدف إلى مساعدة الأشخاص الذين قد لا يحتاجون إلى أخصائي طبي، أو لا يستطيعون التعامل معه حالياً. وهو ينفع على سبيل المثال في حالات الإصابة بنوبة من الذعر في منتصف الليل.
تقول أليسون دارسي (وهي عالمة نفس ومؤسسة مختبرات ووبوت): "إنه مصمم لدعم الصحة النفسية للجميع، فنحن نحاول أن ندعم نقلة ثقافية تقوم على الاعتراف بمسائل الصحة النفسية ووجوب العناية بها يومياً لدى الجميع". وهو بطبيعة الحال ليس مخصصاً لتشخيص أمراض نفسية، فهذا مجال عمل الاختصاصيين.
وتضيف دارسي: "يعتبر مجال الصحة النفسية من أفضل المجالات لاستخدام الذكاء الاصطناعي، نظراً لنقص عدد الاختصاصيين". إنه طريقة جيدة لتحقيق ما يسمى "نقل المهام"، أو إزاحة بعض عبء العمل البشري باستخدام تطبيق مثل ووبوت، الذي لا ينام ولا يرسل إليك بفاتورة أتعابه.
ومن التطبيقات المشابهة له تطبيق "توكسبيس"، غير أنه ليس روبوت دردشة، بل يقوم بالوصل ما بين الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة، والمعالجين النفسيين. ويتواصل المرضى مع الاختصاصيين برسائل نصية طويلة، وملاحظات صوتية، ورسائل فيديو، أو حوار مباشر بالفيديو. وإضافة إلى هذا يستخدم التطبيق قاعدة بيانات خاصة بالمنصة -تحوي بيانات مركبة أُزيلت هُوية المستخدمين منها- وذلك لتقديم اقتراحات ونصائح للمعالجين، يمكن أن يقبلوا بها أو يتجاهلوها، مثل اقتراح إرسال رسالة فيديو مسجلة سابقاً في وقت معين، وذلك وفقاً لنيل لايبويتز (المسؤول الطبي الأساسي للشركة).
كشف الاكتئاب
توجد أيضاً شركة باسم كوجيتو، أنشئت في مختبر الميديا في إم آي تي، وهي تصمِّم برمجيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي من أجل مراكز الاتصالات (سنتحدث عن هذا لاحقاً)، وعلى الرغم من أن هذا هو عملهم الأساسي، فإنهم أيضاً يقومون بأعمال أخرى تتعلق بالمحاربين القدماء.
وتعمل الشركة بالتعاون مع المؤسسة الأميركية لشؤون المحاربين القدماء في مكتب في كولورادو يركز على منع الانتحار، يقول سكايلر بليس (وهو المسؤول الرئيسي لعلم السلوكيات في شركة كوجيتو) إن البرنامج يشمل عدة مئات من المحاربين القدماء يقومون باستخدام تطبيق كوجيتو كومبانيون، ويستطيعون أن يستخدموه لتسجيل رسائل إلى أنفسهم. يقول بليس: "تقوم تقنيتنا بتحليل مزاج المستخدم ومدى إصابته بالاكتئاب، وذلك اعتماداً على نغمة الحديث والاندفاع وأسلوب التوقف المؤقت"، وبعد ذلك يتلقى الاختصاصيون علامة من واحد إلى مائة تعبر عن مزاج المستخدم.
تتمحور أبحاث أخرى من إم آي تي حول أمور مشابهة، وعلى سبيل المثال فإن تقى الهنائي (وهي طالبة مرشحة لدرجة الدكتوراه في قسم علوم الحاسوب والهندسة الكهربائية) تركز على استخدام الذكاء الاصطناعي لكشف المشاكل النفسية مثل الاكتئاب؛ وذلك بتحليل ملفات الفيديو أو ملفات نصية لكلام الشخص المعنيّ. وتستخدم الهنائي الشبكات العصبونية -وهي من التقنيات الشائعة في الذكاء الاصطناعي- لمعرفة مدى إصابة الشخص بالاكتئاب. وهي تقول إن أفضل شبكة عصبونية تعتمد على بيانات مركبة من النصوص والصوت تعمل بدقة 77%.
كما تقول: "بشكل أساسي، ننظر إلى هذه التقنية على أنها قد تكون مفيدة كأداة فحص أوّلي لمساعدة الاختصاصيين، ولا نعتقد أنها ستحل محلهم".
وتضيف قائلة: "إن الرؤية الكبيرة لهذا العمل هي بناء نظام قادر على استيعاب الحوارات والتفاعلات الطبيعية والتلقائية، واستخدامها للتوصل إلى بعض الاستنتاجات حول وضع الشخص المعني". وترى أن الناس قد يتعلمون التعرف على دلالات الاكتئاب التي تعلمتها الخوارزميات نفسها، حيث تقول: "يمكنك -بصفتك بشرياً- أن تتعلم أي شيء تعلمته الخوارزمية، وتتحول إلى أفضل صديق أو جار بفضل هذه المعلومات".
المُستمع
صحيح أن كوجيتو تعمل في مجال الصحة العقلية مع مكتب شؤون المحاربين القدماء، إلا أن تركيزها الأساسي يقع في مجال مختلف كلياً، وهو: مراكز الاتصالات.
فقد قامت الشركة بتصميم برنامج يعتمد على الذكاء الاصطناعي للاستماع إلى الحوارات بين العاملين في مراكز الاتصالات (مثل مراكز الاتصالات لشركات ميتلايف وهيومانا) والبشر العاديين، ومن ثم يقوم بتقديم توجيهات لمساعدة العامل على تحسين أدائه. يقول بليس: "صمَّمنا البرنامج لالتقاط الوقفات المؤقتة، والمقاطعات، والتوتر، والطاقة، والحماس، والملل"، ويقوم النظام بتحليل الصوت في الزمن الحقيقي، بمعدل مرة كل 16 ميلي ثانية.
وبعد إجراء التحليل، يقدِّم النظام توجيهات مكتوبة إلى عامل مركز الاتصالات، وبما أن هؤلاء الموظفين يتعاملون بشكل متكرر (وفائق التكرار أيضاً) مع نفس الموضوع، فمن المحتمل أن "يبدؤوا العمل بشكل أشبه بالروبوتات، والكلام بصوت رتيب خالٍ من الحماس والطاقة" كما يقول بليس، وعندها يقوم البرنامج بعرض ملاحظة على الشاشة بشكل فنجان القهوة، وذلك لتنبيه العامل إلى زيادة الانفعال والطاقة في لهجته. يقول بليس: "إنه مثال مثير للاهتمام عن حالة يساعد فيها الذكاء الاصطناعي البشر على أن يتكلموا بطريقة أقرب إلى البشر".
وإضافة إلى فنجان القهوة ذاك، فإن العاملين يمكنخك أن يروا أيضاً قلباً ورديَّ اللون، وهو عبارة عن "تنبيه تعاطف" كما يقول بليس، لتذكير العامل بأن "يتوقف قليلاً ويبدي اهتمامه بالحالة العاطفية للزبون"، وفقاً لبليس. ولكن هل من المؤسف أن يحتاج البشر إلى تذكيرات من الذكاء الاصطناعي لإبداء المزيد من التعاطف؟ هذا موضوع آخر...