يبدو من الصعب على قانون الطائرات بدون طيار أن يعرف الاستقرار، كما هو حال الطائرات المسيرة التي لا تعرف الهدوء. في 19 مايو الماضي، قامت محكمة الاستئناف المتنقلة في قطاع كولومبيا بإلغاء حكم قائم صادر عن إدارة الطيران الاتحادية الأمريكية FAA؛ كان يطلب من مستخدمي الطائرات المسيرة التسجيل في قاعدة بيانات فيدرالية في محاولة لفرض مبدأ المحاسبة.
وفقاً للقرار، لم يتمتع الحكم بالمكانة القانونية التي تجعله قابلاً للتطبيق على أي أحد يشغّل طائرات مسيّرة كهواية أو لأغراض ترفيهية، والذين يرجح أن عددهم يفوق عدد الأشخاص المسجلين، والذي يبلغ حوالي 800,000.
في قانون إدارة الطيران الاتحادية للعام 2012 المتعلق بالتحديث والإصلاح، حدد الكونغرس قواعد خاصة لنماذج الطائرات، التي يتم التحليق بها من قبل الهواة أو لأغراض الترفيه، وكلف FAA بوضع قواعد تحكم المجال المتنامي للطائرات المسيرة الصغيرة، خاصة تلك التي تقع خارج نطاق الاستثناء المتعلق بنماذج الطائرات الهاوية.
في ديسمبر 2015، أعلنت FAA أن على جميع مالكي الطائرات المسيرة التي تزن أكثر من 250 غرام (أو ما يقارب وزن اثنتين من أصابع الزبدة) التسجيل كمشغلي طائرات بدون طيار، في قاعدة بيانات وطنية تضم مستخدمي هذا النوع من الطائرات. يقول الحكم الذي صدر الأسبوع الماضي - الذي جاء ناطقاً باسم عشاق نماذج الطائرات المسيرة في واشنطن العاصمة – إنه من خلال إنشاء هذا السجل، تجاوزت FAA حدود توكيلها القانوني بموجب قرار إعادة التفويض الصادر عام 2012، وفي مقدمتها القانون الخاص بنماذج الطائرات بدون طيار.
كتب قاضي المحكمة المتنقلة بريت كافانوغ يقول: "باختصار، فإن قانون إدارة الطيران الاتحادية للعام 2012 المتعلق بالتحديث والإصلاح ينص على أن FAA ’’قد لا تصدر أي قاعدة أو قانون ناظم يخص إحدى نماذج الطائرات المسيرة‘‘". ويضيف: "أما قانون التسجيل الخاص بهذه الإدارة للعام 2015 فهو ’’قاعدة أو قانون ناظم يخص نماذج الطائرات المسيرة‘‘. هذا لا يعني أن التفسير القانوني قد أصبح أكثر سهولة، فقانون التسجيل لا يعتبر قانونياً عند تطبيقه على نماذج الطائرات المسيرة".
لكي نصف ما حدث ببساطة نقول، إن الأشخاص الذين يطيّرون الطائرات كهواية أو لأغراض الترفيه باتوا الآن مستثنين من سجل الطائرات المسيرة. كما أدى هذا الحكم أيضاً إلى تحول القائمة الفيدرالية التي تضم كافة مالكي الطائرات المسيرة القانونيين إلى قاعدة بيانات لاغية، والتي كانت عبارة عن قاعدة بيانات مبهمة من الناحية القانونية ضمت معلومات الأشخاص الذي سجلوا طائرات بدون طيار على مدى العامين الماضيين، والذين لم يعد جزء منهم الآن خاضعين لشروط التسجيل.
تقول FAA في بيان لها نُشر مباشرة بعد إصدار الحكم: "نعيد نقوم بإجراء مراجعة دقيقة لقرار محكمة الاستئناف الأمريكية بما أنه مرتبط بسجلات الطائرات المسيرة". وتضيف: "وضعت FAA القوانين الناظمة الخاصة بالتسجيل والتشغيل لضمان تشغيل الطائرات بدون طيار بطريقة آمنة وبحيث لا تشكل تهديدات تتعلق بالجوانب الأمنية والخصوصية. نحن بصدد النظر في خياراتنا وكيفية الاستجابة لهذا القرار".
على مدى العامين الماضيين، تعاملت FAA، والجزء الأكبر من عالم الطائرات بدون طيار، مع الأمر كما لو كان السجل لاعباً أساسياً دائماً. بالاعتماد على هذا السجل، قامت الأداة الخاصة بتنظيم الرحلات الجوية AirMap بإصدار خريطة تظهر توزع المناطق التي يتركز فيها مشغلو الطائرات المسيرة. في اليوم الذي سبق حكم المحكمة المتنقلة، استخدم إريك إيكهوف بيانات السجل لإنشاء خريطة لمشغلي الطائرات المسيرة الأفراد، وقام بنشر النتائج التي توصل إليها. في ظل غياب نظام السجلات المركزي الذي يخص مبيعات الطائرات المسيرة، يصبح سجل الطائرات المسيرة أقرب إحصاء لهذا النوع من الطائرات يمكن لنا أن نراه، رغم أنه من المؤكد تقريباً أن عدد الأشخاص الذين يملكون ويشغلون طائرات بدون طيار؛ يتجاوز عدد الأشخاص المسجلين.
أشادت مجموعات الهواة بالحكم الصادر، مثل أكاديمية علوم الطيران الخاصة بنماذج الطائرات المصغرة AMA. تهتم هذه الأكاديمية بكل من تعليم قيادة الطائرات المسيرة، والدفاع عن حقوق الهواة في مواجهة التوصيفات غير العادل، أو التشريعات المجحفة. (جدير بالذكر، أن AMA شككت منذ البداية بسجل الطائرات بدون طيار).
يقول ريتش هانسون، رئيس أكاديمية AMA بشأن هذا الحكم: "لطالما كنا نعتبر التسجيل الفيدرالي لأنظمة الطيران المسير (UAS) عملية منطقية عندما تفرض حدوداً مناسبة تخص الوزن، والقدرة وغيرها من الخصائص المتعلقة بالسلامة". ويضيف: "مع ذلك، لا ينبغي تطبيق شروط التسجيل الفيدرالي على الحدود الصغيرة التي تشمل الألعاب. كما أنه لا ينبغي فرض أعباء على أولئك الذين اعتادوا على تشغيل الطائرات المسيرة بشكل يتلاءم مع التجمعات السكنية على مدى عقود من الزمن، والذين واظبوا على الالتزام بنظام التسجيل الخاص بـ AMA".
من جهته، بدا تحالف مصنعي الطائرات المسيرة DMA، الذي يمثل مجموعة صانعي الطائرات بدون طيار والتي تشمل الشركات 3DR، DJI، GoPro، و Parrot، أكثر تشكيكاً بالحكم الصادر.
تقول كارا كالفرت، المدير التنفيذي لهذا التحالف: "يدرس DMA الآثار المترتبة على حكم المحكمة المتعلق بشروط التسجيل الذي صدر اليوم، ولكنه يعتقد أن النظام القائم قد عمل بشكل جيد لحماية مصالح الطيارين الموثوقين والمسؤولين من جهة، ومصالح المجتمع ككل من جهة أخرى". وتضيف: "بما أننا ننتظر معلومات عما إذا كانت FAA ستطعن في هذا الحكم، فإننا نأمل من جميع الأطراف أن يلمسوا الفائدة من اعتماد صيغة معقولة ومقيدة بالحد الأدنى من القانون الناظم الأساسي الذي ساعد على جعل عمليات تشغيل الطائرات المسيرة في أمريكا آمنة للغاية. نحن نتطلع إلى العمل مع صنّاع السياسات للوصول إلى قرار تشريعي طويل الأمد".
يقول براين واين، رئيس الجمعية الدولية لأنظمة الطيران المسيّر (مجموعة صناعية في مجال الطائرات المسيرة): "يلعب نظام تسجيل أنظمة الطيران المسير دوراً هاماً في تعزيز مبدأ المحاسبة والمسؤولية من قبل مستخدمي المجال الجوي الوطني، ويساعد على بناء ثقافة السلامة التي تنهى عن السلوك المستهتر وغير المبالي". ويضيف: "نحن نخطط للعمل مع الكونغرس للوصول إلى قرار تشريعي سيضمن استمرار إمكانية المحاسبة التي تشمل فئات مجتمع المهتمين بنشاطات الطيران بأكمله، بشقيها المأهولة، والمسيّرة".
سيتعين على أي إصلاح تشريعي أن يحقق التوازن بين عدد من الأهداف، التي تخضع لبعض التجاذبات. فهناك حاجات تخص الهواة من جهة، والذين يريدون التحليق بطائراتهم في سلام وأمان كما كان حالهم دائماً، وهو ما أيدته المحكمة الأسبوع الماضي. ومن جهة ثانية هناك دور FAA، التي يتلخص الهدف من وجودها بدورها في ضمان السلامة الجوية للركاب من البشر. ومن جهة ثالثة هناك الشركات التي تصنع وتستخدم الطائرات المسيرة، والتي تريد وجود إطار عمل قانوني يتيح لها إمكانية كل من بيع وتشغيل الطائرات المسيرة، دون فرض أعباء على شركات الطائرات المسيرة نفسها، وذلك لمنع أي من الجهات الفاعلة الخبيثة أو الجاهلة من استخدام طائرات بدون طيار بسوء نية والتسبب بالأذى.
يقول جاز بانغا، المدير التنفيذي لشركة المنظومات المضادة للطائرات المسيّرة "إيرسبيس": "إن مشكلة الطائرات بدون طيار، وهي السبب النهائي لعملية تسجيل الطائرات المسيّرة، هو أننا نريد منك أن تعي قدرة الطائرة المسيّرة على فعل شيء خطر، فهي قادرة على التحليق والاصطدام بإحدى الطائرات". كما أن بانغا عضو في مجموعة الطائرات المسيرة الاستشارية التابعة لـ FAA، وهي مجموعة تضم 35 شخصاً يعملون في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، التي تم إنشاؤها لتقدم التوجيهات الخاصة بسياسة الطائرات المسيّرة.
عندما يخرج المستخدمون طائرة مسيرة من علبتها لأول مرة، قد لا يكون لديهم أدنى فكرة عن كيفية عملها، أو ما الذي يمكنها القيام به. هناك مبادئ توجيهية لقيادة الطائرات المسيرة بشكل آمن، والتي تم وضعها منذ العام 1981، وشكلت جزءاً من حملة التوعية العامة التي أقيمت في العام 2014، ولكن من دون عملية التسجيل، لا يوجد ما يلزم الشخص لكي يتعلم اتباع القواعد.
وإذا صادف أن فقدت طائرة بدون طيار أو تحطمت حيث لا ينبغي حدوث ذلك، فلأنه لا يوجد نظام لتعقب الملكية لمعرفة الطيار المشغل للطائرة. فرض نظام التسجيل على مشغلي الطائرات المسيرة أن يتعلموا قواعد التحليق الآمن بطائراتهم، وبعد ذلك يحصل كل طيار منهم على رقم معرف يميزه بشكل شخصي، والذي يتوقع منه أن يضعه على أي طائرة مسيرة يمتلكها. يقول بانغا: "تصبح عملية التسجيل محطة لتسجيل ما يلزم من المعلومات". ويضيف متسائلاً: "هل يمكن إعطاء سيارة لشخص ما إن لم يكن ملزماً بالحصول على الرخصة اللازمة؟".
من المؤكد أن السيارات آلاتٌ أكبرُ حجماً، وأسرع حركة، وأكثر قدرة على القتل، مع معدل سنوي من الوفيات يتجاوز بالتأكيد 30,000. في حين تبدو حالات الوفاة الناجمة عن طائرات الهواة المسيرة لا وجود لها تقريباً، باستثناء حالات شاذة كشخص آذى نفسه بشكل متعمد بإصابة قاتلة، أو طيار لطائرة مسيرة مشتبه به توفي في حادث سيارة أثناء فراره من الشرطة في المملكة المتحدة.
مع ذلك، فإن النقطة التي أثارها بانغا تؤكد على المخاطر التي تقف وراء الرغبة الحقيقية لـ FAA في إنشاء سجل للطائرات المسيرة. فإذا حدث أن تسببت طائرة مسيرة لأحد الهواة بحادثة وفاة، فإن FAA لا تريد وقوع أمر كهذا من دون وجود نظام يوفر إمكانية المحاسبة. والأمر الأكثر إلحاحاً، هو أن الحد الأدنى من التعلم الأساسي على قيادة الطائرات المسيرة الذي يرافق العمل بنظام التسجيل؛ يمثل إحدى وسائل السلامة الهامة التي ينبغي لأي شخص يتعلم التحليق بهذه الطائرات أن يمتلكها، دون مساعدة من إحدى مجموعات الهواة المحلية المسؤولة.
من المرجح أن تتمثل المحطة القادمة في هذه الرحلة الشاقة بالعمل على وضع تشريع يسمح بتسجيل الطائرات المسيرة وفق أسلوب مشابه لما تريده FAA. وهو هدف يرغب له العديد في هذه الصناعة أن يتحقق، وبما أن صلاحية قرار إعادة تفويض FAA الذي صدر في العام 2012 ستنتهي هذا العام، فهناك فرصة تشريعية فعلية لإصلاحه.