على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على أول مرة وضع إنسان قدمه سطح القمر. إلا أننا لا نزال نتذكر تفاصيل هذا الحدث الضخم، بداية من الألغاز التي ما زالت تحيط بتفاصيل الهبوط ووصولاً إلى العدة والمعدات التي جعل الوصول إلى القمر ممكناً. ومن بين تلك التفاصيل التي ما تزال مثار حديث الناس الساعة التي ارتداها رواد الفضاء هناك. فعلى سبيل المثال، ارتدى رائد الفضاء «بَز ألدرين» أثناء تنقله على سطح القمر ساعةً من طراز «أوميجا سبيدماستر»، وهو نفس الطراز الذي كان ارتداه رواد الفضاء الذين من قبله وبعده.
إنها تفاصيل ترتبط بالأشخاص جزئياً، لأن الساعات جزءٌ مألوف من حياتنا، وبالتأكيد استفادت شركة «أوميجا» من تسويق ساعتها التي ذهبت إلى القمر. واستطاعت ساعة «أوميجا سبيدماستر موون ووتش» - كما تُعرف الآن- أن تلبي شروط ناسا لتكون الساعة التي تناسب أجواء الفضاء الخالية من الهواء، وبقيت حتّى الآن الساعة الوحيدة التي تعتمدها ناسا لرواد فضائها في رحلاتهم الفضائية؛ وخلال تنقلهم خارج المركبة الفضائية في الفضاء. وقد اختارتها ناسا من بين عدة أنواعٍ من الساعات بعد أن أجرت عدة اختبارات عليها ونجحت فيها، كان على الساعة أن تتحمل تسارعاً يبلغ 12 ضعفاً من تسارع الجاذبية الأرضي العادي ودرجاتِ ِحرارةٍ تصل إلى 95 درجةٍ مئوية.
تقول «جينيفر ليفاسور»، المنسقة في قسم تاريخ الفضاء في متحف سميثسونيان الوطني للطيران والفضاء: «ربما تكون التفاصيل الصغيرة، مثل الساعات المخصصة للفضاء، مثيرةً للاهتمام، لكنها لم تكن أبداً الشاغل الرئيسي لوكالة الفضاء، لقد كانت الأولوية بالنسبة لناسا في عملها على ارسال أشخاصٍ إلى الفضاء ضمان عمل مركبة الفضاء التي ستحملهم وجعلها آمنة لهم». وتضيف ليفاسور: «جرت المرحلة التجريبية التمهيدية الخاصّة؛ فيما يتعلّق بالتدرّب على التفاصيل الصغيرة للعيش في الفضاء، مثل كيفية تناول الطعام، في الأيام الأولى في مشروع ميركوري - أول برنامج رحلات الفضاء البشرية للولايات المتحدة-».
وتقول ليفاسور: «عندما كان رائدا الفضاء؛ آلان شيبارد، وجوس جريسوم، ينطلقان إلى الفضاء على متن الرحلات الفضائية التجريبية في مشروع ميركوري تحت المداري عام 1961، لم يكن هناك شيءٌ إضافي يتعلّق بهذه التفاصيل الصغيرة في تلك المهام». باختصار، لم تكن ناسا تولي هذا الاهتمام العميق بالساعات التي سيرتديها رواد الفضاء حينها بعد.
ومع انتهاء مشروع برنامج ميركوري وانطلاق مهمة «جيمني»، بدأت ناسا تهتم بموضوع مواصفات الساعة التي سيرتديها رواد الفضاء، وقامت بتعيين المهندس «جيم راجان» عام 1964 لمهمة اختيار واحدةٍ من بين أربع ساعات مرشحة لرحلات الفضاء. واُختيرت ساعة «أوميجا سبيدماستر كرونوغراف» في نهاية المطاف عام 1965.
وقال «راجان» لصحيفة نيويورك تايمز في جزءٍ من تاريخ رحلة أبولو 11 يتحدث عن الساعة المُستخدمة على القمر: «خرجت ساعات؛ رولكس، ولونجين من الاختبار الأول، لقد أجرينا 11 اختباراً على الساعات لاختبار مدى تلبيتها لشروط بيئة الفضاء، كنت آمل أن تجتاز ساعة أوميجا باقي الاختبارات، وهذا ما حصل بالفعل، وقد أحبّ رواد الفضاء ساعة أوميجا أيضاً».
في الواقع، لم تكن أوميجا العلامة التجارية الوحيدة التي سافرت إلى الفضاء. فقد ارتدى «جون جلين» ساعةً من ماركة «هوير» في رحلته المدارية عام 1962، كما كان رواد الفضاء يرتدون ساعات من «كاسيو» داخل المركبات الفضائية. وقد ابتكرت أوميجا أيضاً ساعتها «X-33» الجديدة عام 1998 والتي ضمت شاشةً رقميةً أيضاً لعرض الوقت، وقد ارتداها رواد الفضاء خلال السنوات القليلة الماضية التي كانت تعتمد ناسا فيها على رحلات المكوك الفضائي. أما اليوم، ووفقاً لما تقوله ناسا، يغادر رواد الفضاء محطة الفضاء الدولية لإجراء بعض الاصلاحات والقيام بمهام أخرى دون ارتداء أي نوعٍ من الساعات.
تحتوي ساعات أوميجا على بلورات «الهاستيل» في نافذتها الشفافة قوق قرص الساعة، وهذه المادة لا تتطاير إلى أجزاء عند تحطمها -في حال حدث ذلك- أما أنواع البلورات الياقوتية الحديثة الأخرى قد تشكّل خطراً على رواد الفضاء، وتلك ميزة مهمةٌ جداً بالنسبة لرواد الفضاء.
تقول ليفاسور: «كان الهدف من الساعات هو إدخال نظامٍ لضبط الوقت لبعض المهمات، لدى المركبة الفضائية نفسها توقيتٌ للمهمات أيضاً، لكن ارتداء رواد الفضاء الكرونوغراف –المؤقت- على الذراع، سواء كانوا داخل المركبة أو خارجها، يتيح لهم خياراً آخر للاستمرار بالاطلاع على التوقيت وزمن المهمة. على سبيل المثال، احتاج رواد الفضاء على متن أبولو 13 ميزة المؤقت الزمني ليتمكنوا من حساب الوقت اللازم لتشغيل المحرّك. وقد ترك نيل أرمسترونج ساعته داخل المركبة قبل أن يخرج على سطح القمر كإجراءٍ احتياطي في حال تعطل مؤقت السفينة نفسها. حتى أن هناك صورةٌ لرائد الفضاء «جين سيرنان»، قائد رحلة أبولو 17، تُظهره وهو يرتدي ثلاث ساعاتٍ في معصميه، كما تشرح ليفاسور.
لماذا إذاً نهتم بشدة بالساعات الفضائية؟ لسببٍ واحد؛ وهو أن الساعة يمكن لأغلب الناس الارتباط به يومياً؛ على عكس بدلة الفضاء مثلا، ولأنها تستخدم لتحديد الوقت. وتقول ليفاسور: «إذا كانت الساعة مخصصةً للرحلات الفضائية، ستحمل الساعة رمزيةً للدقة».
تقول ليفاسور: «أتلقى الكثير من الاستفسارات حول الساعات في المجموعة التي أقتنيها والتي يبلغ عددها 65 ساعة من أصل أكثر من 2000 قطعة أخرى فيها، والتي تشمل أشياء مثل الكاميرات وسماعات الإتصال والأغذية الفضائية، علماً أن هذه الأشياء كانت جزءاً أيضاً من التفاصيل والمعدات التي استخدمها رواد الفضاء، وقد كانت مهمّة وحاسمةً جداً أيضاً عندما خطوا على سطح القمر وعندما كانوا يمشون خارج المركبة في الفضاء».