لقد تكرر قول كيفين سيستروم – من مؤسسي انستقرام – أن شعار تطبيق تشارك الصور "انستقرام" هو "افعل شيئاً واحداً وأفعله جيداً". وعلى مدار فترة، كان الشعار المذكور اسم على مسمّى، وقد اعتمد جيل كامل من المستخدمين على انستقرام بصفته من الفضاءات الأهدأ والأجمل على أجهزتهم: دفتر صور مُرتب بحسب تواريخ تحميل الصور، ومنها صور العطلات وصور الأزياء وكمية لا نهائية من صور الطعام اللذيذ. وبينما كانت التطبيقات الأخرى تُلح على المستخدم، ومزدحمة التصميم وبراقة بشكل زائد، يبدو أن تركيز انستقرام كان بالأساس على أن يربط به المستخدم.
لكن كل هذا تغير، ففي عام 2018 تضاءل الإحساس بتصميم انستقرام وكأنه أرض هادئة، بعد أن ازدحم بالتصميمات والخصائص الجديدة.وبدلاً من أن يخدم غرضاً واحداً (تشارك الصور)، تزايدت محاولته لعمل كل شيء. ففي عام 2013 أصدر التطبيق خاصية الرسائل المباشرة، التي توسعت كثيراً في 2015. وفي ذلك العام نفسه، تخلص انستقرام من خاصية "الكروب" المربع للصور التي اشتهر بها متجهاً إلى التوسع للتعامل مع كافة تصميمات الصور.
وفي أواخر 2016 أضاف انستقرام خاصية "Stories"، وهي خدمة شبيهة بتطبيق "سناب-شات" تسمح بتحميل الصور ومقاطع الفيديو العمودية بشكل مؤقت، إذ يمكن أن تختفي بعد 24 ساعة.
وفي العام نفسه أوقف انستقرام خدمة الترتيب الزمني العكسي للصور التي أحبها المستخدمون كثيراً، منتقلاً إلى خوارزمية بدت للكثير من المستخدمين وكأنها ترتب المحتوى بشكل يكاد يكون عشوائي تماماً.
وفي أواخر ديسمبر 2018، كشفت الشركة عن IGTV التي تسمح للمستخدمين بنشر مقاطع فيديو أطول، تصل إلى ساعة، على خدمة الـ IGTV على التطبيق، أو من خلال تطبيق IGTV نفسه، ويرى الكثيرون أنه يتحدى سيطرة يوتيوب على عالم الفيديو. ومع تماثل هذا الموضوع للنشر، أطلق التطبيق خاصية جديدة تماماً، وهي الدردشة الفيديو الخاصة.
لم يمر أي مما ذكرناه دون أن يلاحظه الناس، لا سيما المستخدمين الأوائل للتطبيق، الذين يمكن التعرف في صفحاتهم على انستقرام على مراحل تطور ونمو الموقع، من بضع ملايين من المستخدمين تظهر في صورهم الأولى خصائص انستقرام لدى إطلاقه، إلى مليار مستخدم ينتجون كميات غير مسبوقة على الإطلاق من الصور التي تمثل قطع فن معاصر فريدة من نوعها.
لقد ارتقت كثيراً الجودة الفنية للمحتوى، لكن من يملكون ذاكرة قوية يشعرون بأن انستقرام فقد أثناء هذا النمو والتطور ما كان يجعله مميزاً.
يلوم البعض إضافة خاصية الـ “stories”، ويشير آخرون بأصابع الاتهام إلى تزايد كمية الإعلانات، وهناك آخرون غاضبون للغاية من انتهاء خاصية ترتيب الصور زمنياً بصورة عكسية. لكن رغم الاستياء من أمور مختلفة، يبدو أن انستقرام موفق بشكل غير مسبوق، فما الأمر إذن؟
لعل التفسير الأكثر إثارة للعجب حول هذه الفجوة بين تراجع حب المستخدمين لانستقرام ومعدلات استخدامه المتزايدة مرتبط بحقيقة تقتصر على القرن الحادي والعشرين: "تجربة المستخدم" أوUX اختصاراً، فالمصمم يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا!
نيت بولت هو مؤسس "إثنيو" (Ethnio)، وهي منصة لبحوث تجربة المستخدم. وقبلها، كان يدير بحوث تجربة المستخدم في فيسبوك وانستقرام. يقول بولت إن نجاح انستقرام في تقديم خدمات تكثر الانتقادات الموجهة إليها يبدو منافٍ للمنطق، لأنه كذلك حقاً. يقول بولت: "أحياناً تصمم أشياء يحبها الناس من حيث ما يبدون من سلوكيات، ثم يتحدثون عنها بشكل سيئ رغم سلوكهم المحب لها. إنه أمر غريب للغاية وضد المنطق"، أي أن رغم قول البعض أن كل تجديدات انستقرام مكروهة، فأغلب المستخدمين في حقيقة الأمر يحبونها ويقبلون أكثر على استخدام التطبيق. الحقيقة أن عدد مستخدمي التطبيق يزيد بشكل مطرد.
قال بولت: "من الصعب للغاية الاعتماد على آليات إبداء المستخدمين للرأي. حتى الرأي العام يصعب الاعتماد عليه فيما يخص الرأي في خصائص جديدة طُرحت للتو". على سبيل المثال أظهرت البحوث أن آليات إبداء المستخدمين لآرائهم تكون دائماً معتلة النتائج، سواء كان تقرير حول رأي الشخص في طبيبه أو في حالة البيانات التي يجمعها باحث إعلامي حول الوقت الذي ينفقه المستخدمين على لعب ألعاب الهاتف. هذه التباينات والأخطاء لها مصادر عديدة، سواء ضعف في التذكر أو رغبة المبحوث في تقديم إجابات مقبولة اجتماعياً، أو بسبب تغير المشاعر والإدراك مع مرور الوقت إزاء الظاهرة الخاضعة للبحث.
إلا أن رأي الجمهور هام للنجاح على المدى البعيد في أي نشاط تجاري، وإن كان من الواجب أن يؤخذ أيضاً في الاعتبار أن المستهلكين لا يحبون أي تغيير. ولنتذكر أنه عندما تغير شعار جوجل في 2015 من الخط serif font، الذي استخدمته جوجل على مدار عقود، إلى sans serif font لم يحب المستخدمون هذا التغيير. لكن الآن، بعد 3 سنوات وتريليونات عمليات البحث على محرك بحث جوجل، مر التغيير بسلام تام.
إن الباحثين المعنيين بتجربة المستخدم يعرفون بهذه الصعوبات، لذا فهم لا يقلقون من ردود الفعل المؤقتة السريعة، ويركزون أنظارهم أكثر على بيانات السلوك الدقيقة والمؤكدة. وتساعد التدابير الكمية والكيفية المستقاة من علم النفس والبحوث الطبية وغيرها من المجالات العلمية ذات الصلة، تساعد الشركات مثل انستقرام على تعقب وقياس مدى نجاح تجديداتها. وما زالت استطلاعات الرأي وبحوث قياس الرأي لعينات من الجمهور تُستخدم، لكن الوسائل البحثية الرصدية هي المفضلة في أغلب الحالات. ولحسن الحظ، فإن الأدوات التقنية المتوفرة تساعد في جمع هذه المعلومات بشكل أيسر من ذي قبل.
وباستخدام تقنيات تشارك الشاشة مع المستخدم، يمكن لباحثي تجربة المستخدم متابعة تصفح المستخدمين للمنتج الرقمي والتعرف سريعاً على ما يحتاج إلى تحسين مع وضع أيديهم على الاستخدامات المدهشة للتطبيق الخاضع للبحث. وفي شركة بولت، إثنيو، يظهر على شاشة المستخدم طلب بمشاركته في مناقشة حول مستوى الخدمة مع باحث مُدرب. وعبر الوصول إلى الناس وهم يستخدمون المنتج، يمكن للشركة جمع آراء مستهلكين أدق من مجموعة متنوعة من المستخدمين. ونتيجة لهذا، يتحسن فهم الشركات لمتى يتفاعل المستهلكون مع منتجاتهم، أكثر من أي وقت سبق.